إصلاح جديد أم ميلاد متعثر لمنظومة تعليمة وطنية عصرية؟ نقيب مفتشين التعليم الثانوي الأستاذ اسلم ولد أحمد سالم

بدأ التعليم النظامي في موريتانيا كتعليم استعماري ) l’enseignement colonial ( في
الربع الأول من القرن الماضي’ وحمل معه في النشأة عوامل ضعفه من خلال ثنائية
المدرسة النظامية بالمدينة ومدرسة الرحالة (les ecoles des nomade) .
كانت أول مدرسة بكيهدي 9191 ، لم تسبق إلا بمدرسة الصفوة )أولاد الشيخ في اندر
Medrasse (، وكانت تدرس محتويات المقررات الجزائرية 9191 . ثم مدرسة ابي تليميت
. 9191 ، ومدرسة أطار 9191 .تلتها مدرسة كيفه وتمبدغه 9191
لم تكن المحتويات المدرسية ذات صلة بالواقع ولا باللغة’ وليست من اختيارات المستهدفين
ما جعل استنكاف المدرسة النظامية )الاستعمارية( يتجذر لتصبح الدعوة للإصلاح مطلبا.
لذا فإن أول إصلاح )جزئ( كان 9191 ’ وقد اقتصر على إدخال اللغة العربية والتربية
الإسلامية في المقررات المدرسية.
تلاه إصلاح 9111 وقد اقتصر على )إضافة سنة تمهيدية معربة بالكامل(. ثم جاء إصلاح
9119 )وجعل اللغة العربية لغة رسمية واللغة الفرنسية لغة عمل(. وفي 9111 تم إقرار نظام
الشعبتين ’ الذي نتج عنه في الواقع خلق جيلين متمايزين ثقافيا وإتنينا.
ولكن الشعور بفشل كل هذه الإصلاحات وهبوط مستوي التحصيل العلمي أفرزا الحاجة إلى
إصلاح جديد بأهداف فكان إصلاح 9111 م
من أهداف هذا الإصلاح: توحيد النظام التربوي وتدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية
وتعزيز تدريس اللغات الأجنبية.
لما كانت هذه الإصلاحات لم تحقق أهدافها تصبح التساؤلات المشروعة والمنطقية كتالي:
ما هي متطلبات الإصلاح التربوي؟ وما هي أسباب ضعف التعليم في بلادنا؟ وما أبرز
الاختلالات التي يعني منها نظامنا التعليمي وما السبيل لإصلاحها؟ وهل من دور للتكوين
المستمر والإشراف التربوي في بناء واستدامة وجودة التعليم؟
إسلمو سيدي أحمد سالم
رئيس نقابة مفتشي التعليم ثانوي والفني
2
هذه التساؤلات رغم شموليتها لا تحيط بالموضوع ولا تحيل إلى ما نحن بصدده. لذا أضيف
أسئلة أخري:
هل تكفي مراجعة البرامج لإصلاح التعليم؟ وما دور الكتاب المدرسي ولوسائل الديداكتيكية؟
وهل فكرنا في المدرس ومشاكله؟ والتلميذ وحاجياته المعرفية والنفسية والمؤثرات الخارجية
التي تأثر عليه؟ وما هو واقع البنية التحتية وما ضرورتها؟
أسئلة قد تكون إثارتها أهم من الأجوبة التي سيقدمها هذا الباحث أو ذاك.
ورغم تسليمنا بهذه المصادرة سنحاول الإجابة.
أولا: يكاد الإجماع ينعقد على أن متطلبات الإصلاح كثيرة وتتفاوت في الأولوية والأهمية
ومن أكثرها أولوية وأهمية:
.9 الانخراط في حوار وطني جاد’ ومعمق يفضي إلى توافق على حل مشكل اللغة
والهوية الحضارية للأمة الموريتانية وإشراك كافة الفاعلين والشركاء في العملية
التربوية باعتبارها تهم الجميع’ وهذا يعني أن علينا:
.1 مراجعة جادة لكتابة برنامج )منهج( مؤسس على فلسفة تربوية )مقبولة( وأن
يوجه نحو أغراض معرفية وان يعتمد على طرائق متميزة ومناسبة لتحقيق
أغراضه وأن يناط أمر تخطيطه وتنفذه بأناس ذوي كفاءة ممتازة. ولابد أن ينال
ثقة جمهور كبير من المنفذين العاملين في الميدان ’ وان يكون محل اجمع من
مختلف الفاعلين’ كما أن عليه أن يناسب وظيفة التربية في المجتمع الموريتاني
مراعيا ثقافة وحضارة مكوناته الأثنية )العرقية( ’ وملبيا لأمانيهم في الحاضر ’
وآمالهم في المستقبل
.9 التحلي بالواقعية والموضعية والشمولية ’ ليذعن الجميع رضيا بتدريس اللغة
العربية كلغة للدولة والدستور، وباللغة الفرنسية والانكليزية لتواصل مع المجتمع
الدولي ومؤسسات التمويل والتشغيل.
وعلينا أن نذهب إلى ابعد حد في ترقية اللغات الوطنية ليتمكن أفراد المجتمع من
التواصل والتفاهم ’ وصيانة التراث الثقافي’ والإرث الحضاري لكل مكونات
المجتمع الموريتاني.
3
.1 عودة المدرسة الجمهورية لتنمية اللحمة الوطنية’ وإزالة الفوارق الطبقية ولن يتم
ذلك إلا بإلزام جميع المتعلمين في المرحلة الابتدائية على الأقل بالدراسة في
حجرة واحدة وبزي موحد’ والاهتمام بالتعليم الخاص وتشجيعه’ وجعله مكملا
للتعليم العام.
.9 مراجعة الخريطة المدرسية وتزويد المدارس بالحضانات المدرسية في بعض
المناطق من ولايات الوطن )كوركل ’ لبراكنه ’ لعصابة ’ ترارزه ’ كيدماغه(.
.1 تغير الضوارب والتوقيت بحيث يصبح الدوام صباحا ومساء ’ ويصبح النجاح
19 في كل المواد للتجاوز والنجاح في الشهادة / مشروطا بحصول التلميذ على 99
.1 دمج محتويات بعض المواد المدرسة وتخفيف المحتوي في كل المواد ’ وتوزيعه
على السنوات والتركيز على الجانب المهارى والسلوكي إلى جانب المعرفي
.1 التخلي عن بعض المواد في المرحلة الثانوية والإبقاء على مواد التخصص
واللغات في كل الشعب
.1 استحداث تخصصات جديدة )كما أوصت بذلك المنتديات الماضية(
.99 التوجه لبناء مؤسسات تلائم التقدم الحضاري والتقني وتجهزها بوحدات
معلوماتية ’ ومختبرات.
.99 التوجه للتعليم الرقمي )التعليم عن بعد( والاستثمار فيه
.91 لا يؤدي كل هذا إلى بلوغ الغايات المنشودة إلا إذا تم تحسين وضعية المدرس
ماديا ومعنويا ’ واختيرعلى أساس كفاءته العلمية
ثانيا: يرجع البعض من المتخصصين أسباب ضعف التعليم، أو التحصيل المدرسي إلي:
.9 ضعف التكوين الأصلي للمدرس وعدم احترام التخصص، فغالبية المدرسين تم
استبقائهم في المدارس المهنية الوطنية سنتين ولم يستزيدوا علما، ولا مهارات لان
هذه المدارس تعاني من اختلالات في المناهج’ ما يعني عدم تطابق برامجها
والمحتويات المدرسة وهذا اختلال بين لابد من إصلاحه. ثم إن ولوج هذه المدارس
يتم بمسابقات تصحح بدلالة تغطية النقص في الميدان، فتجد خريج اقتصاد يدرس
4
الرياضيات، أو الفيزياء. وخريجي القانون يدرس الفلسفة أو العربية أو التربية
الإسلامية. وهذا يخالف المسلمة القائلة:)تقوم عملية التدريس على أساسين متينين
ثابتين: أن يعرف المدرس كيف يدرس وماذا يدرس(.
.1 غياب التكوين المستمر بعد الخدمة:
” فقد أكد كل مفلسفي التخطيط والإنماء على ضرورة تطوير الطاقات البشرية باعتبارها أهم
مستلزمات لإعمار الاقتصادي والاجتماعي، ورأوا أن أي برنامج إنماء يقوم على القوة
البشرية لابد فيه من الإعداد والتوجيه والتدريب لضمان استمرار هذه البرامج، ورفع مستوي
مردودية الفرد على المجتمع”.
إن كل تدريب للقوة البشرية أثناء ممارسة مختلف الأعمال بات من الضروريات، خاصة في
مجال التعليم ’ فالتعليم يرافق الحياة ولأنها متجددة، ويتسم المتعلمون بالنمو فإن على الخطط
والبرامج التعليمية أن تواكب نموهم، وتلبي حاجياتهم المعرفية والوجدانية. ولا شك أن مفهوم
جون ديوي عن التربية ” بأنها عملية نمو واستمرار في النمو وإعادة بناء الخبرات
الإنسانية صحيحة من كل الوجوه وستظل دائما من ابعد المفاهيم التربوية أثرا في حياة
المشتغلين في التربية “.
فالمعلم في أمس الحاجة إلى أعادة بناء خبراته وتجديدها لتتمشى مع هذا العالم المتطور
والمتغير وإلا فإنه ومدرسته وطلابه يتخلفون حيث يتقدم الآخرون ’ وهذا أمر لا ترضاه
المدرسة الحديثة ”
.9 من المعروف أن وضعية المدرس المادية تؤثر على مردود يته ’ وهذه الوضعية
غاية في البؤس والتردي فلابد من منحه راتبا شهريا كافيا.
كذلك جودة وحداثة الكتاب المدرسي لها بالغ تأثير وهو رديء شكلا ومضمونا فقد لا
يطابق المقررات المدرسة ومليء بالأخطاء العلمية’ ولا يتوفر بالعدد الكافي.
.1 لا يعير النظام التربوي ’ لما في ذلك المدرس والكتاب، أي أهتم لنمو الطفل سواء
كان بدنيا أم معرفيا. فقد نظر العلماء إلى مفهوم النمو بشكل عام ’ فمنهم من يري أن
النمو بيولوجي ’ ومنهم من يري أنه يسر بشكل متوازي ’ وقد يشهد بعض القفزات.
فما هو النمو؟ وما هو النمو العقلي؟
5
” إن النمو هو تغير تدريجي منتظم في سلوك الإنسان ناتج عن النضج المتمثل في التغيرات
البيولوجية ’ والفسيولوجية التي يتعرض لها الإنسان أثناء الحياة ’ والتعلم المتمثل في تعامل
الإنسان مع البيئة ”
” أما النمو العقلي فهو القدرة على التفكير ’ وهذا يعني أنه يرتبط بعلاقات مع المحسوسات
البيئة التي تنقل إلى الدماغ عن طريق الحواس حيث يقوم الدماغ بمعالجتها عن طريق
الإدراك ” ’ ولهذا النمو جوانب أخرى.
ثالثا: انطلاقا من هذا التشخيص هل تكفي مراجعة البرامج لإصلاح التعليم؟
ليس هذا السؤال من نوع الأسئلة التي يجاب عليها بنعم أو لا ’ لأنه يرتبط بأسئلة أخري مثل:
ما هي البرامج وما هي طرائق التدريس المناسبة؟
.9 المنهج الدراسي هو: ” مجموع المقرر الدراسي الذي يخضع له التلاميذ خلال سنة
دراسية أو سلك دراسي ’ وغالبا ما يكون مجموعا مصاغا وفق غايات ومحتويات
إذن هو بديل المقرر المدرسي الذي يرتبط بمحتوى .« وكفايات وطرق بيداغوجية
المادة مع بعض التوجهات المحدودة.
” إن المنهاج أو البرنامج أشمل من المقرر حيث يتضمن المرامي والأهداف والأنشطة
التعليمية والتعلمية وإجراءات التقويم بالإضافة إلى المحتويات. من هنا يتضح أن بناء
البرنامج لا يمكن إن يتم دون مشاركة من سيقوم بتنفيذه. )كما أسلفنا( “.
.1 طروق التدريس: طروق التدريس كثيرة ويتم اختيار الطريقة المناسبة منها للبرنامج ’
والتي تحقق الهدف التربوي ’ ويقصد بالهدف التربوي الغاية أو الغرض أو البغية أو
القصد الذي يسعى النظام التربوي أو المدرس إلي الوصول إليه.
ومن أحدث الطرق وأكثرها نجاعة: الطرق النشطة ’ والمقاربة التفاعلية وطريقة
المشروعات وتدريس بالوضعيات المشكل حيث غدت مدخلا لتعلم متمحور حول التلميذ ’
جاعلتا أيه في قلب العملية التعليمية ’ ومنطلقة في تعلمه من مشاكله اليومية وحاجة محيطه ’
الشيء الذي يجعله فرضا مدمجا ومتكيفا مع محيطه السوسيو ثقافي ’ وفاعلا في حل مشاكل
مجتمعه.
6
.9 مفهوم الديداكتيك ) didactigue ) يطلق على تأملات أو مقترحات حول منهجيات
تدريس تخصص قصد تحصيل المعارف وتملكها. ويمكن تعرفه بأنه الدراسة العلمية
لطرق التدريس وتقنياته ’ ولأشكال تنظيم مواقف التعليم التي يخضع لها التلميذ قصد
بلغ الأهداف المنشودة سواء على المستوي العقلي أو الوجداني أو الحسي الحركي
أما هدف الديداكتيك فهو دراسة الظروف المحيطة بمواقف المتعلم ’ ومختلف الشروط
التي توضع أما التلميذ لتسهيل ظروف تمثيلاته’ وتوظيفها أو أبعدها أو وضعها موضع
تغير ومراجعة لخلق تصورات وتمثيلات جديدة.
إن عدم إتقان المدرس لطروق التدريس ’ وعدم قدرته على توظيف الوسائل الديداكتيكية من
عوامل ضعف التحصيل.
من خلال ما تقدم من تشخيص لواقع التعليم في بلادنا ’ وما أوضحنا من اللوازم لبناء
منظومة تعليمية عصرية يتضح أن إصلاح المناهج ليس كافيا ’ وأن بناء منظومة
جديدة هو الحل الوحيد لتجاوز الوضعية الراهنة’ وبالنظر إلي أن الإصلاح المزمع
سيتم في ظل وزراء من بينهم من هو مدرك لوضعية التعليم ’ وحريص علي بناء
منظومة عصرية فإن الأمل معقود عليهم.
فإلي أي حد سيأخذ هذا الإصلاح المرتقب بكل أسباب النجاح؟
المصادر والمراجع:
إصلاح النظام التربوي الموريتاني 9111 لأهداف والنتائج / لارابس محمد/تقرير نهاية تكوين
المفتشين بالمدرسة ا لعليا للأساتذة
محمود
تنمية الكف اءات التربوية / الدكتور عبد الق ادر يوسف
النمو المعرفي عند الطف ل / الدكتور النبيل عبد الهادي
طروق تدريس الف لسفة في التعليم الثانوي الموريتاني / إسلمو أحمد سالم /تقرير نهاية تكوين
المفتشين بالمدرسة ا لعليا للأساتذة
المنير في بناء التفكير /وثيقة لتكوين الأساتذة/ المفتشان/الحاج مصطفي /إسلمو أحمد سالم
7