للإصلاح كلمة تبدي فيها رأيها في حرية الإنسان (1) / محمدَ بن البار
كلمة الإصلاح بعد أن أثيرت في مواقع التواصل الاجتماعي قضية حرية الإنسان كل إنسان سواء كان مسلما أو يعتنق أي دين أو ملحدا إلي آخره ، فإني أود أن ادلي برأي في الموضوع :
وأبدأ بالحرية عند المسلم لأن المسلم هو الذي يعترف بالعجز الكامل لجميع ما يطلق عليه متعلقات الإنسان ، ولذا أمر الله نبيه أن يقول – وذلك تعليما له هو ولأمته – : (( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وانا أول المسلمين )) ، فأين مكان الحرية هنا ؟ .
وهناك قضية منطقية أستعملها هنا لتوضيح هذا الموضوع ، والقضية تقول : كل مسلم يخاف الله بالقوة ، وكل خائف غير حر ، فتكون النتيجة : المسلم يعترف أنه غير حر في الدنيا ، ونتيجة هذا تنطبق علي كل إنسان مهما كان دينه أو لا دين له ، لأن ابتداء وجود الإنسان فوق الأرض ومدته المحددة عليها وعدم معرفة انتهاء المدة وحتمية هذا الانتهاء ، كل هذا يعرف الإنسان أنه غير حر فيه ، وأنه كله يقع بالرغم منه ونتيجة لذلك فإني سأنفرد بالمسلم فقط الذي يعترف بقوله تعالي : (( وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتي إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون )) .
فالإنسان المسلم يدرك أن الحرية إما أن تكون في الفكر أو القول أو الفعل أو أي تصرف يقع من الإنسان يمكن تحديده ، فعجز الإنسان في القول يسمع المسلم فيه قوله تعالي : (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) ، وعلينا هنا أن نلاحظ صيغة الحصر في الآية ، وأن ندرك أن من يحصي عليه قوله للمجازاة عليه فليس بحر ، أما عمله أو دخوله في أي شأن – والشأن هنا نكرة – كل هذا هو الآخر مكتوب عليه لنشره أمامه للمجازاة عليه ، يقول تعالي : (( وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرءان ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه )) ، فأي إنسان مسلم يتكلم بعقله في الحرية أو يحاول أن يجعلها مادة متميزة داخل الإنسان أو من حق الإنسان أن يطالب بها كحق له ثابت ، فإن هذا الإنسان المسلم عليه أن يدرك أن هذا الانسان الذي يتكلم في حريته هو نفسه الانسان موضوع القرآن كله بدءا من خلق أصله وبعد ذلك تحويل هذا الخلق إلي مادة أصلية أخري ثم إنشاءه خلقا آخر ، وكل هذه الطوارئ والتطور بعيدا كل البعد عن حرية الإنسان ، مع أنه نفسه الإنسان الذي يتكلم عن حرية نفسه وعن حقه فيها ، بعد أن يصل إلي مرحلة القدرة علي التكلم ، ولو بدون أي سلطان علي إثبات ما يقول ، فعلينا نحن المسلمين أن نعرف أن هذا الانسان عندما أراد الله خلقه ليمر بهذه الدنيا وتركه حتي يصل إلي سن مخاطبة العقل هو نفسه الإنسان الموجود في الآخرة إما في الجنة وإما في النار ، فإذا كان في الجنة فتبدأ حريته المطلقة هناك ، وهناك فقط ، فهو حينئذ يتكلم قائلا : (( الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشاء )) ، وان كان من أهل النار فيقول المولي عنه عز وجل : (( ولو تري إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا ابصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون )) ، وهذا معناه أنهم لم يكونوا احرارا في عملهم ، فالمعذبون عليه هي أعمالهم التي كانوا يظنون أنهم أحرار في فعلها ، فالحرية المطلقة لم تأت في القرآن إلا في تهديده تعالي للملحدين في قوله تعالي : (( إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ،)) إلي قوله تعالي : (( اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير )) ، هذه الحرية أعلاه هي التي بين الله والانسان ، أما الحرية بين الإنسان والإنسان فلم تكن أيضا موجودة إلا بفعل التمرد ، فإن كانت بين المسلمين وهم تحت سلطة اسلامية فقد حدد الله للمسلمين ما يفعلونه بالمعتدين سواء كان فردا أو قبيلة ، فالقبيلة مجتمعة يقول الله فيها مخاطبا لولي الامر الذي مكن الله له في الارض : (( وإن طائفتان من المومنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت احداهما علي الاخري فقاتلوا التي تبغي حي تفيء إلي أمر الله )) فليست الحرية هنا متروكة للقوي ليبسط يده علي الضعيف ، وان كان المعتدي فردا فقد حدد الله في نصوصه عقوبة لكل فرد بذاته ، فحرم قتل النفس ، وهتك العرض ، وسرقة المال وجعل لكل عقوبة محددة تردعه، فلو نفذت لنتج عن ذلك الحرية لكل فرد من اعتداء الانسان الآخر ، كما قال صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ،إلي آخر الحديث ، وحتي أن الله أوصل حرية الفرد الانساني من اعتداء اخيه الانسان إلي داخل تفكير الإنسان بقوله تعالي : (( يا أيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن اثم ولا تجسسوا ،،،)) وكذلك أن الإسلام لم يترك حرية للإنسان في أن يظلم نفسه في قوله تعالي : (( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا )) ، ويكفي هنا في عدم الحرية سرده تعالي لمنع هذه الجوارح من أن تطلق لها حريتها لتتجاوز بها المنفعة بها يقول تعالي : (( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا )) .
ومن هنا نصل إلي الحرية التي هي ضد العبودية : هذه الحرية الواضع لها هو الله تعالي وليس الإنسان ، فالانسان لا يمكن أن يقدم لنفسه خصلة وهو نفسه غير موجود ، فالله الخالق لهذا الإنسان لم يعطه من هذه الحياة إلا سنوات محدودة فيعود بعدها إلي العدم ، وإذا فالله يقول إن الانسان بعضه خلقه للتكريم وبعضه خلقه ليكون هو والحجارة حطبا لجهنم ، يقول تعالي : (( واتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين )) ، فأي إنسان بعد نزول هذه الآية يمكنه أن يقف ويقول : لا أٌقبل أن يكون الإنسان حطبا لجهنم مع الحجارة التي لا روح لها ولا تتألم ، ولو قالها شخص وتعنت علي قولها لا يستطيع أن يتعنت أنه سوف لا يضعف بعد شبابه ولا يموت بعد شيبته ، فالخلق خلق الله من أراد أن يرفعه فلا راد لفضله ، ومن أراد أن يذله فلا راد لعدله ، ومع ذلك كله لم يأذن الله في عبودية أي إنسان لإنسان آخر إلا في استنثاء محدد لظروف محدودة وهي ظروف تبليغ هذه العقيدة التي سوف يكون اعتناقها فيه السعادة الكاملة للبشرية ، فمن امتنع عن اعتناقها وقاتل أولئك الذين يبلغونها ووقع أسيرا في ذلك القتال تسلب منه بعض حريته ، وهو اعطاء الإذن لمن اسره أثناء القتال أن يعامله معاملة المملوك ، وقد وضع الله لهذا النوع من الملك شروطا لا يجوز أن يتعداها المالك وذلك إلي جانب كثيرمن الأمر والدواعي لتحرير الإنسان من هذه العبودية مع أن المبدأ أًصلا في الإنسان هو الحرية من ملك الآخرين له وهي موضوع قول عمر بن الخطاب : متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا.
هذا نموذجا فقط من الكلام علي الحرية بلسان المسلمين ، أما الحرية التي تقول الديمقراطية أنها جاءت بها إلي الإنسان بأفكار غربية ، وعلي جميع الدول أن تأخذ بها مجسدة في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان فإن الحلقة الثانية من كلمة الإصلاح سوف يكون عنوانها بإذن الله : الديمقراطية والحرية في نظر الإسلام .