على أعتاب عالم جديد / المختار السالم

في إيطاليا، وفي إسبانيا.. نقرأ اليوم، وبقلوب تتفطر حزنا على الأرواح البشرية، لقطات إخبارية مثل نزع جهاز التنفس عن رجل مسن ووضعه لشاب، ورفض الطوارئ الذهاب إلى طالبي الإسعاف الذين وصلوا مرحلة الشيخوخة.

وقصة أخرى عن اكتشاف الجيش الإسباني لجثث مسنين بدور رعاية ماتوا بكورونا ولم يقترب منهم أحد، ودور رعاية تخلى عنها الموظفون وتركوها مستنقعا للخرف وكورونا.

ويتردد في أصداء الروح صوت تلك العجوز الغربية التي تكابد قدراتها الصوتية لتدين تصرف المستشفى بقراره إعطاء سرير زوجها الطبي لمواطن أصغر سنا.

بمعنى أن “أوروبا” قررت التخلي عن مسنيها لصالحا إنقاذ شبابها على قلتهم.

لن نتحدث عن عبر كثيرة هنا.

نتذكر فقط أن “هؤلاء المسنين”، الذين تم التخلي عنهم على أبواب المستشفيات ودور رعية المسنين، هم الذين كانوا يتولون وضع السياسيات التي يجنون ثمارها السامة اليوم، فقد أداروا كل شيء في بلدانهم وقارتهم وفي العالم، وهم الجيل الذي قرر أن يتم الحد من كل المشاريع غير الربحية الصرفة، وتخصيص كل الاستثمارات لصناعة المتعة والرفاهية الجسدية المحضة.

وهم من حارب الأخلاق لتصبح المخابر ومراكز البحوث تحت رحمة علماء الاستنساخ وتخليق الفيروسات والتجارب القاتلة في اللعب بحدود العلم.

لقد استثمروا مليارات المليارات طوال عقود من الزمن في نشر حياة الحانة والمرقص على حساب حتى توفير أسرة طبية وأجهزة تنفس… هي اليوم ممنوعة عليهم لأنَّ شبابهم قرر التخلي عنهم!.. أليس شبابا هو ذاته نتاج “جيل المتعة الليبرالية” العابرة.

“الحضارة المسيحية – الصهيونية” متعددة الإمبراطوريات، تقف اليوم عاجزة عن صنع “كامة” بعد أن شنت الآلاف من حروب الاحتلال والغزو في كل بقاع العالم خلال أقل من مائتي عام.

هذه الحضارة، تحت المحجر الصحي اليوم، تذوق كأس الحصار والحرمان والرعب… نفس الكأس الذي طالما كسرت شظاياها في بلعوم الشعوب الطامحة للنهوض.

إنها “الحضارة المسنة”، التي فات الأوان على إنقاذها كقائدة للبشرية.. فالقضية أعمق من كل الطروحاتِ “المؤشراتية” النمطية… لأنَّ البشرية ستبقى دائما أحوج إلى معيار أخلاقي… وإلى “توازن دقيق” و”منصف” على حساب كل ما عداه… وإلا فما معنى أن تفشل كل تلك البنية التحية في “بلاد العم المسن”.. ليصبح اليوم مقياس القوة والكبرياء بـ”كمامة” أكثر منه بـ”قنبلة نووية”.

على أعتاب “عالم جديد ما بعد كورونا”.. هناك معيار رئيسي.. المنتصر من يخرج من رهاب “الخرائط التقليدية” (قيد الانقراض)، ليضع الآن محددات نهضته دون وضع اعتبار لما يمكن أن أسميه ب”القوى الافتراضية”.