هل يستطيع دي مستورا فك طلاسم قضية الصحراء الغربية؟ / عبد الحميد صيام

في اليوم الأول من نوفمبر سيوكل ملف الصحراء الغربية إلى ستافان دي مستورا، المبعوث الخاص الجديد للأمين العام، بعد خلو المنصب لنحو سنتين ونصف السنة، بسبب رفض الأسماء المعروضة للمهمة، من قبل أحد طرفي النزاع، المغرب وجبهة البوليساريو. فبعد أن رفض المغرب ذلك التعيين في مايو الماضي، عاد وقبل بتعيين دي مستورا، بعد نصيحة أو دعوة من الولايات المتحدة، حتى لا يثير حساسية إضافية مع إدارة بايدن، لعل الأخير يسير على هدْي سلفه ترامب في تثبيت الاعتراف بمغربية الصحراء، الذي أطلقه ترامب يوم 10 كانون الأول/ديسمبر 2020 في صفقة مشتركة، شملت إلى جانب الاعتراف عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني، وكتبنا يومها أن التطبيع سيبقى ويتسع وأن الاعتراف لن يغير في الأمور شيئا.
وزيرالخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن رحّب بتعيين دي مستورا مبعوثا خاصا للصحراء الغربية قائلا في بيان مقتضب: «الولايات المتحدة تؤيد كليا العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، من أجل مستقبل سلمي ومزدهر لشعب المنطقة». وقد ضغط الصحافيون المعتمدون في وزارة الخارجية على المتحدث الرسمي نيد برايس، حول ما يقصده الوزير، بالترحيب بتعيين دي ميستورا، وما إذا كانت جهوده تعني بالنسبة للولايات المتحدة سيادة المغرب على الصحراء الغربية «هل هذا الموقف موضع مراجعة؟ هل هذا الأمر مفتوح للنقاش؟» سأل أحد الصحافيين. لكن المتحدث كرر كلامه: «ليس لديّ ما أضيفه عما قلت. نحن نؤيد بقوة قيادة المبعوث الشخصي دي مستورا في استئناف العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لدفع حل دائم وكريم للصراع في الصحراء الغربية. وسندعم بنشاط جهوده لتعزيز مستقبل سلمي ومزدهر لشعب الصحراء الغربية والمنطقة الأوسع».

المسألة قيد البحث

حسب برنامج مجلس الأمن لهذا الشهر، فإن مسألة الصحراء الغربية، ستبُحث ثلاث مرات هذا الشهر، بعد توزيع الأمين العام لتقريره السنوي للمجلس مؤخرا. لقد تم التشاور بين الدول المساهمة في بعثة الأمم المتحدة لمراقبة الاستفتاء في الصحراء الغربية «مينورسو» يوم الاثنين 11 من هذا الشهر ثم عقد مجلس الأمن جلسة مشاورات مغلقة يوم الأربعاء 13 لبحث موضوع مشروع قرار جديد لتجديد ولاية البعثة. وبقيت جلسة التصويت على مشروع القرار يوم 29 المقبل، فإذا تمت كل الأمور بالتوافق، رغم الصعوبات الجمة والتطورات السلبية التي أشار إليها الأمين العام في تقريره، سيعتمد المجلس قرارا جديدا يجدد ولاية البعثة لسنة أخرى. بعد ذلك تبدأ مهمة دي مستورا الأقرب إلى المستحيل. عليه أن يطلق صفارة بداية الجهود «نحو عملية سياسية تؤدي إلى سلام مستدام وكريم، يحقق مستقبلا مزدهرا لشعب الصحراء الغربية» كما قال بلينكن، فكيف سيتم هذا؟ وهل هذه مهمة قابلة للتحقيق أم هي أقرب إلى المعجزات؟

حل الأزمات المعقدة لا يعتمد فقط على مهارات وخبرة الوسيط الدولي، بل هناك شروط لابد من توفرها سلفا لكي يكون هناك اختراق

دي مستورا لإدارة الأزمة لا لحلها

ستافان دي مستورا، سويدي إيطالي عمل في الخارجية الإيطالية، ثم انتقل للعمل مع المنظمة الدولية.. وشغل عدة مناصب من أهمها المبعوث الخاص للأمين العام في لبنان (2001- 2004) والمبعوث الخاص للأمين العام في العراق (2007- 2009) والمبعوث الخاص للأمين العام في أفغانستان (2010-2011) وكانت مهمته الأعقد في سوريا (يوليو 2014- يناير 2019). وقد بقي في البعثة نحو أربع سنوات ونصف السنة، ما يعادل ضعف المدة لجهود سلفيه كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وخرج منها مستقيلا. ومن معرفتنا الشخصية بدي مستورا، ومن حصيلة آراء الكثيرين الذين عملوا معه، نستطيع أن نصفه بأنه موظف مجتهد مخلص في عمله كثير الحركة، كثير التصريحات، متفائل يبحث عن نجاحات صغيرة، فيبالغ في تضخيمها ويخفف من الإخفاقات حتى لا تكاد تحس بها. إنه موظف جاد يدير الأزمة ولا يستطيع حلها، ولا أعتقد أن ملف الصحراء الغربية سيختلف عن سوابقه. وكي لا نظلم الرجل يجب أن نقر بأن حل الأزمات المعقدة لا تعتمد فقط على مهارات وخبرة الوسيط الدولي، بل هناك شروط لا بد من توفرها سلفا لكي يكون هناك اختراق. وأول تلك الشروط استعداد طرفي النزاع للتعاون مع وسيط الأمم المتحدة، والتفاوض معه بحسن نية، واستعدادهما لتقديم تنازلات. والشرط الثاني أن يكون مجلس الأمن موحدا فعلا، لا قولا، خلف جهود الوسيط الدولي، داعما لمهمته وموفرا له الإمكانات المادية واللوجستية والسياسية كافة، للقيام بمهمته بدون تردد. أهم أسباب فشل أي وسيط ثقة أحد الطرفين بأن الأمور تسير لصالحه، وأنه قادر على حسم النزاع، سواء بالقوة العسكرية، أو بخلق حقائق على الأرض تمكنه من تغيير الواقع لصالحه، بعد ضمان تأييد دولة أو أكثر من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لتأمين الحماية من المساءلة.

صعوبة حل أزمة الصحراء الغربية

ننطلق من فكرة صعوبة حل أزمة الصحراء الغربية، من تباعد مواقف الأطراف الأساسية للنزاع. ولنستعرض بعضها:
– ينطلق الموقف المغربي بالتأكيد على السيادة الكاملة للمغرب على الصحراء، ويعتبرها جزءا لا يتجزأ من وحدته الترابية. ويطرح كحل للصراع مبادرة الحكم الذاتي، التي قدمها في نيسان/إبريل 2007 كحل وحيد «لنزاع مفتعل» حسب الخطاب المغربي. كما أن المغرب يرى أن النزاع مع الجزائر وليس مع جبهة البوليساريو، ويصر على أن أي حل أو بحث أو مفاوضات يجب أن تتم في إطار مشاركة كاملة لجميع الأطراف. كما يصر المغرب على الالتزام بأن الحل لا يمكن إلا أن يكون سياسيا وواقعيا وعمليا ودائما ومبنيا على أساس التوافق بين جميع هذه الأطراف، ويرفض على الإطلاق العودة لما قبل عام 2007 من مثل الاستفتاء، وتحديد الهوية وحق تقرير المصير للشعب الصحراوي، ورأي محكمة العدل الدولية، واتفاق وقف إطلاق النار لعام 1991. كل ذلك من الماضي ولا عودة إليه.
– أما موقف جبهة البوليساريو، التي أعلنت انسحابها من اتفاقية وقف إطلاق النار لعام 1991 في 23 نوفمبر 2020 واستئناف القتال «كحق مقدس للدفاع عن النفس» كما جاء في بيانها الموجه للأمين العام، تقول إنها هي الأخرى تقدمت بمبادرة بتاريخ 10 إبريل 2007 تقوم على حق تقرير المصير عبر الاستفتاء، بعد مرحلة انتقالية. وأخذ مجلس الأمن علما بالمبادرتين المغربية والصحراوية ورحب بهما. ثم عقدت الأمم المتحدة سلسلة من اللقاءات بين ممثلي الطرفين وجها لوجه في أكثر من مكان. «فهل كان المغرب يلتقي بنا لو كنا أشباحا ودولة على الورق كما يدعي؟». وتؤكد الجبهة أنها تتمتع بالمرونة فتقبل فترة انتقالية قد تصل إلى خمس سنوات، يليها استفتاء يتضمن عدة خيارات من بينها الاستقلال. وتقول الجبهة «إذا كان المغرب واثقا من نفسه ومن حسن معاملته للصحراويين، وقيام مجتمع العدل والحريات، فلماذا يخاف من الاستفتاء؟ فقد يرى الصحراويون أن من الأفضل أن يبقوا في دولة قوية آمنة مستقرة، بدل الانفصال كما فعل الاسكتلنديون وسكان مقاطعة كيبيك في كندا، لا كما اختار سكان تيمور الشرقية أو جنوب السودان. أما أن تكون خيارات المغرب المطروحة علينا «الحكم الذاتي أو الحكم الذاتي» فلا ذلك مقبول ولا قرارات الشرعية الدولية تقول بذلك.
– النقطة الثالثة التي يواجهها دي مستورا هي التوتر الحاصل بين المغرب والجزائر هذه الأيام، الذي وصل حد قطع العلاقات تماما يوم 24 آب/أغسطس الماضي. فالجزائر ترى أن هناك تهديدا لأمنها الوطني، بعد تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، وإثارة مسألة القبائل في الجزائر من قبل السفير المغربي في الأمم المتحدة عمر هلال وتوزيعه وثيقة في مجموعة دول عدم الانحياز، إضافة إلى تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي ضد الجزائر، حين قال في المؤتمر الصحافي مع نظيره المغربي»نحن نتشارك في بعض القلق بشأن دور الجزائر في المنطقة، التي باتت أكثر قربا من إيران، وهي تقوم حاليا بشن حملة ضد قبول إسرائيل في الاتحاد الافريقي بصفة مراقب».
– الأمين العام أنطونيو غوتيريش في تقريره الأخير بدا متشائما أكثر من ذي قبل، وأكد أن التطورات الأخيرة لا تشير إلى قرب اختراق في هذا الملف، حيث قال في الفقرة 84 من تقريره: «إنني قلق للغاية من التطورات في الصحراء الغربية خلال فترة التقرير. تظل حالة الشريط العازل كمنطقة منزوعة السلاح حجر الزاوية لحل سلمي للوضع في الصحراء الغربية. إن استئناف الأعمال العدائية بين المغرب وجبهة البوليساريو يشكل انتكاسة كبيرة للتوصل إلى حل سياسي لهذا الخلاف الطويل. عمليات التوغل في هذه المنطقة والأعمال العدائية بين الطرفين بشكل كبير قوضت الترتيبات التي كانت الأساس لوقف إطلاق النار على مدى الثلاثين سنة الماضية». وأخيرا من يستطيع أن يقول لي كيف يمكن أن يكون هناك «حل سياسي وواقعي وعملي وعادل ودائم ومقبول للطرفين، بحيث يكفل لشعب الصحراء الغربية تقريرمصيره في سياق ترتيبات تتماشى مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده، ويشير إلى ما للطرفين من دور ومسؤوليات في هذا الصدد». كما نص قرار مجلس الأمن الدولي الأخير 2548 (2020) الذي سيتكرر هذا العام. هل فهم أحد شيئا من هذا الكلام؟ إنها اللغة التي تقول كثيرا ولا تعني شيئا. ونتمنى بعد كل ذلك لدي مستورا النجاح في مهمته.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي