لماذا يرفض بعض النواب التحدث بلغتهم الأم؟ / محمد الأمين ولد الفاضل
يُحظر في أغلب البرلمانات في العالم استخدام اللغات الأجنبية في مداولات ونقاشات النواب، لأن ذلك يشكل انتقاصا من السيادة الوطنية. فمثلا في فرنسا لا يمكن لأي نائب أن يتحدث في جلسة علنية بلغة أخرى غير اللغة الفرنسية، وفي تونس يحرم استخدام أي لغة غير اللغة العربية في البرلمان التونسي، وفي المغرب يحرم استخدام أي لغة غير العربية والأمازيغية داخل البرلمان المغربي..وهكذا
كانت بلادنا وما تزال تشكل استثناءً في هذا المجال.
خلال الدورة البرلمانية الماضية، تمت المصادقة على بعض الإصلاحات في النظام الداخلي للجمعية الوطنية، وتضمنت تلك الإصلاحات ـ من بين أمور أخرى ـ إضافة المادة 61، والتي جاء فيها وبالنص:” توفر إدارة الجمعية الوطنية الترجمة الفورية لمداولات البرلمان باللغات الوطنية”.
خلال الدورة الحالية أطلقت قناة البرلمانية خدمة في غاية الأهمية، وتتعلق هذه الخدمة ببث كل الجلسات العلنية للجمعية الوطنية باللغات الوطنية الثلاث : البولارية والسوننكية والولفية .
بهذه الخدمة الجديدة والتي طال انتظارها، سيتمكن المواطن الموريتاني ومهما كانت لغته الأم أن يتابع كل جلسات البرلمان الموريتاني بلغته الأم..فمثلا سيستمع المواطن الموريتاني الناطق بالبولارية إلى مداخلات كل نواب الجمعية الوطنية مترجمة إلى البولارية، وسيحصل نفس الشيء مع المواطن الموريتاني الناطق بالسنونكية والمواطن الموريتاني الناطق بالولفية.
الغريب في الأمر، هو أن كل النواب الناطقين بلغاتنا الوطنية (البولارية والسوننكية والولفية) قد وقفوا بشدة ضد إضافة المادة 61 والتي تقول :” توفر إدارة الجمعية الوطنية الترجمة الفورية لمداولات البرلمان باللغات الوطنية”. وهم الذين رفضوا أن يتحدثوا باللغات الوطنية خلال أول جلسة علنية في الدورة البرلمانية الحالية، وهي جلسة الثلاثاء 7 أبريل، والتي خُصصت للمصادقة على مشروع القانون التأهيلي الخاص بكورونا. أصر النواب الناطقون بلغاتنا الوطنية الثلاث أن يتحدثوا في هذه الجلسة باللغة الفرنسية، وهم يعلمون بأن مداخلاتهم لن تتم ترجمتها إلى اللغة العربية ولا إلى بقية لغاتنا الوطنية، ولن يستفيد منها بالتالي إلا قلة قليلة جدا من الشعب الموريتاني تتحدث باللغة الفرنسية ولا تتجاوز نسبتها 13% من الشعب الموريتاني حسب تقارير المنظمة الدولية للفرانكفونية، والتي إن لم تزد نسبة المتحدثين بالفرنسية في موريتانيا، فإنها بالتأكيد لن تنقصها.
إن إصرار بعض النواب على التحدث باللغة الفرنسية بدلا من لغته الأم يطرح الكثير من الأسئلة التي تتعلق بمدى احترام أولئك النواب لناخبيهم، وبمدى جديتهم في رفع الشعار المتعلق بتطوير لغاتنا الوطنية، وهل أن ذلك الشعار هو مجرد شعار للاستهلاك السياسي، ولا يرفعه البعض إلا في وجه اللغة العربية (اللغة الرسمية للبلاد)؟
إننا نعيش اليوم لحظة هامة في مجال ترسيم لغاتنا الوطنية، على الأقل داخل البرلمان، والغريب أن بعض النواب الناطقين بهذه اللغات هم من يقف ضد عملية الترسيم هذه.
اليوم (الخميس 16 إبريل) ستكون هناك جلسة علنية ستخصص لنقاش مقترح التوصية الذي ينص على توسيع عمل لجنة التحقيق البرلمانية، فهل سيواصل النواب الناطقون بلغاتنا الوطنية البرولارية والسنونكية والولفية تقديم مداخلاتهم باللغة الفرنسية، مما يعني حرمان 87% من الشعب الموريتاني من الاستفادة من تلك المداخلات، أم أنهم سيصححون ـ هذه المرة ـ خطأهم الفادح ويتحدثون بلغاتهم الأم؟
الجواب لن يتأخر كثيرا، فما هي إلا ساعات ويأتينا الجواب.
حفظ الله موريتانيا…