مقال رأي – دومينيك دو فيلبان

اليوم، وأنا أنظر إلى غزة، وأتابع يومًا بعد يوم ما يجري هناك، لا بد أن أواجه الحقيقة المأساوية: إن جريمة تُرتكب في غزة، جريمة إبادة جماعية. تتعالى الأصوات أكثر فأكثر، بما في ذلك من بين المؤرخين والجمعيات الإسرائيلية، لتقول ذلك، وأنا أقدّر وأعجب بالشجاعة التي يتطلبها هذا الموقف، كما هو حال عمر بارتوف وأموس غولدبرغ، أو منظمة “بتسيلم” و”أطباء من أجل حقوق الإنسان”.

وفي الوقت الذي نحيي فيه ذكرى إبادة سربرنيتسا في يوليو 1995، التي أدت إلى مقتل 8 آلاف رجل وفتى مسلم من البوسنة، وتهجير 30 ألف شخص قسريًا، أفهم اليوم كيف يمكن أن يحدث ما كان يبدو لي بالأمس مستحيلًا. أفهم أن الصمت، والعمى الطوعي، والشلل الأخلاقي، ليست مجرد ضعف بشري، بل هي الشروط ذاتها التي تجعل الإبادة ممكنة.

كيف يمكن قبول إقصاء المنظمات الدولية، وانتهاك القانون الدولي، دون حتى ذكر الضغوط الهائلة التي تُمارَس على العدالة الدولية؟ إن كل هذه الهجمات تهدف بالتحديد إلى فرض غطاء من الصمت والكتمان، لأن هذه المنظمات مُكلّفة أصلًا بتوصيف وتسميه ما لا يُسمّى.

نية واضحة

الصمت تواطؤ. والتسمية فعل بحد ذاته. نعم، يجب اليوم أن نسمّي الأمور بأسمائها. ففي غزة، أمام أعيننا، تجري إبادة جماعية. تتراكم فيها كل أشكال الموت: الموت تحت قصف لا ينقطع، الموت جوعًا بفعل التجويع المنظم، الموت بالرصاص لمجرد محاولة الحصول على بضع غرامات من الطحين من مؤخرة شاحنة، الموت بالإهمال التام لسكان محرومين من الماء والكهرباء والأدوية. والموت أيضًا بالإذلال اليومي للمبقين على قيد الحياة، المحرومين ليس فقط من الكرامة، بل أيضًا من أي أمل. كل هذه الأشكال من الموت تلتقي في مكان واحد، تحت تأثير نية واضحة.

هذه النية ليست نظرية أو غامضة، بل هي معلنة ومجاهرة بها من قِبل حكومة بنيامين نتنياهو وكثير من المسؤولين السياسيين الإسرائيليين الذين، بدعم من الإدارة الأمريكية وتواطؤها، وبسلبية الدول الأوروبية، أصبحوا يصرحون علنًا بمشروع محو شعب بأكمله.

كل فلسطيني، وكل طفل، وكل حياة بريئة تُعامل كمذنب لمجرد ربطها بعمل إرهابي وقع في 7 أكتوبر. كل فلسطيني، وكل طفل، يُنظر إليه كعقبة أمام تحقيق المشروع المسيحاني لـ “إسرائيل الكبرى”. وضمن هذا المنطق المرعب، يصبح الجميع مذنبين، والجميع محكومًا عليهم. واليوم، تفضل كثير من الضمائر في مختلف أنحاء العالم ألا ترى، وألا تعرف، وتختار عمدًا صرف النظر عن هذه الحقيقة المؤلمة.

كثيرًا ما نعيش اليوم خارج التاريخ الجماعي المأساوي الذي يُكتب أمام أعيننا، في فقاعة محمية، وفي مساحة ذهنية وأخلاقية وجسدية تهيمن عليها اللامبالاة، حيث يستطيع من يعيشون في رفاهية أن يغضوا الطرف عن الفظائع التي تقع على بعد أمتار منهم. إنه فضاء العمى الطوعي، فضاء التواطؤ السلبي.

أريد اليوم أن أخاطب الضمائر، والشعوب، والدول، حتى يُكسر هذا الصمت وهذه اللامبالاة. حتى يتخذ كل واحد، مثقفًا كان أو فنانًا أو مواطنًا، الموقف الواضح والحازم والفوري. حتى تنتهي هذه الشراكة السلبية التي تجعل أسوأ المآسي الإنسانية ممكنة.

لدينا الوسائل للتحرك

غدًا، لن يستطيع أحد أن يقول إنه لم يكن يعلم. نحن نعلم، ونرى، ونفهم. لدينا واجب أخلاقي مطلق للتحرك، والكلام، ومعارضة هذه الجنون القاتل الذي يحدث أمامنا. إن الاعتراف بهذه الحقيقة يجب أن يدفعنا أكثر من أي وقت مضى إلى رفض كل الخلطات والتعميمات، والحذر واليقظة لمنع أي عودة لمعاداة السامية.

لقد حان الوقت لكي تستعيد فرنسا ودول العالم لغة الشرف المفقودة، تلك التي ترفض الإبادة، وتنبذ اللاإنسانية. لقد حان الوقت للعودة إلى الواجب الأول لكل سياسة: حماية الأرواح، ومنع ما لا يمكن إصلاحه، والحفاظ على الإنسانية في كل منا. اليوم، التاريخ يمضي بلا رحمة. إنه يحكم علينا بالفعل. فلنحرص على ألا يقال إننا فشلنا في إنقاذ غزة. وألا يقال إننا كنا متواطئين بدافع الجبن أو اللامبالاة. خاصة وأننا نعلم أننا قادرون على الفعل.

نحن نعلم أن دولنا قادرة على تقديم ردود عملية: عبر تعليق اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل فورًا، طالما استمرت انتهاكات حقوق الإنسان؛ وعبر دعم الملاحقة الفعلية للمسؤولين الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية، وتطبيق مذكرات التوقيف الصادرة عنها.

وعبر تنظيم إيصال عاجل للمساعدات الإنسانية من خلال تدخل عسكري مشروع، مدفوع بالواجب الدولي لحماية المدنيين؛ وفتح أبواب غزة أمام صحفيي العالم أجمع، لأننا اليوم أكثر من أي وقت مضى نملك الحق والواجب في المعرفة؛ وأخيرًا، عبر تعزيز التعبئة الدولية للاعتراف بدولة فلسطينية قابلة للحياة، قادرة على حماية مواطنيها والعيش في سلام وأمن إلى جانب إسرائيل.

لكن، وبغض النظر عن هذه الوسائل المتاحة، فإن المطلوب اليوم هو تعبئة كل واحد منا، في كل أنحاء العالم، للتعبير بوضوح وحزم عن رفضه لما لا يُقبل. وحدنا لا نستطيع شيئًا، لكن معًا يمكننا كل شيء.

دومينيك دو فيلبان