الديمقراطية : الضحية الجانبية/ الدكتور اسلك ازيد بيه،
حاولت تنبيه بعض الناشطين الموريتانيين على وسائل التواصل الاجتماعي -الذين أتمنى النجاح والتوفيق-، إلى نقطة مفادها أن “الحرية المطلقة” التي يتحدثون عنها في الغرب وهم وسراب ؛ فهي متاحة فقط لمن “ينتقد” الإسلام والأنظمة الاجتماعية في العالم العربي ويرسخ النظرة الأبوية والاستعلائية الغربية تجاه الجنوب بشكل عام.
فالمهاجر الذي يجرؤ اليوم على توجيه نظرة نقدية إلى المجتمع الغربي وتابوهاته السياسية والثقافية والاجتماعية، سيجد القانون له بالمرصاد، بسرعة قد تفاجئه وتصحح انطباعاته المغلوطة…
أعطيت مثالا بسيطا : عبارة « ! Free Palestine » التي أصبحت اليوم شعار الحرية بامتياز غربا وشرقا، رغم المعاملة الأمنية والسياسية الجائرة التي تترتب عليها في بعض الدول “الديمقراطية”.
كمثال آخر، أصدرت محكمة العدل الدولية مذكرة اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، إلا أن دولا غربية وازنة، أعضاء في هذه المحكمة، سمحت له بعبور أجوائها في رحلة له من المجر إلى آمريكا، مقر مجلس “الأمن” الدولي. فلو تعلق الأمر بالرئيس الروسي أو رئيس إفريقي، فهل كانت هذه الدول ستتصرف بنفس التساهل والتواطؤ والتمالؤ ؟…
في تسجيل سمعي-بصري مسرب، يقترح سفير إسرائيل في النمسا، دافيد رويت “إعدام القصر في غزة”… تصريح، رغم خطورته القصوى، لم يترتب عليه أي إجراء تأديبي أو تنديد من أية جهة رسمية ؛ إنها الفاشية أو لا تكون. ومن أجل فهم ازدواجية المعايير التي فضحت الزيف الأخلاقي الرسمي في الغرب وتسببت في استياء شعبي متزايد هناك، لنفترض جدلا أن سفيرا عربيا في عاصمة غربية صرح بما يشبه كلام دافيد رويت، فماذا -يا ترى- ستكون ردة الفعل عبريا وغربيا وعربيا ؟…
يجمع اليوم الكثير من المفكرين والباحثين في الغرب على أن حرية التعبير مهددة في بلدانهم، بفعل التحكم المفرط لبعض جماعات التأثير وبارونات المال في البنى التحتية الإعلامية ؛ ويذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، إذ يؤكدون أن الديمقراطية الليبرالية برمتها مهددة في دولهم بفعل البون المتزايد بين النخب الحاكمة من جهة، والشعوب من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال، تدعم النخب الحاكمة الغربية، باستثناءات قليلة، الإبادة الجماعية في غزة وتحمي مرتكبيها، بينما يصطف الشارع الغربي إلى جانب الحق الفلسطيني عبر مظاهرات ضخمة شبه-يومية. فهل ستكون الديمقراطية الليبرالية إحدى الضحايا الجانبية للإبادة الجماعية في غزة ؟
قبل “امتحان” غزة الكاشف لنسبية الحرية في الغرب، دأب بعض المفكرين هناك على التنبيه إلى التناقضات المتعلقة بالانتقائية في تحديد المحاذير الأمنية والثقافية التي يكرسها القانون ؛ في هذا المضمار، يوجز أحد هؤلاء الموضوع قائلا : “في آمريكا، يمكنك أن تقول ما تشاء طالما أن أحدا لا ينصت إليك”…