المختار ولد داداه ….من أرشيف المشهد الموريتاني
فخامة الرئيس المختار ولد داداه نعم القائد الملهم والأب الحنون والمجاهد البطل.
رجل عظيم تلمس الصدق من حديثه، قوي الذاكرة، حلو المنطق، وفيٌ لأمته. ذهب إلى جوار البارئ لا يحمل حقدا على أحد.
تجاوز المختار عُقد البيظان عندما كتب سيرته فلم يخجل من طفولته المرة ولم يتوقف عند نسبه كثيرا غير مستبعد ما يقال عن أصل العائلة: “إننا نقول إننا من بني فلان والناس يقولون العكس..”
ذلك لا يهم إنها عائلة علم وسياسة “والمسك أصله دم في عنق الغزال”..
ظل وفيا لطفولته القاسية.. حديثه مليء بالثناء على الأخوال فقد أحاطوه بالعطف والرعاية رغم ضيق ذات اليد .
لقد وضع الرجل اسمه في سجل العظماء فتجاوز حساسيات القبيلة والعائلة “إن الفتى من يقول ها أنا ذا…
ما كان المختار جهويا ولا قبليا.. فقد اصطفى ابن بيّه وحمدي ولد مكناس وشيخنا ولد محمد لغظف ويحيى ولد منكوس وآخرين..
إنها رابطة الوطن وحده فما جاء هؤلاء من ضواحي بوتلميت وما رضعوا ثدياً في أولاد انتشايت!!
كانت تلك أوقح فرية فما كان المختار إلا وطنيا عظيما.
كان المختار قائدا شجاعاً عاداه الحسن الثاني وجفاه العرب وحنق عليه بعض الأفارقة ثم خاض حرب التوحيد فما ضعف وما استكان، وإنما ظل مرفوع الرأس قوي الشكيمة إلى أن دب الخوف بين الجنود فكانت القصور أرحم بهم من الثغور، فتشوا في خزائن الرئيس وحساباته وسجلاته فما وجدوا إلا قليلاً، 300 ألف أو تنقص بعد ربع قرن من تسيير البلد!
رحم الله المختار بن داداه.
لكن صاحب الفخامة لم يشذ في مذكراته عن نهج العظماء.. كان كل ما كتبه حقيقة لكنه لم يكن كل الحقيقة!!
تحاشى السيد الرئيس الحديث عن بعض الأمور وأغفل تعليل بعض الأحداث رغم ضرورة ذلك أحيانا..
وبعض قرارات الرئيس تخدش وفاءه للمبادئ التي ناضل من أجلها طويلا، وفاتت على الرئيس الفطنة لجزء من خصوصيات المجتمع، وكانت في ديمقراطيته تأويلات..
كان الحزب واحدا والرأي واحدا والإقناع دائما بالحكمة والموعظة الحسنة، وحيث لا جدوى فالإقالة أو الاستقالة: إما أن تكون مع الرئيس وإما أن تغادر دوائر القرار.. طريقان لا ثالث لهما
تخير فإما أن تزور ابن ضابئ :: عميرا، وإما أن تزور المهلبا
قال المختار إنه تعددي لكنه قال بالحرف الواحد إن كل الذي خالفوه الرأي استقالوا أوأقيلوا !!
على النواب والوزراء وأعضاء الحزب أن يسمعوا كلام الرئيس ثم ليصمتوا، إن لم يرد منهم كلاما:
يدبّيتاتْ أخيرْ إلْكمْ :: ذ الرئيس اتمدو ليْدْ
هو إن يشأ يذهبكم :: وياتِ بخلقٍ جديدْ
وعلى مريم أن تقنع الشباب والنقابات وعليهم أن يقتنعوا، كان كل شيء بيد المختار عزلا وتولية:
فإن الماءَ ماءُ أبي وجدي :: وبيري ذو حفرت وذو طويت
الدين حاضر في ذهن المختار وعندما وعظه والده قبل السفر للدراسة ذرفت عيناه حتى آخر دمعة، الرئيس ينتمي لعائلة علمية ولم يبحر في محيط السياسة أو يطلب العلم في نيس إلا ليرفع من شأنها العالي أصلا..
لكن انتماء الرئيس العلمي وفهمه السليم للدين وتقديره للدور الريادي الذي لعبه الشناقطة في سَفارتهم لم يتجسد بما فيه الكفاية في تعاطيه مع طلبة العلم والمشايخ ولم يدفعه بسرعة لتبني الشريعة نظاما ودستورا..
وما عدا عبد الله بن بيّه الذي كان رجل مهمات متعددة وأحد مهندسي الحزب لم يتخذ الرئيس خليلا من أهل العلم، أولم يتحدث عن ذلك على الأقل..
ربما كانت لدى الرئيس أولويات من قبيل الوحدة، ثم باغتته الحرب..
من يدري!
المحصنات من الذين أوتوا الكتاب حِلٌ زواجهن فما من إشكال في زواج المختار من فرنسية ولا برهان على أن ذلك أخل بوطنيته فتلك أكاذيب رددها المرجفون في الصحارى لا تستحق إسالة حبر..
لكن المختار لم ينتبه إلى أن المجتمع المتسامح قد تقبل أن تكون زوجته نصرانية دون أن يمكّن لها في الشأن السياسي، فزوجة الرئيس لا تحمل صفة رسمية وحبذا لو اقتصر دورها على حضور المناسبات البروتوكولية، ما عدا ذلك لا يستسيغه مجتمع لا يحب “النصارى” فما بالكم بـ “النصرانيات” وله أي المجتمع في ذلك أَعذارٌ لعلها أقربها البعد الديني والبداوة وجهل الآخر.
كان حب الرئيس لأهل بيته على حساب المنظومة الاجتماعية.. والغريب أنه – رحمة الله عليه – ظل يدافع عن تصرفات مريم حتى آخر حياته فلم يعطها الضوء الأخضر إلا عن وعي بما يمكن أن تقدمه للعمل الشبابي والثقافي.
هكذا قال المختار.. ربما اجتهد الرجل فأخطأ.
المختار ذو مبادئ كلفه التمسك بها ثمناً باهظا سواء في محادثاته مع الفرنسيين أو المغرب وحتى الروس، ولولا عضه بالنواجذ على تلك القيم لأسبغت عليه أميركا نعمها الظاهرة والباطنة، رفض لقاء الرئيس الأميركي مرة لأن الأخير كان قد أساء إلى أحد الزعماء الأفارقة فلم يكن المختار ليغفرها له، كان تصرف الرئيس الأميركي في نظر المختار إهانة لإفريقيا كلها وكان المختار على حق.
عند الحديث عن الصين قال الرئيس إن سفارة تايوان كانت أول سفارة في نواكشوط العاصمة قيد البناء، وبعد محادثات مع الصين قطعت العلاقات بتايوان.
لم يزد المختار على ذلك لكن أحدا لن يشك في أن الرئيس الذي تدعمه الصين في شتى الأصعدة كان عليه أن “يتنكر” لتايوان حتى ولو كانت أول من شيد الإسمنت بين رمال نواكشوط فالسياسة فن الممكن. لكن المبادئ التي ناضل أبو الأمة من أجلها لم تكن حاضرة في هذا السلوك..
كان على صاحب الفخامة أن يكون صريحا مع القارئ، وعليه في نفس الوقت أن يعتذر لبني تايوان.
الضباط الذين قادوا المحاولة الانقلابية الفاشلة على ولد هيدالة كانوا محط إعجاب وتقدير السيد الرئيس فقد كانوا “ينوون إعادة الشرعية للبلد”! ترى ما ذا كان يقصد الرئيس؟
هل كان يود العودة للحكم بالقوة كما خرج؟
وهل تغيرت قناعة الرئيس الذي ترك “الضباط يفعلون ما يشاؤون حفاظا على وحدة القوات المسلحة”؟
الله وحده من يعلم حقيقة ذلك.
وفي حرب التوحيد المقدسة جزم الرئيس بأن الأوضاع كانت مستتبة منذ فترة طويلة قبل مغادرته الحكم فتيرس الثانية كانت تديرها إدارة محلية كأي ولاية من الوطن. لكن الرئيس لم يزر الولاية !!
إنه منتهى الغرابة أن لا يزور الرئيس شبرا من الأرض سالت دون تحريره الدماء الطاهرة فما بالكم بولاية كاملة..
زيارة الرؤساء للأراضي المحررة قاعدة سياسية معروفة ترسي كثيرا من معاني القيادة والسيادة!
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها :: كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه
المژدوف