من يبقى أخيرا المشروع القومي العربي أم الإسلام السياسي ؟  الدكتور / محمد ولد الراظى

 

التحولات الهائلة التي تشهدها المنطقة ويشهدها العالم تترافق مع تراجع مخيف للشعور القومي ويكاد الشباب العربي لا يبالي بقضايا الأمة المصيرية حتى يخال المرء أن  هذا القدَر المحبب يغيب من وجدان النخب والقوى الحية في الأمة.

 

و تترافق هذه التحولات أيضا مع صعود متنامي للإسلام السياسي في طبعتيه السنية والشيعية مما يطرح الكثير من التساؤلات عن أسباب هذه التحولات ومآلاتها وهل هي لحظية عابرة أم أنها قد ترسم خارطة المنطقة لفترات طويلة.

 

للمساعدة في فهم هذه المتغيرات الكبيرة وحدودها في الجغرافيا وفي الزمن سيتناول هذا المنشور ، بعد مقدمة تمهيدية،  عرضا عن المنظومة السياسية والفكرية التي شكلت إحداثيات الوعي السياسي العربي منذ مطلع القرن العشرين  (النقطة الاولى) ثم يتعرض للعلاقة بين مرتكزات الإسلام السياسي  ومحددات الشخصية القومية (النقطة الثانية)  ويستعرض بعد ذلك أسباب الكارثة التي حلت بالمشروع العربي في القرن الواحد والعشرين ومآلاتها المحتملة (النقطة الثالثة ).

 

سيتناول كذلك  العلاقة بين الإسلام السياسي السني الذي عاد بقوة والإسلام السياسي الشيعي القوي منذ عقود  واحتمالات التنافس الخشن وربما التصادم بينهما لملء الفراغ الذي أحدثه تراجع المشروع القومي العربي (النقطة الرابعة)  وفي النقطة الخامسة سيطرح المنشور تساؤلات عن من تكون له الغلبة من طرفي المنازلة الحالية ، المقاومة في مواجهة الصهائنة ، ومن تكون له الغلبة في “المواجهة” بين الإسلام السياسي السني والإسلام السياسي الشيعي  وكيف سيتسلل   “الدين الإبراهيمي” وراعيه الإماراتي  لخارطة التأثير السياسي في المنطقة  وكيف ستتمكن السعودية من استعادة دورها داخل  هذه الكيمياء المتموجة  وأخيرا سيحاول تلمس المنافذ التي قد تساعد في عودة الخطاب القومي العربي لسابق عهده مشروع وحدة وعنوان أمة…….

 

لأول مرة في التاريخ العربي ما بعد النكبة لا يكون وجود رسمي في السلطة للبعثيين ولا للناصريين في دولة عربية باستثناء الحالة السورية حيث عائلة وطائفة تحكم بإسم حزب البعث وليس هذا الإستدراك نفيا لعروبيتهم مطلقا فالسوري غير العروبي هو الإستثناء ، ولأول مرة في التاريخ لا يكون وجود مؤثر وفاعل للبعثيين ولا للناصريين في ساحات الفعل السياسي على المستوى الشعبي في طول العالم العربي وعرضه ، فما أصابهم  في موريتانيا عدوى عمت كل البلدان ،  تفرقوا في كل اتجاه وقليل منهم ما يزال يتمسك بشعاراته الجميلة أيام كانت له قضية…..

حين نتحسر على حال البعثيين والناصريين والقوميين العرب عموما إنما نستخرج من دواخلنا مرارة كبيرة لما حل بالأمة وما حل بنخبها ومواطِن أملها ،  فالقوميون العرب هم من دفع حياته  فداء  لفلسطين قبل النكبة وبعدها  وفلسطين لا تعني لهم قضية عادلة لذاتها فحسب وإنما أيضا يرون تحريرها شرطا لا تقوم وحدة عربية من دونه وهذا المبدأ القومي هو الذي جعل الصهاينة وحماتهم ورعاة مشروعهم يتكالبون عليهم يسقطون أنظمة حكمهم ولا يبخلون أن يجتثوا من مغارسها كل ما زرعوا في الأرض من بذور وعي قومي … ……

فما هي الأسباب التي جعلت ممكنا هذا التداعي المتسارع للمشروع القومي العربي في عصرنا اليوم ؟ قد يقول قائل إن القوميين العرب تعودوا أن ينتزعوا السلطة من الأعلى من خلال انقلابات عسكرية وهذا فيه بعض الصواب وفيه أيضا كثير من عدم الدقة وفيه أيضا تجاهل للسياقات لا يساعد عادة في فهم الأمور بأبعادها كاملة؛ فقد وصل البعثيون للسلطة في سوريا في خمسينات القرن الماضي من خلال انتخابات حرة وانتشر المد القومي في بلاد المشرق والمغرب من دون سند من حاكم ولا سلطان واستوطن القوميون السجون وذاقوا العذابات والحرمان في سبيل مبادئهم .

 

ثم إن الأحزاب السياسية لا تقرر انتزاع السلطة  عن طريق الجيش إلا حين يكون لها تنظيم سري قوي وتكون لديها طواقم جاهزة قادرة على إدارة الحكم  بمعنى أن تكون حاضنتها عريضة والكثير من الثورات القومية حصلت على خلفية غليان سياسي كان للقوميين فيه الدور الكبير.

 

وحين يمتلك الحزب قاعدة تنظيمية واسعة الإنتشار والقبول بين الناس يكون الإمساك بالسلطة من خلال التنظيم العسكري أقل خطرا وأكثر أمانا على مسار الثورة من نزول الثوار للشارع الذي غالبا ما يتسبب في الكثير من القتل والدمار وعادة ما يتنج عنه ارتباك كبير وربما تناحر بين الناس على اقتسام المناصب والحظوظ والديمقراطية كان الغرب قد وأدها منذ الخمسينات مخافة أن تصبح الإرادة الشعبية العربية هي وحدها الطريق الموصل للسلطة……

فهل يعود سبب مأساة التيارات القومية اليوم أنها تعرضت لحملة استعمارية عدوانية هي الأقوى والأكثر فتكا وتدميرا منذ الخمسينات وتعرضت لطعن من الأهل والأقربين  هو الأقسى على النفس والأكثر غورا وإيلاما ؟ قساوة هذه الحملة وتنوع المشاركة فيها يراد منه تحقيق أهداف عدة منها  أن تقتلع تجربة قومية قوية ثم تزيل الجدار الحامي لمشيخات الخليج فيدب الذعر بين الملوك والسلاطين فيفتحون الخزائن ويغدقون الأموال في مظان الوجع القومي فتتكفل القنوات الفضائية الخليجية بمهمة بث وترويج اليأس وثقافة “واقعية” خضوع المهزوم للمأزوم فتصبح التجارب الخليجية نموذجا يراد تسويقه ضمن خطة أمريكية محكمة لإخضاع الجميع واجتثاث الفكرة القومية من قلوب الناس………أم أن ما حل بالقومية العربية في هذا العصر مرده أن العولمة بما رافقها من تسرب نمط الحياة المادية  وتطور وسائل الإتصال والتواصل ، تحكمت في محددات اهتمام الشباب العربي وحيٌَدتها  نحو الخلاعة والتفسخ والإنحلال والإقتداء بشطحات الفجور فانسلخ الشباب عن منابته ولم تعد الهوية تعني له شيئا ولا الإنتماء ؟

 

لقد وقع الكثير من أبناء هذه الأمة ضحية لوسائل إعلام الغرب حتى أصبح من بيننا من لا يستحي أن يقول إن أمريكا رسول خير وسلم وأن الفلسطيني الذي انتزعت أرضه وديست كرامته وقتل ذووه حين ينتفض لحريته يكون داعية للخراب ومتعطشا للدماء !!!!!!!……

يغيب عن هؤلاء أن أمريكا بدأت رحلتها الأولى في الحياة  بمجازر رهيبة في حق السكان الأصليين و كانت قبلة لتجارة الرقيق و تَحَارب شماله وجنوبها وظلت تمارس الميز العنصري البغيض في حق السود لغاية الستينات و قدتَحارَب وحاربت في كل مكان من العالم – وهزمت بالمناسبة في كل مكان حاربت فيه-  ولم يسلم منها قصي ولا قريب حتى جارها  المكسيكي انتزعت منه ولايات كبرى هي اليوم  قوة الصناعة الأمريكية وفخرها ولا حصر لفجورها ونفاقها وأبلغ وصف لها ما يقول به المثل المكسيكي  أن الله إذا أراد شرا بأحد جعله جارا لأمريكا…..يوم لم تكن لأمريكا أذرع قادرة أن تصل غير الجيران  !!!!!

 

 أم أن لاعبين جددا دخلوا الحلبة في لحظة من أقسى اللحظات القومية قساوة وأكثرها قتامة ،  بمدد كبير ورعاية قوية وحماية إقليمية وعالمية ، ليزيحوا من طريقهم كل صوت عروبي قد يحول دون تحقيق ما يبتغون ؟

 

1- عاشت المشرق العربي في النصف الأول من القرن العشرين  احتلالين أحدهما  احتلال عثماني كان  يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن جثم على المنطقة لقرون طويلة وثانيهما احتلال فرنسي بريطاني  كانت المنطقة نصيبه من أنفال  الحرب الأولى لكنه لم يدم غير عقود.

في هذه الحقبة من الزمن شهدت المنطقة ظهور حركات سياسية قوية بعضها كانت الأرض منشأ له وبعضها الآخر وَفَد إليها على وقع تحولات عالمية كبيرة بعيد هزيمة المحور في حرب 14-18 نذكر ثلاثة من أهم هذه الحركات وأقدمها على التوالي  ؛ التيار الشيوعي وتيار الإسلام السياسي و التيار القومي العربي.

الشيوعيون العرب كانوا أول من تنظم في أحزاب سياسية متماسكة ومنسجمة فكريا وقد ساعد في انتشار هذا التيار وتمدده وجود الإتحاد السوفيتي كقوة عظمى تواجه القوى الإستعمارية التي ما تزال حينها تسيطر على المنطقة العربية.

ورغم  هذا السند القوي الذي سينضاف له لاحقا سند صيني وسيلحق بالدولتين داعمون كثر من دول في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا  ، لم يتقبل الشارع العربي كثيرا هذا الخطاب الأممي القادم من موسكو وبكين وظل الكثير من العرب ينظر للشيوعيين العرب كما لو كانوا جاليات سوفيتية أو صينية ولم ينظر للفكر الشيوعي كمنتج وعي محلى يعبر عن الأمة في خصائصها وفي تحديات لحظتها التاريخية ، فلا وجود في اللاشعور العربي لما يهيئ  للقبول بالماركسية ولا في الثقافة العربية ما يجعل من الأرض العربية منبتا محتملا لهذه الفلسفة وهذا ما قد يكون السبب الأهم  لفشل  الأحزاب الشيوعية بسرعة في المنطقة العربية  رغم ما لها من سبق زمني  وما نالته من دعم قوي من الإتحاد السوفيتي والصين ….

الشيوعية بناء فكري وفلسفي متين  لكنه بحاجة لروح يحيى بها وإلا يموت ؛ فقد فشلت في منشئها الأول الإتحاد السوفيتي لأن المبادئ الماركسية لم تجد لواقط لها في الثقافة المسيحية الأورتودوكسية ولم تجد في اللاشعور السلافي ما ينبتها في الأرض و يسقيها في حين نجحت في الصين وقادتها نحو تحول مرن مستديم جعلها اليوم من حيث الكثير من المحددات أول اقتصاد في العالم ومرد هذا الإنغراس السريع وهذا النجاح الكبير أن الكونفوشيوسية والطاوية الصينية تهيئ الوعي الصيني للقبول السريع والنشط بالماركسية فأصبح الصيني في تركيبته الذهنية  ماركسيا ينتظر قدوم كارل  ماركس منذ خمسة وعشرين قرنا ….

الفكر الشيوعي فكر أممي تذوب فيه الإنتماءات القومية  والعرب بحاجة لإستعادة هويتهم من ضياع عاشته لقرون فأصبح الفكر الشيوعي كأنه في تعارض مطلق مع ما يشغل بال العرب لكن المشروع الشيوعي  فشل أيضا  في إيران التي لم تكن حينها تعاني ما يعانيه العرب فلماذا تكون القوميتان أقل استعدادا من الناحية الذهنية لقبول الفكر الشيوعي الأممي؟  ثم إن الشيوعية ليست الفكر الأممي الوحيد فالفكر السياسي الديني هو أيضا في عناوينه البارزة فكر أممي وقد لاقى قبولا كبيرا في الأوساط العربية والفارسية فهل من علاقة بين العروبة والإسلام السياسي السني ؟ وهل من  علاقة بين القومية الفارسية والإسلام السياسي الشيعي ؟

ظهرت جماعة “الإخوان المسلمون”  أول أمرها في مصر ونادت بشعارات إسلامية بمسحة صوفية في مجتمع متدين إلى حد كبير وبه تصوف متعدد العناوين ومنتشر بشكل واسع فكان للجماعة قبول كبير في أوساط الناس وظلت كذلك حتى كانت نكبة فلسطين.

لم تشارك الجماعة مشاركة تذكر في الحرب وبعد النكبة لم تغير من توجهاتها السياسية على وقع ما حل بفلسطين  وظلت متمسكة بخطابها السياسي الإسلامي العام ولم تكن قضية فلسطين شغلها الأهم  فانفض البعض عنها وقل حماس الناس لخطابها فلم تنتشر كثيرا  كما كان متوقعا لها….

ترافق هذا “الخمول” في المد الإخواني مع بزوغ نجم عروبي  كبير  أوصلته نكبة فلسطين للسلطة بعد أن شارك في الحرب وتولدت لديه قناعة راسخة أن وجود الكيان الصهيوني في أرض فلسطين يعني عودة الإحتلال الغربي للمنطقة بثوب جديد وبشكل أخطر بكثير من حيث أنه استيطان والإستيطان يختلف عن الإستعمار  اختلاف علاقة المستوطن بالأرض عن علاقة المستعمر بها ….

بدأت المواجهة بين عبد الناصر والإخوان مبكرا فانخرطت الجماعة في معارضته وكان موقفها من شخصه محددا لمواقفها من قضايا المنطقة عموما فحيث يكون عبد الناصر لا يكون الإخوان…..

فاز عبد الناصر بقبول جماهيري واسع وغير مسبوق في مصر وسائر بلدان العرب وذاع صيته بين المسلمين عموما وربما كان انتشار الروح الناصرية من الأسباب المهمة  لتراجع قدرة “الإخوان ”  على التواصل النشط مع الناس داخل المنطقة العربية ولاقوا  صعوبة كبيرة أخرى في اختراق الفضاء الإسلامي الإفريقي نظرا للشعبية الكبيرة التي يحظى بها عبد الناصر داخل إفريقيا،  فازدادوا عزلة  رغم أن وجودهم ظل راسخا في المجتمع المصري….

 

بدأت بواكير المشروع القومي العربي مع بداية القرن الماضي لكنه تجسد أساسا في حزب البعث الذي تأسس رسميا عام 47 وحركة القوميين العرب التي بدأت نشاطها غير الرسمي بعيد النكبة ثم أعلنت عن نفسها رسميا عام 51  بتشكيلة قيادية غالبيتها فلسطينية ثم كانت التجربة الناصرية التي ملأت المشهد منذ  ثورة يوليو 52.

 

يتميز التيار القومي العربي عن التيارات الأممية الماركسية والإسلامية في أن أجنداته عربية صرفة ونشاطه داخل الحيز الجغرافي العربي ثم يتميز أيضا أن ليست لديه علاقات ذات بعد تنظيمي مع تيارات أخرى لا في الإقليم ولا في العالم.

 

لكنه أيضا قد يكون بحكم هذه الخصائص المميزة أكثر عرضة للإستهداف من التيارات القومية الأخرى داخل الإقليم كالوطنية الطورانية والقومية الفارسية.

 

لم يكن البعثيون والناصريون في انسجام كبير وقد يكون لإختلاف البئتين الحاضنتين دور في ذلك فالناصرية نبتة عربية إفريقية وعبد الناصر كان له اهتمام كبير بعمق مصر الجغرافي وكان له دور قوي في دعم الثورة الجزائرية والكثير من حركات التحرر داخل القارة  يوم كان البعثيون خارج السلطة وهذا لا يعني مطلقا أن الناصرية لم تكن لها امتدادات مشرقية كبيرة.

 

أما حزب البعث فنبتة عربية مشرقية والتحديات التي تواجه المشرق ليست كالتي تواجه دول المغرب وما تختلف فيه العلاقة بين الإسلام السياسي بشقيه والتيار القومي بشقيه هو أن الخلاف بين طرفي الإسلام السياسي خلاف عقيدي في جوهره وكل ما له علاقة بالدين عادة ما يكون مقدسا مما يستعصي معه القبول بالآخر المخالف لكن المصالح السياسة قد تجمع بين الطرفين للحظة معينة  في حين أن الخلاف بين طرفي التيار القومي ليس خلافا بنيوبا ولا قداسة فيه بل خلاف سياسي قد يخطئ طرف في التقدير كما كان موقف القذافي من حرب إيران على العراق ويبقى التوجه هو نفسه والمبادئ هي نفسها.

 

تعتبر التيارات القومية العربية احتلال فلسطين خطرا وجوديا سيمنع من تدارك الهوية العربية وبناء مشروع الوحدة وهذه الأمور لا ينظر إليها  الماركسيون ولا يراها الإسلاميون من نفس الزاوية….

 

ونظرا لهذا التباين الكبير في الأولويات تعرض التيار القومي كما تعرضت تجاربه في الحكم  لإستهدافات كثيرة من دول وأحلاف عسكرية ومنظمات وجماعات سياسية لا يجمعها غير أنها لا تكن ودا كبيرا للعرب ولا ترغب في وحدتهم ، فانشغلت الحكومات والأحزاب القومية في  مواجهة  هذه التحديات وأخذ منها ذلك وقتا طويلا  وجهدا كبيرا ، تنجح أحيانا وتفشل أحيانا ولكنها كلما خسرت ساحة كانت تعود  إليها بسرعة وبقوة.

 

شارك البعثيون والناصريون في أنظمة حكم مختلفة في الكثير من الأقطار العربية وشهدت ستينيات القرن الماضي أول مشروع وحدوي بين مصر الناصرية وسوريا البعثية لكن التجربة لم تعمر طويلا رغم ما لاقته من التفاف شعبي كبير ثم تلاحقت الأحداث في المنطقة فكان صراع الثوار مع الإمامة في اليمن ثم نكسة حزيران.

 

حصلت انشقاقات كثيرة داخل البعثيين وحصل ارتداد يكاد يكون شاملا لقادة حركة القوميين العرب  ومات عبد الناصر وأغلب الظن أنه قُتل لكن رغم كل ما حصل فإن الزخم القومي لم يمت فقد وصل البعثيون للسلطة سنتان قبل ذلك فأصبحت  بغداد منبرا وقلعة متينة للقومية العربية……..

 

تميزت التجربة القومية في العراق أنها توجهت للأخذ بأسباب التطور العلمي فشيدت الجامعات وابتعثت الطلبة لكل مكان وشيدت المفاعلات النووية لخلق تزوان في المنطقة فعاجلتها أمريكا وقضت على المشروع ثم رأت في اهتمام العراق بالحصول على السلاح النووي خطرا وجوديا على الكيان فحزمت أمرها وجيشت العالم معها وأطاحت بنظامه  الوطني فكانت أكبر  كبوة  للمشروع القومي العربي على الإطلاق……

 

2- بدأ الإسلام السياسي تيارا سنيا محلي النشأة والأجندات وظل شبه محصور في جماعة الإخوان المسلمين لفترة طويلة إلى أن نجحت الثورة الخمينية في إيران في الخمس الأخير من القرن العشرين فتراجع انفراد الإخوان بالخطاب السياسي الإسلامي وبرز التيار الشيعي بشعارات أكثر راديكالية في موضوع فلسطين وظهر بإمكانيات مادية وإعلامية وتعبوية لا تملكها جماعة الإخوان في تلك الفترة.

قد يتبادر من الشعارات الأممية للإسلام السياسي أن القومية خصمه الأول كما هي بالنسبة للشيوعية ولكن الحقيقة تبدو غير ذلك، فالدين والقومية بينهما علاقات تفاعلية وثيقة و العروبة عند القوميبن جسم روحه الإسلام والكثير من المسيحيين العرب يقول إنه مسيحي بالعقيدة مسلم بالحضارة.

 

كان حسن البنا مهتما كثيرا بالعروبة بل عبٌَر تصريحا عن حسه القومي وتشبثه بالوحدة العربية  في رسائله العديدة قبل أن تأتي السياسة فتفسد على جماعة الإخوان هذا الحس العروبي الذي رافق نشأتها الأولى وتعيد تحديد بوصلة جديدة مغايرة تماما.

أما الإسلام السياسي الشيعي فعلاقته بالقومية الفارسية علاقة وجودية تلقائية  فالتشيع في اللاشعور الفارسي هو من أنقذ الأمة بعد إسلامها -كانت أول أمرها على مذهب أبي حنيفة- من التغول التركي السني وحين تشيعوا تشيعوا كلهم  والفرس أهم   ركائز التشيع اليوم والتشيع صفة محددة من محددات القومية الفارسية منذ تشيعوا والفرس يهمهم كثيرا أن يتميزوا عن غيرهم….

علاقة الفرس بالتشيع فيها بُعد عقيدي كبير وبُعد قومي أكبر  فعلى المستوى العقيدي يجد الفارسي نفسه شيعيا بالفطرة لأن الكثير من المعتقدات الشيعية (كالمهدي وغيره) لها نظير في الزرادشتية الفارسية ومن حيث البعد القومي فتشيع الفرس جاء من أعلى الهرم حين تشيع شاه إيران ” إسماعيل الصفوي” فلحقت به الأمة لأنه ملك ملوكها فأصبح التشيع عند الفرس  بمثابة نصيبهم من الإسلام فكان هذا التماهي أول الأمر مع الشاه الصفوي ثم عبر عن نفسه حديثا  مع “الولي الفقيه“.

 

ابتعد الإسلام السياسي السني كثيرا عن العروبة وكان على جفاء عميق مع  الفكر القومي العربي والتجارب القومية لأسباب سياسية فتلاقى مع إسلام سياسي شيعي يجافي العروبة لأسباب مبدئية فتحالف التياران ضد العراق إبان الحرب العراقية الإيرانية…..فهل يصمد هذا التحالف أمام تعارض مصالح رعاة الطرفين في هذه الحقبة التي يكبو فيها المشروع القومي العربي كبوة قوية تعطي إشارات أنها قد تطول  ؟

 

3- حين انفردت أمريكا بالسيطرة والقوة بعيد سقوط جدار برلين قادت وحلفاءها في المنطقة والعالم حربا تستهدف في ظاهرها العراق ونظامه القومي وفي حقيقتها تستهدف ما هو أبعد،  أن تجتث الفكرة القومية والشعور القومي من قلوب الناس وأن تبدأ بالنواة الصلبة لهذا المشروع  فتحتل بغداد وتمعن في البطش و الإيذاء فشاركها كل الذين يستفيدون من سقوط البعث ، فقد  وقف أمام أطماع إيران ووقف أمام أطماع تركيا ووقف أمام مصادرة أمريكا للموقف الرسمي العربي فكان عدوا لهم جميعا فتنادوا عليه وقتلوه…….أما عرب المنطقة فلا يسألون عن أمر ويفعلون ما يؤمرون.

 

كان انهيار تجربة الحكم الوطني في العراق والسياق التاريخي الذي حصل فيه وما لحق  بالأمة من مآسي  أخرى ، إعلانا لكبوة كبيرة أصابت الوعي القومي برجٌَة لم يفق منها بعدُ وأصابت النخب القومية بخيبة أمل أكبر بكثير من نكسة حزيران….

في حزيران 67 انتكست جيوش عربية أمام الجيش الصهيوني فازداد حنق الشارع العربي على المشروع الصهيوني وتلاحمت الشعوب مع القيادات ولم يرتدد عن القومية نحو الماركسية سوى القليل خاصة  من داخل التنظيم الفلسطيني  واقتصرت الآثار النفسية على لحظة قصيرة فلم تمض سنة حتى نجحت ثورات قومية عربية في عدة  بلدان وعاد الشعور القومي لسابق عنفوانه وعاد  الأمل ….

أما ما حصل للمشروع القومي العربي في القرن الواحد والعشرين فكان حملة استعمارية عالمية تستهدف الأرض والإنسان والحاضر والمستقبل والدوس على مقدسات الأمة ومشاعرها واجتثاث الروح القومية فيها  بمباركة ومشاركة الأهل والأقربين فكانت النتيجة أن أصبح مجرد التعبير عن الإنتماء القومي  يعرض صاحبه للمساءلة والمضايقة والحرمان وربما القتل من دون سؤال…….

وكما كان الفرق كبيرا بين ما وقع للعرب عام 67 وما حل بهم في مطلع القرن الواحد والعشرين ستأخذ فترة التعافي القومي مُددا أطول بكثير هذه المرة مما كانت عليه بعيد الخامس من حزيران وسينتج فراغ كبير سينشط فيه الإسلام السياسي السني بعد يقظته من طول سبات والإسلام السياسي الشيعي وأذرعه الطويلة التي تكاد تطبق على جغرافيا المنطقة  وسيجد فيه “دين إبراهيم ” مكانا وسيكون فيه متسع لعودة الإسلام السعودي  يوم تتضح رؤية محمد بن سلمان لمستقبل المملكة……

4- فماهي الاسباب التي أيقظت الإسلام السياسي السني من سباته الطويل ؟  وكيف ؟ وكيف كانت العلاقة بين الإسلام السياسي السني والإسلام السياسي الشيعي وكيف قد تتغير  ؟ وهل سيستطيعان المحافظة على المشتركات ويتفاديان المواجهة ؟ وهل ستسمح مصالح رعاة “الإسلامين” السني والشيعي أن يستمر الود الذي بدأ بينهما في التسعينات ؟ وكيف ستكون علاقة كليهما بالدين الإبراهيمي ؟ وبعودة محتملة لطبعة جديدة من الوهابية على يد محمد بن سلمان ؟ وأي مستقبل للمشروع القومي العربي ؟

عاش “الإخوان المسلمون” صراعا قويا مع عبد الناصر ثم دخلوا بعد وفاته مرحلة كمون بما يشبه “التقية” عند الشيعة وهادنت الجماعة أنظمة الحكم من بعده  وتوارت عن المشهد بشكل ظاهر إلى أن بدأت مشيخة قطر تبحث عن دور لها في المنطقة.

استضافت الإمارة الخليجية الصغيرة قاعدة “السيلية” الأمريكية وفي مقابل ذلك نالت منها ما لم تنله مشيخات الخليج الأخرى فسمحت لها بقناة “الجزيرة” وسمحت لها أن تحتضن جماعة الإخوان المسلمين وللمشيخة في هذا قصد كبير وغايات ، فكانت “الجزيرة” منبرا يطل منه يوسف القرضاوي أحد قادة الإخوان في برنامجه الشهير  “الشريعة والحياة”  فتمدد خطاب الجماعة وانتشر قبولها وزاد من ذلك الإنتشار والقبول “خيريات” قطر وأموالها وما توفره من أمان لمن ضاقت به الأوطان من قادة الحركة ومنتسبيها وفي المقابل امتلكت الإمارة الصغيرة حجما سياسيا عالميا ونفوذا هائلا في المنطقة من خلال انتشار وتمدد حركة الإخوان المسلمين عموما و داخل فلسطين خصوصا…من هنا كانت عودة  الجماعة بقوة وستكون لها عودة قوية بفعل “الربيع العربي” فتفوز فوزا مستحقا في الإنتخابات المصرية والتونسية  وتعود لها الروح في كل البلدان العربية ؛ لن يدوم ذلك طويلا  وستفشل كل تجاربها في المنطقة فشلا ذريعا  باستثناء التجربة التركية التي يبدو أن الذي جنبها الفشل هو أن انخراطها في دعم قضايا المنطقة لم يكن جادا وظل في حدود تصريحات لأردوغان ما يكون لها من أثر ولا تكون لها تبعات…..

 

تَواجَه الإسلام السياسي الشيعي والإسلام السياسي السني في أول احتكاك  في سوريا حين تعارضت مصالح رعاة الطرفين ، إيران من جهة وأمريكا وحلفاءها  في المنطقة من جهة أخرى  ، الإيرانيون لا يقبلون بسقوط دمشق في يد الغرب فهي مظلة حزب الله وشريانه ومدده وأمريكا لا تقبل بنظام في دمشق يكون رأس جسر لروسيا في المنطقة وتسعى لأن تأتي بنظام يسمح بمد أنبوب الغاز القطري عبر الأراضي السورية نحو أوروبا يُحرر حلفاء أمريكا الأوروبيين من ضغوط موسكو ويزداد تأثير  المشيخة القطرية في سوق الطاقة العالمي ويسقط لبنان في يد أمريكا بعنوان الطائف أو غيره فتصبح المنطقة كلها بيدها….

 

لكن كلمة السر في كل هذه المخططات هي فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي وأي طرف في  المنطقة يرغب  أن يكون له دور سياسي إقليمي أو عالمي لا بد أن تكون له كلمة مسموعة من طرف فلسطيني فكانت حماس نصيب قطر  فدعمتها بالمال الوفير وكان لها الدور الأساس  في فصل غزة عن سلطة “رام الله” والقضاء على مشروع الوحدة الفلسطينية فتمزق حلم الدولة الفلسطينية قبل نشوء الدولة  وكان الذي كان مما ليست اللحظة مناسبة للتعرض له……

 

ولما اشتد ساعد الإخوان المسلمين في تركيا تحكم الثنائي التركي القطري بمفاتيح الملف الغزاوي وكانت الدوحة قبلة لرجالات العالم والمنظمات الدولية كنافذة مأمونة تنقل لغزة وتنقل منها وحيث تكون تركيا وقطر تكون أمريكا  فالأولى  تملك ثاني أكبر جيش في حلف الأطلسي والثانية تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية خارج أمريكا …..

 

ثم إن لتركيا حسابات مع السعودية تنافسها على زعامة العالم  الإسلامي السني ويخدمها كثيرا أن تكون لها كلمة مسموعة في الموضوع الفلسطيني ولا يستبعد  أن تكون نالت الدعم الأمريكي في مواجهة محمد بن سلمان غير المرغوب فيه من واشنطن كما أنها تنافس إيران في منطقة الشرق الأوسط ومنطقة القوقاز حيث بعض الأقوام من أصول تركية مسلمون شيعة ومنافسة إيران في فنائها الخلفي تخدم أمريكا في مواجهة إيران وروسيا والصين في آن

 

بدأ الصراع  بين الجناحين يعبر عن نفسه بشكل أكثر وضوحا حين جاء طوفان الأقصى فانخرطت إيران بشكل صريح وقوي وجميع أذرعها  فيه وتوارت تركيا بشكل واضح وجلي لأن عينها على علاقاتها بأمريكا وبالإمارات  ومصر وبدرجة دون ذلك بالسعودية واكتفت أمام الكارثة في غزة بتصريحات نارية كثيرا ما تعقبها صفقات تجارية ضخمة مع الكيان جعلت من تركيا شريكه الأول أما في الموضوع اللبناني فقد ظلت تركيا  على الصامت!!!!

 

تعيش المنطقة العربية اليوم حربا حقيقية مختلفة عما سبقها من الحروب من حيث الفاعلين المباشرين ومن حيث علاقتها بحروب أخرى في العالم ومخاضات قد تؤدي لتحولات عالمية كبرى.

الإسلام السياسي الشيعي منخرط بقوة في القضايا السياسية للمنطقة وفي قضية فلسطين خصوصا  في حين يقتصر الإسلام السياسي بطبعته التركية القطرية على توزيع الأموال  والخدمات والترويج الإعلامي عبر الفضائيات لشخصيات فقهية وازنة وبناء مراكز دعوية ومساجد وجمعيات “خيرية” وما شاكل ذلك من أنشطة قاعدية تؤسس لمركزية أشخاص أكثر مما تخلق من التفاف شعبي حول خطاب وموقف

لقد أصبح الإسلام السياسي الشيعي هدفا للعدوانية الأمريكية فنال تعاطفا واسعا من العرب والمسلمين لأنهم حيث توجد أمريكا واسرائيل يكونون  تلقائيا في الطرف الآخر…..فمن ستكون له الغلبة في هذه الجولة ؟

 

الهزيمة والإنتصار مفاهيم نسبية والمهزوم هو الذي يفشل في تحقيق أهدافه وإسرائيل حتما مهزومة لأن هدفها أن تقضي على المقاومة وتبعد الخطر عن ما تسميه سكان إسرائيل في عصر أصبحت المسيرات تمرح في سمائها ليلا ونهارا قادمة من أقاصي البلدان والمنتصر في هذا النزال هو محور المقاومة لأن هدفه أن يصبح الموت في اتجاهين وأن يرعب الإسرائيلي في الداخل ويهجره من نقاط التماس وينزع من إسرائيل  كل ما كانت تتباهى به من عوامل القوة ويثبت دورا إيرانيا قويا ومستديما……

سيكون انتصار “حماس” و”الجهاد”  انتصارا  للإسلام السياسي السني في عنوانه الرسمي  ولكنه انتصار للإسلام السياسي الشيعي في حقيقته لأن هذا الإنتصار  ما كان ليكون لولا الدعم الإيراني أما انتصار حزب الله فهو انتصار إيراني حصري  لا شريك لأحد معها فيه فتكون النتيجة أن إيران هي المنتصر الفعلي في معركة طوفان الأقصى ومابعده وفي هذه الحالة أين سيكون  اللاعبون الآخرون في المنطقة مصر والسعودية والإمارات ؟

 

إن أي  صمود لغزة يعني نصرا لمصر فلا متنفس للقطاع إلا من مصر ومصر تعمل بصمت وقوة هادئة فلا ترغب بانتصار ساحق للإخوان ولا تقبل بهزيمة منكرة لغزة و لها ما تخاف عليه لكنها لا يعقل أن تفرط في غزة ولا يبدو أنها فرطت فيها بل كل الدلائل تشي أن مصر وراء صمود المقاومة المسلحة وحاضنتها المدنية في القطاع.

 

أما السعودية فتملك من نقاط القوة ما لا يملكه غيرها فهي أغنى دول المنطقة وبها منشأ الإسلام ومحجة المسلمين ولها موقع جغرافي وعمق متميز لكنها تعيش الآن مرحلة تحول كبير يبدو هادئا ولكنه محسوس ويوم تتضح الرؤية للأمير الشاب سيكفيه ما لديه من ميزات ليعيد بلده لدوره المحوري في المنطقة ويتوقع أن بنصب اهتمامه على حصول بلاده على السلاح النووي.

 

الإمارات العربية المتحدة على جفاء مع الإخوان المسلمين وقد يكون هذا الجفاء هو السبب في علاقتهم غير الودية مع قطر التي  استحوذت على الملف الإخواني  وقد يكون نتيجة لها وقد يكون هذا وذاك  كما أن العلاقات بين الإمارات وإيران علاقات مشحونة بسبب قضية الجزر المحتلة  لكن أمريكا التي هي الراعي الحصري للجميع قد تسمح بخلافات بين حلفائها لكنها  لا تقبل مطلقا أن يخرج أحدهم عن مجرة مصالحها والشرق الأوسط فسيفساء يستحيل الإمساك بعناصرها جميعا  إلا من خلال وكلاء وهذا ما دفع الولايات المتحدة أن توعز للإمارات بفكرة مشروع “الدين الإبراهيمي“.

 

يتميز “الدين الإبراهيمي”أنه ليس مشروعا سياسيا ينافس “الحوزة”   و”الإخوان”  بل هو  “مشروع دين”  يجمع بين اليهود والنصارى بمللهم كلها والمسلمين سنة وشيعة ليكون جيبا لجمع عملاء أمريكا من غير المهتمين بالسياسة…..ويكون نقطة البداية لقتل الروح الإسلامية بين المسلمين وتمييع  العقيدة الإسلامية  كما فعلت بالحس العروبي والروح  القومية……..

 

نجحت الإمارات في فصل  عبد الله ولد بيه عن هيأة علماء المسلمين ذات الميول القطرية ثم نجحت  في فصل  محمد علي الحسيني عن حزب الله الشيعي ، الإمام الذي  ظهر أخيرا على قناة العربية يعتب على قيادة الحزب ارتماءها التام والمطلق في حضن الحوزة الإيرانية ويحذر نصر الله من الإغتيال وهو نفسه قد ظهر في لقاء مع حاخام يهودي يمجد التقارب بين الديانتين….

 

5- هل يحسم الإسلام السياسي سيطرته على المنطقة أم ما يزال بإمكان القوميين تدراك الموقف  ؟

 

واقع الحال الآن أن الإسلام السياسي ما زالت أمامه عقود من الزهو اللهم إذا حدث أمر جلل غير متوقع والأحداث الكبرى عادة لا تخبر عن نفسها والثابت أن الأمة العربية أمة حية وولودة لكن ما أصاب المشروع القومي أمر مرعب للغاية ولا يتوقع أن تفيق الأمة منه بسرعة  إلإبزوال أسباب القوة من يد الإسلام السياسي وخاصة الشيعي أو أن تمتلك دولة عربية السلاح النووي.

 

إيران لا تخلو من بطون رخوة قد تهدد تماسك الدولة تحت نظام “ولاية الفقيه” فهناك تيار علماني قوي له تاريخ طويل في مقارعة الأنظمة وله علاقات قوية مع الدوائر الغربية قد يكون طابورا خامسا يفتك بمراكز القوة في إيران….

 

ثم إن التنوع القومي الكبير والثقل الديمغرافي للأقليات في إيران والظلم الذي تشعر به هذه الجماعات جميعها قد يجعل البلاد عرضة لنشاط استخباراتي غربي وصهيوني نشط يعبث باستقرارها ولا يستبعد أن تنتفض هذه الأقليات الكبيرة عند أول وعكة تصيب النظام الحاكم  فتنفصل عربستان وينفصل الإقليم الكردي وقد تنشب صراعات مذهبية بين الشيعة وغيرهم من المسلمين….

 

أما حين تصبح إيران نووية فستتعزز  قوة نظام “ولاية الفقيه” الذي سينظر إليه الإيرانيون أنه أوصلهم لنادي القوى العظمى وسيعطي ذلك دفعة قوية لتمدد أذرع التشيع السياسي وستكون هذه الأذرع محمية بالردع النووي و حين يكون السلاح النووي في يد غير اسرائيل في المنطقة سيهرع الصهائنة يستجدون حلولا سلمية ،  فمساحة إيران ثمانين مرة مساحة الكيان ومساحة مصر خمسين مرة مساحة الكيان ولا يقدر الكيان مطلقا أن يتعايش مع السلاح النووي لغيره في المنطقة.

 

فما الذي سيحدثه حصول مصر أو أية دولة عربية أخرى على السلاح النووي في إعادة بعث المشروع القومي العربي ؟  

حين تدخل إيران رسميا  نادي الدول النووية سيحفز ذلك كلا من مصر والسعودية والجزائر وسوريا لتحذو حذوها ولن يكون بمقدور إسرائيل فعل شيئ يذكر ضد هذه الدول خاصة في عصر ما بعد الأحادية……

 

ويوم تمتلك دولة عربية واحدة السلاح النووي سيعود الأمل للنفوس ويعود  المشروع القومي العربي للسكة بقادة جدد متحررين من اجترار أسباب الجفاء والمناكفة التي عصفت بهم في السابق.

 

ومهما يكن من خلاف بين العروبة  والإسلام السياسي بشقيه  فإن مصلحة الجميع اليوم وغدا هي في تجاوز الخلافات والبناء على المشتركات الكثيرة حتى  تحرير المنطقة كلها من الصهائنة وحماتهم خاصة في هذه الفترة التي تشهد إعادة صياغة متسارعة للنظام الدولي برمته.