للإصلاح كلمة تنفي تقسيم البيظان في موريتانيا إلي فئتين (1) / محمدّ بن البار
كلمة الإصلاح – نظرا إلي أنها ولله الحمد مخضرمة أي عاشت ما قبل الاستقلال بقليل – ما كانت عازمة علي أن تكتب حرفا واحدا في قضية ما يروج له في موريتانيا من كلمتي “البيظان” و”لحراطين” لعدم منطقيتها تاريخيا، فالمسميات الشعبية لا تكون وليدة ظرفها الحالي بل لا بد لها من زمن طويل حتى يصير أصل تسميتها غير معروف عند الجيل الحالي.
فمن عاش أيام الاستقلال الذي ما زال قريبا وكثيرا من أهله ما زال أحياء لم يكن يعرف هذه التسمية، ولكن يعرف تسمية أهل الشرق وأهل الكبلة وأهل الساحل إلي آخره، ويعرف تسمية لعرب والزوايا إلي آخر المسيات كما يعرف أن المتكلم إذا كان يريد بكلامه قضية تعم جميع المتكلمين بالحسانية يقول “البيظان”، وإذا كان يريد قضية تتعلق بشخص أو اثنين ومعهما غير “البيظان” يقول: “البيظان ولكور” وكما أن كلمة “البيظان” تعم جميع الناطقين بالحسانية فإن كلمة “لكور” تعم جميع غير الناطقين بالحسانية سواء كان تكروريا أو سرقلاويا أو وولفيا، أما إذا كانت التسمية غير مقابل للجنس الآخر من سكان موريتانيا وتتعلق بأشخاص من البيظان، مختلفي الألوان يمكن أن يقال “بيظاني” أو “خذري” أو “حرطاني”، وبما أن موريتانيا وصلت إلي عهد قريب أي بعد الاستقلال وهي في بعض أجزائها قضية رق، ويسمون عبيدا لكن لا يسمون “احراطين”، فقد كان الموجود منهم مع “البيظان” يطلق عليه “البيظان” باللفظ العمومي وتارة عبيد البيظان احترازا من عبيد لكور، ولذا فبعد الاستقلال عندما انتشرت أنواع الحركات من الحركات القومية العربية التي تحول جزء منها إلي حركة الكادحين التي تعني الأفكار اليسارية التي لا تعترف إلا بحرية الإنسان دون النظر إلي الديانات، فقد قام إلي جانب تلك الحركة “حركة الحر”، ولم تكن اسمها حركة لحراطين، بل اسمها أخوك الحر وتعني أخوك خطابا للبيظاني، فمنظمة أخوك الحر قادها بزعامة شريفة وطنية مسعود ولد بلخير ضمن بيظانيته ومعه شرفاء آخرون موريتانيون وطنيون وهم في نفس الوقت منخرطون في الحركات العربية وسجنوا فيها مثل الاستاذ اسغير ولد امبارك ومحمد بن الحيمر رحمه الله رحمة واسعة.
هؤلاء وأمثالهم كان نضالهم لتحرير العبيد الموجودين أرقاء عند أسيادهم، وهذا اجتمعت عليه نظريات جميع الحركات في طلب تحرير الأرقاء (الكادحين والحركات العربية التي يوجد فيها مناضلون خذريون يريدون تحرير العبيد) فجميع الحركات تدعو لتحرير العبيد ولا شيء غير تحرير الأرقاء، وأكثر هذه الحركات هم من البيظان.
ومن المؤسف أنه لم تقم آنذاك حركة دينية تطالب بإلغاء الرق غير الشرعي مع أنه من أكبر الكبائر، وأسوأ جريمة يذهب بها الموريتانيون إلي ربهم سواء كانوا من البيظان أو من لكور وهم يملكون أرقاء ظنا منهم أن الإسلام أباح استرقاق كل من وجد في المجتمع أنه رقيق، اتكالا علي ميراثهم، من هذا السلوك الديني غير المعروض علي دين القرآن والسنة الموجودين في كل بيت عند الموريتانيين لا لتطبيق ما جاء فيهما، بل للقراءة فقط والتقديس بعدم مس القرآن بغير طهارة، وللصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم عند ذكر اسمه في الحديث دون النظر إلي سيرته وتعليماته، أما الدين فهناك دين محاذاة يتفق عليه الجميع وإن كان يزاول شيعا، ويعتمد علي صورة أركان الإسلام دون ما تشير إليه حقيقة أداء تلك الأركان، أي من معاني الصلاة والصوم عند الإسلام.
فالشعب محصن أي يحال بينه مع السير علي الصراط المستقيم التي لا توجد إلا في تتبع معاني القرآن والحديث، ولا يغني عن تلك الطريق استحداث طرق أخرى مزعوما أنها مأخوذة من القرآن ولكن أسرع الانتفاع منها وأضمن سلوكا من الأخذ من القرآن والحديث مباشرة.
والآن أرجو من القارئ الكريم أن يسمح لي بنشر كلمات من سيرتي الذاتية عندما أعطاني الله الخروج من حصن تدين المحاذاة في موريتانيا، ووصلت إلي خارجها، ووجدت القرآن والحديث أمامي كأنهما ينتظران من ينتفع بهما مباشرة، حيث أصبحت سلسلة القرآن بالنسبة لي : الله – جبريل النبي صلي الله عليه وسلم – أنا ، وبعد بلوغي وعند نهايتي تكون السلسلة: أنا– الله–المصير وأرجو من الله لي ولوالدي وللمسلمين جميعا أن تتلقانا الملائكة مبشرة لنا بمقدم صدق عند ربنا.
ونتيجة لمواجهتي للقرآن مباشرة، فلم أتأسف علي أي جريمة تركتها مستمرة في وطني مثل جريمة الاسترقاق غير الشرعي المزعوم إسلاميته، فقد قرأت في القرآن حدود سببه وقرأت في التاريخ جغرافية وجوده، وعظم مصيبة صاحبه يوم القيامة ولاسيما ما كنا نراه منه بعيدا عن ما يوصي به الإسلام فيه لو كان شرعيا.
ونتيجة لأسفي هذا فقد انتهزت فرصة تحريم ما في موريتانيا من الاسترقاق في مرسوم هيدالة حفظه الله وأيده، وكتبت بسببه كتيبا عنونته ب”معالم التحقيق في شرعية إنهاء الدولة لمسألة الرقيق”، وبنيت الكتيب علي الأسئلة الثلاثة التالية:
أولا: ما هي حقيقة الرق في الإسلام؟
ثانيا: هل تنطبق تلك الحقيقة علي ما كان موجودا منه في موريتانيا؟
ثالثا: هل يجوز للسلطة العمومية إلغاء الرق في الدولة؟
وأثبت في الجميع شرعية هذا الإلغاء.
وهنا استسمح القارئ في كتابة فقرة من هذا الكتيب الذي طبعت منه 500 نسخة وانتهت عندي، تقول الفقرة:
(فبعد رجوعي إلي الوطن وعودتي إلي أهلي استدعيت مباشرة كل من كان بيني وبينه رابطة رق مشتركا مع الآخرين، وهو قليل ولله الحمد، وقلت لهما: من الآن فصاعدا لا ملك لي عليكم ولا ملك لكما علي، فبما أنني أنا وانتما في الآخرة كلنا يجادل عن نفسه، فكذلك في الدنيا كلنا يعيش يحطب لنفسه، ونبقي إخوة في الدين والقرابة والجار والقبيلة والتكافل الاجتماعي والولاء ووقع هذا سنة 1969). انتهي الاستشهاد.
وأؤكد للجميع أننا في ذلك الوقت لا نعرف بيرام ولا الفرقة التي حصل عليها فيما بعد “ايرا”.
ومن الغريب في هذا المجتمع المسلم أنه بعد مرسوم هيدالة وبعد فتوى العلماء التي بني عليها المرسوم لم يدرك الشعب أن الاسترقاق غير الشرعي جريمة نكراء، فلم يعبأ بذلك لعدم رجوعه للقرآن كما ذكرت سابقا، فالقرآن يخاطب المسلم إذا قتلت نفسا خطئا عليك أن تحرر نفسا من أرقائك كأنه كان قاتلها بالاسترقاق، فمثلا ما ذا ينتفع المقتول أو ورثته بتحريرك أنت لرقيق عندك، وكذلك إذا حلفت ألا تطأ زوجك وأردت الرجوع عن يمينك، فلا تحل لك حتي تحرر رقيقا عندك، أما يكفي المسلم هذا تنبيها من الله أن الرق استثنائي جدا وبكثير من الشروط، وهو أصعب اثم يأتي به الإنسان يوم القيامة، فقوله تعالي ((يا أيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة)) ويبين تعالي أن الأمة إذا كان ملكها شرعيا فهي من أهل الرجل يقول تعالي في الإيماء: ((فانكحوهن بإذن أهلهن))، وعلي من يظن أنه كان يملك أن يتذكر هنا، فكان علي الدولة مباشرة بعد مرسوم التحرير أن تجعل البحث عن الرق مثل الإحصاء بيتا بيتا، لينتهي في 30 يوما، ويلزم حاكم كل مقاطعة وقاضيها أن يقوموا بجولة شهرية صحبة قوة الأمن يبحثون عن أي شكاية من الاسترقاق.
أما دعاية وجوده حتى الآن في البيظان خاصة فهو قول سياسي سيدوم مع السياسة ما دامت موجودة، لأن الدعوي خلقت لها أما وجوده في الزنوج فالله أعلم به، والبحث عنه لم يشأ بيرام حتى الآن أن يجعله من سياسته، لعل ما يكتسبه من انحيازه لقضايا “أفلام (الأحرار)” أكثر له نتيجة من طلب حرية عبيدهم.
ومن هنا نصل إلي قضية البيظان ولحراطين في موريتانيا لنقول: إن هذه الثنائية وليدة حكم العسكر ووجود بيرام داخل السياسة فشرفاء أخوك الحر الذين كانوا يطالبون بنزاهة بتحرير العبيد كانوا هم أشد حرصا علي تمسكهم بقبائلهم والتضامن معها وهم داخل القبيلة، وكما ذكرت سابقا كان بعضهم أشد حماسا للقومية العربية من زملائه من البيظان، ومثلت بالسيد الوزير الأول اسغير ولد امبارك الذي سجن في القومية العربية وهو يعرف تفصيل ذلك، وكذلك المرحوم محمد ولد الحيمر بالإضافة لكثير من الشرفاء في الهدف المتمسكين بعروبتهم التي ورثوها عن أصول آبائهم.
وعلي ذكر الأصول فإن ذلك سوف يقودنا إلي أصل السمر العرب في البيظان: أين مكانهم جغرافيا كما يقودنا إلي ذكر من تطلق عليه كلمة “الحرطاني” ومن لا تطلق عليه وذلك في الحلقة القادمة بإذن الله
من موريتانيا الآن