آثار العبودية ………..وجَعُُ مجتمعي لا يمكن تسييسه/الدكتور محمد ولد الراظي،،
يوم كان رجال السلطة قادة دولة يؤمنون بها ويحسنون الفعل في تسيير مواردها كانت السياسة فن حكم وكان من يعارضهم من الرجال قادة رأي ورجال سياسة وأصحاب مبادئ وقيم ؛ لا الحاكم يريد شيئا لنفسه ولا المعارض….
كان التأسيس صعبا للغاية لكن الجمهورية ، بفضل الإرادة القوية لأبنائها ، تأسست وقامت قواعدها واشتد عودها ….ظلت الموارد شحيحة لا تساعد في تسريع البناء ولا في تأمينه فعجزت السلطة الفتية أن تواجه المظالم كلها في آن وكانت العبودية أشنع هذه المظالم وأكثرها إلحاحا وأصعبها….
كان الوعي السياسي سابقا للإستقلال بسنين فقد مثلت انتخابات 46 البذرة الأولى لتأسيس الوعي بالدولة الوطنية وترسيخه في أذهان الناس بعد أن ظلت أرض “البيظان” محتلة لعقود ، لا يربط بينها سوى الاحتلال ، فمن جهة إمارات قوية متنافرة يجمعها الانتماء الثقافي والديني المشترك وماضي من الصراعات لا يخبو الواحد قبل أن يشتعل الآخر و من جهة أخرى قبائل قوية بمثابة مدارك ناظمة للمعرفة والافتاء تستوطن المنطقة هنا وهناك…
هذا الوعي السابق للإستقلال كان بذرة لوعي قوي بمحاربة العبودية واجتثاثها من المجتمع ولم تخل حقبة زمنية من وجود أشخاص ينادون بنبذها ويدفعون بعدم شرعيتها الدينية والأخلاقية والسياسية وكانت عنوانا مهما من عناوين النضال السياسي بُعيد الاستقلال…استفزت الدعوة لمحاربتها مكامن النبل في النفس ولواقط الحس السليم لمقاصد الشرع والعقيدة والفهم الصحيح للإسلام فبدأ الوعي ينمو ويترسخ أن لا عبودية في الإسلام وأن الله كرم ابن آدم وأعزه ولم يكرم شخصا بعينه ولا شجرة نسب وأن الإسلام ساوى بين الجميع لا يفاضل بين الناس سوى تقواهم وأن القرآن الكريم لم يذكر شخصا باسمه في موضع خير غير زيد بن حارثة وهو من الموالي ولم يتوعد شخصا باسمه بعذاب جهنم غير عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبي لهب وزوجه أروى بنت حرب بن أمية ، والاثنان ينحدران من أعز بيتين من سلالة عبد مناف بن قصي….!!!
بدأت محاربة العبودية بشكل منظم داخل الأوساط السياسية اليسارية والقومية في مجتمع “البيظان” حصرا ولم يذكرها سياسي واحد من المجتمع البولاري ومازال سياسيو “ألاق” منهم و مهندسو أحداث 66 لا يذكرونها بكلمة حتى الساعة…
واجه الانعتاقيون الأوائل اكراهات جمة أولها أن الكثير من الناس له مصلحة حياتية قوية في استمرار الظاهرة فلا يبخل بجهد في سبيل تعطيل أي مجهود يسعى للقضاء عليها وثانيها أن غالبية الأرقاء أنفسهم يقبلون بالعبودية طواعية فقد تم ترويض عقولهم أن الخروج على السيد كفر بواح يودي بصاحبه لعذاب أليم يوم القيامة وأن جنة الواحد تحت أقدام سيده والسيد لا يرضى بأقل من طاعة مطلقة عمياء !!!!!!!…وثالث المصاعب وليس أدناها أن سلطة التأسيس لا تملك القدرة على مواجهة الظاهرة حينها فقد كانت منشغلة في ترسيخ أسس دولة مستقلة عاجلتها فرنسا وأذرعها المحلية بمشاكل داخلية قوية عام 66 ثم دخلت في حرب الصحراء فلم يكن بمقدورها أن تتعرض لتفكيك منظومة فقهية يقبل بها الجميع ، منفعة مادية ومعنوية للسيد في الدنيا وموجبة لرحمة العبد يوم الحساب !!!!! ورغم كل هذه الصعوبات لم يغفل الرئيس السابق المرحوم المختار ولد داداه أن يقوم بخطوات ولو خجولة في الاتجاه الصحيح ، فقد كان يتحرك في حقل ألغام…..
في الثمانينات بدأ الوعي بمحاربة العبودية يغزو أوساط المثقفين والنقابيين من شريحة “لحراطين” فتميزوا عن غيرهم أنهم جعلوا من محاربتها برنامجهم الحصري وكانوا أصدق صادق في هذا الموضوع لأنهم يعيشون ظلما لا يعيشه غيرهم والمظلوم عادة ما يكون أصدق من غيره وأقدر على فهم المرارات وأفصح إبلاغا في التعبير عنها …. واجهوا العبودية يوم كانت منتشرة في طول البلاد وعرضها لا تبحث عن شاهد ، ولم يدفعهم وجعها ولا مرارات ممارساتها البشعة لسلوك ينحرف بجهودهم عن نبل مقصدها أن ينصف المظلوم من ظالمه وأن يعود الناس أحرارا كما ولدتهم أمهماتهم أول مرة وكان البيان التأسيسي لحركة “الحر” واضحا لا لبس فيه في موضوع الهوية ؛ فتحالف بعضهم مع البعثيين وتحالف بعضهم مع اليساريين وجمعوا حولهم أقواما كثرا من جميع الشرائح ومن مختلف العناوين لسان حال الجميع أن لا عبودية بعد الآن فامتلأت شوارع المدن الكبرى بالمناشير التي تدعو للقضاء عليها وطليت الحيطان يكتابات تنادي بانصاف الأرقاء وبناء مجتمع منسجم ومتعاضد ……رحم الله من قضى منهم وأطال في أعمار الباقين.
جاءت ديمقراطية “لابول” فأفسدت السياسة وأفسدت الأخلاق والمروءة وأفسدت كل ذوق سليم ، جاءت مفروضة ومفصلة بمقاسات محسوبة لا تحيد يُمنة ولا يُسرة عن الخط المرسوم لخدمة المصالح الفرنسية أن يكون الرأي العام المحلي هو من “يُشرع” وصول الأنظمة المطيعة وهو من يحميها فيكون له عليها منة وهو والسلطة كليهما في يد فرنسا…
جاءت طبعة “لابول” بحرية التعبير فاستبشر الناس كثيرا فقد مضت عليهم عقود لا يقدر أحد أن يهمس بكلمة في أذن أخيه مخافة السجن أو الملاحقة وظن الكثير أنها فرصة لخلق وعي مدني تفاعلي ينتج قاعدة انتخابية تعي لماذا تقترع وتعي لماذا تختار ومن تختار وكيف ومتى تحاسب …..خاب ظن الجميع بسرعة وتبين أن هذه الحرية مجرد طلاء براق لسم زعاف وأن الغرض منها لا يتجاوز جرعات تنفيس عن مرارات الحاضر والماضي وأن يلهو الناس في تدافع المسؤوليات حول كل ضرر يرى هذا الطرف أنه تعرض له من ذاك الطرف في حاضر الزمن أو في غابره ؛ فلا تتعرض الأنظمة الحاكمة لضغوط داخلية ولا يتفرغ أحد للتفكير في سوء الحكامة وتبذير الموارد ثم إن من نتائج هذا الوعي المسموم أن تتراجع فرص حصول انقلابات غير مأمونة لا يعرف أحد متى تقع ولا من أي جهة تأتي…..
غلَّقت “لابول” الأبواب في وجه السياسيين الحقيقيين وحولت الدولة لملكية الحاكم وفتحت المشاركة للقبائل بشخوصها وبأحزابها وللفئات بكل عناوينها وحاصرت كل خطاب رشيد وفتحت المجال أمام موجات النزق اللفظي وساعدت أصحابه ليظهروا معارضين ودفعت بهم للواجهة، فكل ما يُلهي الناس عن رصد مساوئ الحكم وتتبعها فيه خير للحاكم وبركة !!!!
تختلف المعارضة في ديمقراطية “لابول” عن المعارضة في الحقب التي سبقتها ، فهذه المعارضة مربحة في كل الأحوال ؛ إما أن ينال المعارض مبتغاه حين يستدعيه الحاكم ويسترضيه فيعود للصف كأنه لم يخرج منه قط وإما أن لا يعير له الحاكم بالا فيزداد شططه في المعارضة فيأخذه الأمن للسجن وفي هذا خير كبير……فالسجن لم يعد يخيف كما كان فلا تعذيب فيه ولا تعنيف وإنما فرصة يود البعض أن يكون له معها موعد من حين لآخر لتدفع به ثورة الاتصال والتواصل نحو آفاق الذكر البعيد أويأخذ طريقه نحو العالمية إن كان له سند أجنبي معادي ……فلم تحصل خصومات بين “معارضة” لابول و”حكوماتها” خارج دائرة البحث عن ما يقرب من قول وعمل للسلطة وسياجها القريب …
أصبح الفساد ثقافة بلاد بأسرها لا يقتصر على نظام بعينه ولا أحزاب بعينها ولا هيآت جمعوية دون أخرى ، الكل ينهش من جانبه لا يلوي على شيء و الأحزاب السياسية هي أول الفاسدين وأكبر المفسدين فهي التي تأتي بالمفسدين وتحمي المفسدين وتدافع عنهم أمام الناخبين الذين اختطفتهم بالقبيلة والجهة والشربحة….وبعض الفتات
فلم يطالب حزب يوما ببناء مدارس ولم يطالب بسدود ولا استصلاح زراعي ولا بناء مستوصف في قرية نائية ولا مؤسسة خدمية في ريف ولم يناد حزب واحد بورشات لبحث أسباب وتداعيات الفشل المخيف للتلاميذ في الشهادات الوطنية ولكن هذه السلبية مع الشأن العام تنقلب لضدها حين يتعلق الأمر بالمشاركة في الحكم فلم يتغيب حزب واحد عن المطالبة بتوسيع دائرة التمثيل النيابي و البلدي ولم يتخلف حزب واحد عن المطالبة بتوسيع فرص الفوز في الانتخابات من خلال تعميم النسبية و تقطيع المزيد من الدوائر الإدارية فبات الحزب مجرد عنوان يراد منه خدمة فرد وبطانة ضيقة حوله ولا يعنيه المواطن في شيء….أما النائب في البرلمان فلا يعرف عن دوره إلا القليل وهو أقرب ما يكون للنقابي يبصم على كل ما يصدر من جهة السلطة إن كان في الأغلبية ويدافع باستماتة وطيش عن كل انحراف يصدر من صحبه إن كان معارضا…..حتى لو كان في ذلك مساس بهيبة الدولة وتعريض بتماسك المجتمع…
ورغم أن الجيل الحاضر من أبناء “لحراطين” لم يعش العبودية قط ورغم أن الجيل الحاضر من أبناء “البيظان” لم يَستعبد أحدا قط فلقد كانت فسحة الحريات الإعلامية المسمومة للديمقراطية الجديدة فرصة لبث كراهية عبثية طائشة بين مكونات المجتمع الواحد يقتات عليها نفر قليل من الناس لا يهمهم “بيظاني” ولا “حرطاني” ولا يهمهم وطن فوقعوا وقودا لخطة بديلة كان العابثون باستقرار البلاد عام 66 قد طرحوها في حالة فشل مشروعهم الانفصالي…..
وبالرغم من أن العبودية كممارسة لم يعد لها من وجود ولم يعد لها قبول من أي كان، فلم يمنع ذلك من أن تتعالى الأصوات وتتعدد وتتنوع وتتوالد من بعضها تطالب بالقضاء عليها ، يتزاحمون كل يريد أن يزيح صاحبه ليتصدر المشهد فإن فشل انشق عليه …
يرفع كا واحد شعار محاربتها فيتلقف كل حالة فردية يستظهر بها لتسييسها ويعمى أن يتعرض لآثارها البشعة التي تخبر عنها جيوب فقر كبيرة في كل مكان ومواطن جهل منتشرة في كل زاوية وتخلف مجتمعي بشع….. تصامم وتغافل لا تفسير له سوى أن الحديث عن وجود الظاهرة أمر صادم يسهل تسويقه خارج الحدود وتوظيفه في بث الفرقة فيستفيد منه طرف هنا وطرف هناك أما الحديث عن آثارها حصرا فيعني طرح اختلالات مجتمعية خطيرة تعني الدولة والأحزاب والنقابات والمجتمع المدني ولا تعني أحدا دون الآخر….ولا يمكن توظيفها خارج الحدود
فما الذي استفاده أبناء “لحراطين” من تدويل مسألة العبودية ؟ ومن هم الذين فتحوا أذرعهم في الخارج لدعاة التدويل ؟ وهل سبق لهذه الجمعيات الأجنبية أن نطقت بكلمة خير لصالح هذه البلاد وأهلها ؟ وهل يعقل أن الذين يبررون المجازر في غزة على مرأى ومسمع من الجميع ولا تحرك فيهم ذرة من ضمير لم يبالوا من قبل بموت ما يقارب مليون شخص في رواندا ولم تصدر عنهم كلمة عن معاناة مسلمي الروهينغا ، سيكونون اليوم يألمون لوجعنا الوطني ويهتمون بنا ويفتحون دورهم لإسماع صوتنا !!!!!! وأين كانت هذه المنظمات والمؤسسات الراعية لها يوم كانت العبودية منتشرة حقا وببشاعة تستعصي على الوصف ؟ ولماذا لم تأت هذه المنظمات الأجنبية على ذكر حالة واحدة من حالات الاسترقاق خارج مجتمع “البيظان” ؟ وهل طالبت شبكة التدويل هذه بتمويلات تستهدف آدوابه لبناء مدارس أو مستوصفات أو سدود …..!!!! وما الذي منعها من ذلك ؟ ومن استفاد من هذه الحملة غير أفراد يعدون على أصابع اليد وكلما طال انتظار بأحد من الصحبة فلم يتقدم، يشد الرحال فيرحل يتلمس شعابا أخرى بشعارات أكثر استفزازا وربما أسرع مردودا !!!!! ولماذا الخروج على السيد مسعود أصلا سوى أن البعض استبطأ خروجه عن الواجهة ليحل محله فخرج عليه !!!!! ولماذا التحامل على شخصية وطنية بحجم بيجل حميد ، نادر في استقامته ونادر في صدقه ونادر في صموده وقل له نظير في الوفاء للصحب والخلان يوم تدور عليهم دوائر الزمن ؟ لم يُقصر مسعود ولم يُقصر بيجل ولم يخذلا ولم يأتيا قولا ولا فعلا يخدش من نبل المسعى ولا يعاب عليهما سوى أنهما يرفضان الاستعانة بمن لا يريد خيرا للوطن…..
وما الذي استفاده أبناء “لحراطين” من صحبة بعض الانعتاقيين لجماعة انفصالية معروفة والتنسيق الدقيق مع قوم لا يهمهم تحرير الناس من ربقة الاستعباد ولا ينبسون ببنت شفة عن ظاهرة العبودية في مرابعهم ……؟ ولماذا لم يأخذ أحد عليهم هذا التقصير المتعمد فيذكرهم أن العبودية لا تتجزأ وأن اللون المشترك قد يخفي التمايز فلا يعرف منشأ الواحد من سيماه ولكن ذلك لا يخفف من وطأة الاسترقاق عليه ولا من بشاعة الازدراء الذي يعيشه طيلة حياته ويوم يموت ولا يمنع أن يبقى قبره شاهدا يذكر أبناءه وأحفاده بحاله… !!
“الحرطاني” عنوان و”البيظاني” عنوان وغيرهما عناوين كلها تحيل لمجموعة من مجموعات هذا المجتمع الذي توحده اللهجة الحسانية – التي تعود لفصيل واحد منه فليس كل “البيظان” من بني حسان ولم يخلق ذلك حرجا لأي كان – ولكل جماعة ماضي تستذكر فيه مرارات من الأخرى ولا مرارة أبشع من الاستعباد لكنها جميعها أمم خلت ولم يعد اليوم بامكان طرف أن يتنمر مهما كانت سطوته ولم يعد اليوم طرف يخشى من هوانه وضعف حيلته لأن الجميع في دولة….
تعرف هذه الأرض يبلاد شنقيط والجميع يقبل بهذه النسبة وقلة القلة من السكان يقطنون المدينة والغالبية الساحقة من أهل البلاد ما مروا بها يوما وما مر بها لهم أب ولا جد…
كانت هذه المدينة أول محطة زارها السيد بيرام الداه اعبيد ليستريح أياما خلال موسم التمور وهذه الزيارة فيها رسائل كثيرة أولها أن الرجل قد بدأ رحلة مراجعة سياسية واختار هذه المدينة العنوان الجامع لسكان البلاد لتكون أول نقطة يبدأ بها ، ثم في طريق عودته زار رئيس البرلمان السابق في واحته وهي رسالة ثانية أنه يمد يده للجميع حتى الذين تخاصم معهم يوم كانوا في السلطة ثم عاد لمدينة أطار فزار قبر ولي صالح من “البيظان” وهي رسالة تصالح مع الموروث الثقافي والمرجعي لمجتمعه ثم كانت له محطة بأوجفت تدخل في نفس الإطار وأخيرا حط الرحال ضيفا على رجل الوسطية والاعتدال بيجل حميد……فحسنا فعل السيد بيرام الداه اعبيد إن كان قرر أن يراجع نفسه فالسياسة غير ثابتة والسياسي لا يعاند في التشبث بالمواقف الخطأ…..
لكن هذه الإشارات الايجابية يبدو أنها دفعت البعض لرحلة معاكسة لملء الفراغ الذي قد يحدثه تصويب السيد بيرام لموقفه فيصبح هؤلاء المنتجعون عنوانا لكل المغاضبين من جماعة السيد بيرام الذين لا يرضون بتوجهه الجديد…. طالب بعض هؤلاء بانتاج هوية جديدة لمجموعة “لحراطين” ودعا آخر ون لاحصاء محاصصي المقصد ليكون لكل فريق نصيب من الثروة مكتسب بالاسم والعنوان لا مستحق بالمواطنة ولربما يطالب لاحقا بنصيب من الأرض….لم يعد من شيء يستحيل سماعه !!!!!!!!
الهوية مسألة أنتروبولوجية والانتروبولوجيا علم والحقائق العلمية لا تكون بتزكية من جماعة تقترع عليها ومن يتصور أنه قادر أن ينتج هوية منفصلة بالتصويت مثله كمثل من يطالب بالتصويت لترجيح قاعدة علمية على أخرى !!!!!
لكن الهوية المشتركة لا تمنع أحدا أن يجافي الآخر ولا تفرض عليه أن يؤالفه و التمايز كشعار وكهدف لايصلح أن يكون برنامجا سياسيا ولا يخدم جهة مطلقا ولا يستفيد منه إلا نفر قليل يعزف على وتر بقايا مرارات موروثة لينال نصيبا من كعكة بلد فقد منذ 78 بوصلة الحكم الرشيد…..فكيف السبيل للتغلب على آثار العبودية ؟
ليست صرخة هنا ب”اسمهم” وليست كلمة نابية هنا في حق هذا وذاك وليست أسفارا لهذا المصر أو ذاك المصر ستساعد في حل حقيقي لوجع مجتمعي كبير يراد تسييسه ولا يمكن تسييسه….
إن من يتألم حقا لواقع “لحراطين” وهو مؤلم ومن يريد حقا أن تنتفي آثار الاسترقاق بعيدا عن التوظيف السياسي ينبغي أن ينخرط بكل قوة في مجهود وطني توعوي عام يطالب بالزامية التعليم وتعميمه ومجانيته والتكفل بالتلاميذ مأكلا وسكنا ورعاية عبر كفالات مدرسية حكومية في كل القرى والأرياف ومساعدة الآباء على الاستغناء عن عمل الأبناء من خلال مساعدات عينية عن كل ولد في آدواب يدفع به والده نحو المدرسة …….ويسعى بكل ما أوتي من قوة للدفع نحو حكامة رشيدة….
أما الانحراف بمظلمة مجتمعية بهذا الحجم نحو التسييس فلا يعني غير أن تظل عنوانا يحصل منه هذا على شهرة وذاك على نصيب وثالث يطالب بهوية خاصة يكون لها عنوانا……