مجتمعنا على مفترق طرق كيف نختار الطريق الصحيح؟؟! / التراد ولد سيدي

تحدثنا كثيرا وتحدث غيرنا عن مجتمعنا وظروفه وأزماته والمخاطر التي تهدده إذا لم يتم وعيه لواقعه والعمل بمقتضى ذلك الوعي حتى يتم وقف انهيارات كبيرة توشك أن تبدأ وتعديل مسارات يتأكد كل يوم عدم جدوائيتها وتغيير سلوكيات ضارة أوصلتنا لحافة الهاوية !!
لقد كنا ونحن ندرك حالنا من التهميش وعدم التأثير في وطننا شبه المخطوف، نواصل وبإصرار شديد قرع أجراس الإنذار للذين يحكمون وللذين يهتمون بالشأن العام لعلنا نستطيع لفت نظرهم لحريق يقترب وطامة كبرى محدقة بالبلد. ولسان حالنا يقول قولة “اكليمنصو” الرئيس الفرنسي أثناء الحرب العالمية الأولى ( الحرب أهم من أن يترك أمرها للجنرالات) فنحن لم نرى أن من يحكم ومن يمارس النشاط السياسي يمكن ترك أمر البلد ومشاكله المقلقة له دون مشاركة ولو كانت برأي قد لا يسمعه إلا قائله وقديما قيل: ( من يأكل لايسمع ولايتكلم) !!
وقد توصلنا بما نملك من مؤشرات لشبه قناعة بأن من يقودون البلد لا يدركون حقائق الواقع وإلحاح الظروف وتعقد المشكلات وبالتالي لايشعرون بخطر عدم بدئ التصدي لعلاج المشكلات الأكثر خطرا والأقل قابلية للتأجيل ولاغرابة عندنا في أن تتأثر رؤى حكام البلد بالوعي السائد لدى الطبقة السياسية شديدة السذاجة والسطحية التي لايتجاوز وعيها لوك بعض الشعارات الفارغة والبحث عن الاستفادة الشخصية والمبالغة في التمظهر، وأن تتأثر كذالك بوعي “إنتلجنسيا” بلا رؤى جعلها الأستلاب الثقافي مصابة بحول في الرؤية يمنع شمول النظرة ودقة التحاليل و وضوح الدلالات وبلورة المفاهيم فا”لإنتليجنسيا” الوطنية لا تتميز بشيء عن عامة الشعب كل همها البحث عن رضى الحاكم ونيل جزء من ريع الثروة التي تحت يده، فطبقتنا السياسية ومثقفينا يجسدون حالة الواقع الثقافي المريض!!
إن الوعي في المجتمع وإدراك الواقع هو المقدمة لكل عمل هادف لجلب نفع أو دفع ضر( كما يقال) وغير صحيح أو ممكن تحقيق عمل ذو قيمة دون رؤيا واضحة للأمور وانطلاقا من المقدمات التي أسلفنا فلم يكن يمكن للحكم ضمن هذا الواقع السياسي والثقافي الرديئ أن يُكَوِن صورة مكتملة للواقع وأولوياته وحجم مشكلاته ..
إننا نجد أنفسنا عند نقطة البداية فنقطة البداية معرفة الواقع بالوضوح والدقة اللازمة وبث ذلك الوعي في المجتمع وقواه المختلفة ليمكنهم التعامل مع الواقع الحقيقي و يعلمون إلحاح مواجهة المشكلات التي تهدد الكيان قبل كل شيء وبلا تأخير ثم التدرج في العلاج لباق المشكلات حسب الأهمية لكن المشكلة الأكبر من غيرها والأخطر مما سواها هي كيف نوقظ هؤلاء الذين يدعون اليقظة ويمارسون السياسة ولايرون الخطر الذي يهدد مجتمعهم من سلوكيات وسياسات توشك أن تقضي على كل شيء وهم لايهتمون، وغير مبالين يجري الذي يجري وكأنهم غير موجودين أو غير معنيين؟؟!!
و كيف نستطيع لفت نظر فئات مثقفة نشطة وشديدة الأهتمام بكل شيء إلا الأشياء الأكثر أهمية وخطرا فلا تراهم يدركون أن بعض الشر أهون من بعض، وأن هناك أمورا تبلغ من الأهمية بحيث يشكل عدم علاجها تهديدا وجوديا يتطلب منهم من الأهتمام والجهد غير ما هو واقع!!!
إن استمرار تعاملنا جميعا سلطة ومجتمعا مع “الثلاثي المهلك” الذي هو:
أولا: مشكلة عدم المساواة وتأثير مخلفات الرق.
ثانيا: مشكلة الحكامة الرشيدة وسوء التسيير.
ثالثا: مشكلة البيئة وتدهورها غير المسبوق.
فبالنسبة للمسألة الأولى علاج عدم المساواة الناجم عن ماضي الرق وذيوله المختلفة يتطلب الأمر:
١- بذل مجهود كبير لتغيير العقليات وإنهاء التراتبية المضرة بالوحدة ومناهضة التمايز ونقص المساواة
٢- إنهاء الانفصال الواقع في التمدرس نتيجة تدهور التعليم في المدارس الرسمية وتأثير المدارس الحرة والمدارس الخاصة الأمر الذي فاقم حالة التعليم المشترك وعمق الأنقسام.
٣- تسهيل تكوين المؤسسات عن طريق القروض البنكية والتسهيلات للفئات المهمشة والتوسع كثيرا في تعيينهم في الوظائف ومختلف المهام والمسؤوليات.
٤- تشجيع التزاوج بين الفئات وإنهاء الانفصال الأجتماعي السائد داخل المجتمع.
٥- إنهاء الترفع عن الأعمال الفنية واليدوية من طرف فئة العرب الأكثر بياضا واعتبار استمرار ترفع البعض عن بعض الأعمال نوع من متابعة السلوك العبودي ماقبل إلغاء الرق ويجب تعبئة المجتمع وإشراكه على مختلف المستويات وإشراك العلماء والخطباء والإعلام بكل أشكاله ..
إن من يعتقد أن علاج حالة المجتمع غير الطبيعية يمكن دون جهد جهيد وتضحيات جسيمة وتخطيط وبرمجة وتنفيذ لحزمة كبيرة من الإجراءات فإنه واهم، واهم، واهم ،إذا تركنا الأمور تتطور بالشكل الحالي دون تدخل منا فسيفضي التطور إلى انفجار يصعب السيطرة عليه أو تخفيف آثاره لأنه في الوقت الذي يرى جزء من المجتمع أن الأمور بخير فإن البعض الآخر يراه غير مقبول ولا يمكن استمراره والكثيرون مستعدون لعمل أي شيء ينهي عدم المساواة.
وبالنسبة للمسألة الثانية مسألة الحكامة الرشيدة التي من حيث الأهمية تأتي بعد مشكلة وحدة المجتمع فإنه يجب وقف سوء التسيير كلية ووضع
ضوابط وكوابح وجزاءات تمكن من تغيير الظروف التي تسمح بسوء التسيير وذلك ب: ١- إعلان قرار واضح بتجريم التجاوز على المال العام ومنع استفادة المختلسين بما اختلسوا إن إلزام المختلس بإرجاع ما اختلس ولو بقي مدى حياته يؤدي أقساط ما اختلس سيشكل رادعا قويا.
٢- وضع قوانين بمنع أهلية من ثبتت عدم أمانته أو كفاءته في التسيير لأية مناصب أو مسؤوليات إدارية ومنعه من الترشح كرئيس أو نائب أو عمدة ومستشار بلدي وعضو مجالس جهوية..
وفي المسألة الثالثة من “الثلاثي المهلك” مسألة البيئة إن عدم وقف التدهور المهول لبيئتنا المدمرة لايمكن تصور إستمراره ويتطلب الأمر خطوات سريعة وخطط قريبة وبعيدة المدى وذلك على النحو التالي :
١- يجب وقف قطع الأشجار والأعشاب بشكل شامل و وقف استعمال الفحم كلية وإحلال الغاز مكانه وإذا لم يتوقف قطع الأشجار واستعمال الفحم كخطوة أولى حاسمة ولو كلفت ماكلفت فلن يمكن حماية الطبيعة ووقف تدهورها.
٢- وضع خطط لتسمية مئات المناطق محميات في مختلف الولايات يتم تسييجها وتشجيرها وجلب بذور الأشجار والأعشاب التي كانت تستوطن تلك المناطق وجلب الحيوانات التي كانت هناك قبل أن تنقرض والتي كانت تستوطنها ،إن إعادة تأهيل مناطق الأودية سابقا ومكان السواقي والغابات يجب أن تحظى بأهمية خاصة.
٣- العمل للسيطرة على كل مجاري المياه ووضع السدود الكبيرة والمتوسطة والصغيرة على جميع التراب الوطني لاستعادة المياه في الطبقات العليا من التربة والمساعدة في نمو الأشجار والأعشاب المثبتة للتربة .
إن عدم الأهتمام بأولوية هذا “الثلاثي المهلك” يعرضنا لخطر لايمكن تصور مداه مما يفرض على كل من يدرك خطورة الوضع ويرى أننا لو تركنا المغفلين يتسببون في تخريب سفينتنا لنغرق نكون قصرنا وعلينا القيام بما يجب لحمايتنا جميعا صالحنا ومغفلنا!!
لكن الذي يصعب الأمور ويكاد يقضي على الأمل في تصحيح الرؤية ثم البحث بعد ذلك عن الحلول والأساليب المناسبة للعلاج أن قادة الرأي السياسيين وأكثرية الكتاب والصحافيين لايدركون حقيقة مايعْتَمِلُ من تناقضات داخل المجتمع نتيجة عدم المساواة، ولا مايسببه سوء التسيير من استمرار التخلف ولايرون أن الحالة التي وصلتها بيئتنا من تدهور لايمكن تأجيل المباشرة ببدئ علاج كل ذلك فالجميع يتحدثون عن مشاكل وقضاياومطالب
وحاجات للمجتمع وفي كل مناح الحياة، إنهم صادقون وكل ما يتحدثون عنه يستحق الذكر ويحتاج إليه في حياتنا المتنوعة إلا أن هناك أمورا تفوق في أهميتها باق الأمور وعند ذكرها تتضاءل كل الأمور مثل “الثلاثي المهلك” (الوحدة، والحكامة، والبيئة ) فهذا الثلاثي يتوقف على مواجهته مستقبلنا وسلامنا ورقينا كان الله تبارك وتعالى في عوننا!!