مساهمة في النقاش الدائر حول لغة الدول والهوية الثقافية للمجتمع / الاستاذ محمد الكور العربي ، الأمين الدائم لحزب الإصلاح

الذين يناصرون ” أبدية” هيمنة اللغة الفرنسية على حياة الموريتانيين ينقسمون ثلاثة أقسام :
1- قسم تكون بالفرنسية مع جهل تام باللغة العربية و ارتبطت مصالحه بهذه اللغة الأجنبية و بدولتها ؛ كما ارتبطت مصالحه بجهله باللغة العربية و بما يتعلق بها. هؤلاء ينقسمون ، هم الآخرون، إلى فئتين: فئة من نخبة البولار ، أساسا، و لا يخفون عداءهم الصريح للغة العربية و يربطونها بالعنصرية ضد مكنواتهم و بإقصائهم من الدولة و منافعها و لا يدخرون جهدا في سبيل تضليل الرأي العام من مكونة الفلان، عموما. و الفئة الثانية من العرب ، و هي الأخطر، و تلعب دورين خبيثين : دور التحريض للفئة الأولى ضد اللغة العربية و تهويل نتائج غياب الفرنسية عن الإدارة و سوق العمل و خطورة ذلك على مستقبلهم، ليس كأفراد و إنما كمكونات لها خصوصيتها الثقافية و تميزها العرقي.
2- قسم ثان من السياسيين الذين انخرطوا في النضال ضد نظام الرئيس الأسبق المختار ولد داداه رحمه الله، تحت شعارات ماركسية. هذا القسم اصطدم ، بحكم تكونه في المدارس الكولونيالية، و بحكم اغترابه اغترابه عن القيم الثقافية العربية الإسلامية للموريتانيين ، عربا و فلانا و زنوجا، اصطدم بالمجتمع و لم يتمكن من اختراق منظومته القيمية ، فانكفأ على مستويين: أحدهما تمت ترجمته بالتخلي عن تلك الشعارات الماركسية ” الثورية” و استبدال التغلغل داخل الأنساق القبلية بها و توظيف هذه الأنساق في التحكم بمفاصل الدولة و سحق الخصوم أو إبعادهم عن المعطن، مع الاحتفاظ بالتمسك باللغة الفرنسية لضرب عصفورين بحجر واحد : كسب ود الدولة الفرنسية عبر توطين لغتها في إدارة البلاد و إعادة إنتاج هذا التوطين من خلال فرضها على منظومة التعليم و المعاملات الإدارية . و هذا هو أقصى درجات الجود للفرنسيين. أما ” العصفور” الثاني، فهو السيطرة على المجتمع الموريتاني من خلال تغييبه كليا عن شأنه العام بسبب فرنسة إدارته و مارفق دولته مما يجعل ” التصدق ” عليه بترجمة بعض الكلمات من لغة الفرنسيين مكسبا و ودا ، كما كان يفعل المترجمون ” إمالزن ” في ظل الإدارة الكولونيالية. فواقع آبائنا داخل إدارة فرنسا في زمن كبولاني هو ذاته واقع جيلنا اليوم حين ندخل وزارة المالية و وزارة الاقتصاد و صندوق الضمان الاجتماعي و صندوق التأمين الصحي… و كل المشاريع التنموية التي تنفذ في عدل بكّرو و بير أم اكّرين و كيرمسين و مقامه … وونبو … و غابو و و و
فمن يترجم لنا عن المسؤولين ” الوطنيين ” في هذه الإدارات و المرافق ” الوطنية ” ، فكأنما حاز لنا الدنيا بحذافيرها في ذلك اليوم ، لأنه ساعدنا، ساعده الله، على فهم ما يقوله و يكتبه المديرون، و هل يوجد عون أنفع من هذا !
3- القسم الثالث، هو تيار الإسلام المسيس ، مع استثناءات قليلة. هذا التيار ، برغم أن غالبيته قدمت من المحاظر و هي أقل الموريتانيين حظا في اللغة الفرنسية ، إلا أنه يقف بالضد من الاستقلال عن فرنسا في المجال اللغوي. و مع أن خلفيته التعليمية ( المحاظر، المعاهد الإسلامية) و المصالح، بحكم أن اللغة العربية هي ما يتكلمها معظم أفراد هذا التيار حصرا، توجب عليه أن يصطف مع تعريب الإدارة و مرافق الدولة، إلا أن خصامه الإديولوجي مع القوميين العرب، وصل حد الكراهية للعرب جميعا، لغة و ثقافة، و جعله يطير بهم و بلغتهم و بما يمت إليهم بصلة. فأصبحوا يتبعون لفرانكوفونيين حد التماهي في كل خطوة و يتبنون كل موقف من مواقفهم، نكاية من جهة بالعرب، و نشدانا للكسب التعاطف في صفوف الأقليات التي يدعمونها في نضالها القومي، بخلاف تسفيه هذا التيار و تكفيره لهذا النضال عند ما يتعلق بالقوميين العرب في وجه الاستعمار اللغوي الفرنسي ! فنضال البولاري و السونونكى و الولفي من أجل ثقافته و لغته القومية حق و مشروع عند أصحاب الإسلام المسيس ، و نضال العربي من أجل لغته و رفضا للهمنة الفرنسية على إدارته و منظومته التعليمية، هو جاهلية منتنة و استهداف لإقصاء مكونات الفلان و السونيكى و الولف !
هذا هو الثالوث الذي يقف مصدا دون التحرر من الوصاية الفرنسية على بلدنا …
و في سبيل هذه الغاية، فإنه يخلط و يلبس وضعيات لا رابط بينها، مثل تلبيسه بالقول إن القوميين العرب يريدون الانكفاء على تعلم اللغة العربية وحدها و منع الانفتاح على اللغات العالمية ، برغم أن ثلاثة أجيال من القوميين العرب تكونوا باللغة الفرنسية و لم تبق مناسبة إلا و أكدوا فيها ضرورة تعلم اللغات العالمية الحية للانفتاح و اكتساب العلم و التكنلوجيا. و من خلطهم و تلبيسهم، دمج أحداث 1989، 1990، 1991 بموضوع اللغة العربية ، بما يفهم منه، لدى الجيل الذي لم يكن قد أدرك بعد تلك الأحداث، أن اللغة العربية كانت سببا في تلك الأحداث !
و أحيانا يلبسون بالقول إن سبب الموقف السلبي لدى الفلان و الزنوج من اللغة العربية هو أن ثمة جهات تريد فرضها بالقوة ، و هو ما ينفيه التاريخ … و أحيانا يلبسون بتفضيل ” عبارة ” التعرّب ” على التعريب، في تلميح بديع و لعب بفائض التعبير إلى أن هناك من يطلب تعريب المكونات غير العربية بالقوة، بينما التعرب هو أمر طوعي ، و لا أدري كيف سيترجمون التعرب، بلفظة واحدة، إلى لغتهم الفرنسية الوطنية الجامعة ليدرك ضحاياهم فارق المعنى !
بكل الأحوال، لن ينصلح التعليم، و لا الدولة و لا المجتمع بهكذا ميوعة مجربة على مدى أكثر من ستين سنة …خ