معا لمحاربة الفساد (2) / محمد الأمين ولد الفاضل

خصصنا الحلقة الأولى من هذه السلسلة للدور الذي يمكن أن تلعبه المعارضة ـ وبكل أطيافها ـ في محاربة الفساد. وفي هذه الحلقة سنتحدث عن الأدوار التي يجب أن تقوم بها السلطة في هذا المجال.

إن من أهم الأدوار التي يجب أن تقوم بها السلطة في هذا المجال هو وقف تدوير المفسدين وتفعيل أجهزة الرقابة، وفي هذا الإطار فقد تم السماح بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية، وفي يوم الجمعة الماضي (26 يونيو) تم إيداع مقترح يتعلق بمراجعة القانون النظامي المتعلق بمحكمة العدل السامية، وهو ما يعني بأن هذه المحكمة قد تتشكل خلال الدورة البرلمانية الحالية، وإن كان يصعب عليها أن تبدأ أعمالها خلال هذه الدورة، وهو ما يعني بأن احتمال الدعوة إلى دورة برلمانية استثنائية خلال شهر أغسطس القادم لن يكون بالأمر المستبعد.

إن سماح السلطة بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية هو أمر يستحق التثمين، وإني من الذين يعتقدون بأن السلطة لن تتدخل سلبا في عمل اللجنة البرلمانية، فواجب السلطة ـ وهذا ما اعتقد بأنها تدركه ـ هو أن تقدم الدعم اللازم للجنة التحقيق البرلمانية، ولتقريرها الذي يجب أن تنفذ كل توصياته، ذلك أن أي محاولة للالتفاف على هذه التقرير ستكون كلفتها الإعلامية والسياسية على السلطة باهظة جدا، ومهما حققت هذه السلطة من بعد ذلك من إنجازات فإن تلك الإنجازات لن يكون بالإمكان تسويقها لا إعلاميا ولا سياسيا، هذا إن افترضنا جدلا بأنه يمكن أن تتحقق إنجازات إذا لم يحارب الفساد في هذه البلاد بشكل جدي.

إني من الذين يستبعدون تماما أن تكون هناك محاولات للالتفاف على تقرير اللجنة، وذلك لأني أعتقد بأن السلطة القائمة التي لم تكمل عامها الأول تعي خطورة ذلك، وتدرك حجم الكلفة الإعلامية والسياسية التي ستدفعها من رصيدها إن هي أقدمت على ذلك.

إن خطورة فعل من ذلك القبيل تكمن في:

1 ـ لقد تولد أمل كبير لدى الكثير من الموريتانيين بأن تشكيل لجنة تحقيق برلمانية هو بداية لتفعيل مبدأ المساءلة، الشيء الذي يعني بأن محاولة الالتفاف على تقرير اللجنة الذي تقول بعض التسريبات بأنه سيتضمن كم هائل من عمليات الفساد، ستشكل إحباطا كبيرا للكثير من الموريتانيين، وهو ما سينعكس بشكل تلقائي على موقفهم من الرئيس ومن نظام حكمه.

2 ـ لم يعد الشعب الموريتاني يمتلك القدرة على تحمل المزيد من النتائج الكارثية للفساد، ولقد كشفت جائحة كورونا عن خطورة الفساد، حيث أظهرت مدى هشاشة بنيتنا الصحية، ومدى عجزنا عن التدخل لتقديم الدعم اللازم للمتضررين اقتصاديا من الجائحة. إن بلدنا لا يمكن أن يتحمل المزيد من مهادنة الفساد والمفسدين لا من قبل جائحة كورونا، أما من بعد تلك الجائحة فقد أصبح الأمر خارج دائرة التصور والتخيل.

لو كانت السلطة تفكر في الالتفاف على تقرير اللجنة وعلى ما قد يتضمن من توصيات، لما قبلت أصلا بتشكيل هذه اللجنة. أما وبعد أن قبلت بتشكيل هذه اللجنة دون أي ضغوط، وبعد أن تم خلق أمل لدى الشعب الموريتاني بأن هناك مشروع مساءلة قد انطلق، وبأن هناك تحقيقا حول ملفات فساد كبيرة قد تم فتحه، أما وقد حدث كل ذلك، فإنه لم يعد بالإمكان إيقاف قطار التحقيق والمساءلة في نصف الطريق، ومن قبل أن يصل إلى المحطة المنتظرة لتوقفه.

يتواصل..

حفظ الله موريتانيا…