التنوع القومي.. وآفاق العيش المشترك (9) الأخيرة / الدكتور محمد ولد السالك ولد ابراهيم الأمين التنفيذي المكلف بالشؤون السياسية في حزب الإصلاح


ليس ما تقدم في الحلقات السابقة سوى أمثلة فحسب على أهمية ديناميكية التحالفات الزواجية، وكيفية اشتغالها كآلية أنتربولوجية لبناء وتعزيز العلاقات القرابية، واستغلال مخرجاتها في نسج التحالفات السياسية، وما لذلك من تداعيات لتعديل الموازين الجيوبوليتكية على مختلف المستويات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ضمن الفضاء الموريتاني القديم وتماساته الجغرافية والأتنولوجية المختلفة.

أما في الوقت الراهن، فلا يمكن التهرب من إسقاط الإكراهات المختلفة، التي تعيشها البلاد حاليا، على استقرائنا للماضي ولتاريخ العيش المشترك بين مجتمعاتنا المحلية رغم التعدد والإختلاف الثقافي فيما بينها. لكن ذلك الإسقاط يفترض أن يتم بشكل واع ومسؤول، يرجح مفاعيل “النسبية الإجتماعية” و”النسبية التاريخية”، ويعيد اكتشاف وتثمين تلك المشتركات الروحية، والحضارية والثقافية والتاريخية والسوسيولوجية، والأدوار الإيجابية التي لعبتها في تعزيز إرادة العيش المشترك بين مختلف مكونات اللحمة الإجتماعية في البلاد .

ولا بد من التساؤل عن ماذا بقي من المنظومة القديمة للتعايش القومي؟ وما مدى فعالية بقايا تلك المنظومة في مواجهة المعطيات والمتغيرات والتحديات الراهنة؟ وما هي الممكنات الجديدة لخدمة التنوع القومي والثقافي للسكان في البلاد كرافعة للإستقرار والتنمية والوحدة؟ وما علاقة كل ذلك بالتفكير في واقع ومستقبل الرغبة في العيش المشترك بين مختلف المجموعات السكانية؟ وما هي الآفاق والتحديات التي تواجه ذلك حاليا في إطار مشروع الدولة الوطنية؟ وما هي الحلول الممكنة والمناسبة لحل الإشكالات المطروحة؟

أعتقد بأن الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها، تقتضي من كل الفاعلين في البلاد، ومن النخب الوطنية بشكل خاص، وقفة تأمل وتفكير عميق، من أجل فتح حوار جاد ومسؤول لمناقشة وصياغة وثيقة «خارطة طريق» وطنية تشخص بنزاهة وتجرد ما تقتضيه صيانة وترميم عرى الوحدة الوطنية من خلال وضع عقد روحاني-إجتماعي جديد أو «ميثاق الائتمان الوطني»، لتعزيز الرغبة بين مختلف المكونات القومية الوطنية في تحقيق العيش المشترك في هذه البلاد، على أن يكون ذلك الميثاق أكثر إنصافا، وعدلا، وقابلية للإستمرار، خدمة للتنوع القومي والثراء الثقافي ضمن الوحدة الوطنية للبلاد والحفاظ على السلم الأهلي.