رئيس المجلس الوطني لحزب الإصلاح الأستاذ محفوظ ولد بتاح: الحوار والتشاور وخلق مناخ سياسي توافقي أفضل الطرق لتعزيز استقرارالبلاد وتطويرها اقتصاديا واجتماعياً

أجرى الأستاذ محفوظ بتاح رئيس المجلس الوطني لحزب الإصلاح، ورئيس لجنة الحزب المكلفة بالحوار مقابلةً صحفية مطولة مع جريدة القلم تضمنت العديد من القضايا الوطنية وما تشهده الساحة من حراك سياسي واجتماعي.

وقد استعرض الأستاذ محفوظ ولد بتاح خلال هذه المقابلة رؤية الحزب حول الحوار المرتقب مقدماً المبررات والعوامل التي دعت رئيس الجمهورية إلى اعتماد التشاور مبدء في إدارة البلاد

وتطرقت رئيس المجلس الوطني خلال هذه المقابلة إلى قضايا الوحدة الوطنية وجهود إصلاح التعليم ومواجهة ارتفاع الأسعار وغيرها من القضايا الوطنية

وفيما يلي نص المقابلة


القلم /سؤال 1: عقد الفاعلون السياسيون من الأغلبية والمعارضة يوم الأربعاء 27 أكتوبر الماضي، اجتماعا في أنواكشوط بهدف تشكيل لجنة للتنظيم أو الإشراف على التشاور. فما هو جدول أعمال ذلك الاجتماع الأول؟ هل كنتم عند خروجكم من ذلك اللقاء على قناعة بأن جميع الفاعلين كانوا في ظروف جيدة واستعداد كاف للمشاركة في التشاور؟
 
الأستاذ محفوظ بتاح : فعلا، لقد اجتمع عن جدارة فاعلو الحياة السياسية من الأغلبية والمعارضة في بلادنا يوم الأربعاء 27 أكتوبر الماضي.
وقد استجاب لحضور هذا اللقاء ولأول مرة منذ المرحلة الانتقالية 2005-2007، جميع الفاعلين السياسيين (الأحزاب السياسية المعترف بها، بالإضافة هذه المرة إلى المرشحين السابقين للانتخابات الرئاسية لعام 2019). ويعتبر هذا نجاحا أولا لم يتمكن النظام السابق من تحقيقه على الرغم من “حواراته” المتعددة وتواجد ما كان يسميه النظام “موريتانيا العميقة”.
كان جدول أعمال الاجتماع، كما ذكرتم، يتضمن أساسا إنشاء لجنة مسؤولة عن تنظيم التشاور. وقد تم التوصل في نهاية المباحثات بين المشاركين إلى اتفاق مبدئي على تشكيل لجنة مشتركة متكافئة تتولى التحضير اللازم لعقد جلسات التشاور.
وكان كل من المعارضة والأغلبية، كل فيما يعنيه، مطالب بتقديم أسماء ممثليهم في اللجنة المذكورة ريثما يتم تحديد عدد أعضائها في غضون ذلك. وقد اقترح البعض أن تضم اللجنة 10 أعضاء (2 × 5 أعضاء من كل طرف) كما اقترح البعض الآخر بدلاً من ذلك 16 عضوًا (8 × 2). والحقيقة أن عدد الأعضاء لم يتم بعد تحديده نهائيا، غير أن ذلك لن يتأخر طويلا.
وسيكون أمام اللجنة التي سترى النور قريبًا، 28 يومًا لتحضير المشاورات. وسيتعين عليها في هذا الصدد: اقتراح لجنة للإشراف؛ وتحديد معايير المشاركة وعدد المشاركين؛ وتحديد على-ضوء خارطة الطريق التي أعدتها في الأصل الأحزاب الممثلة في الجمعية الوطنية والتي يمكن مراجعتها وتصحيحها كلما لزم الأمر من قبل جميع الجهات الفاعلة التي شاركت في اجتماع 27 أكتوبر- ما يجب أن يركز عليه التشاور أي المواضيع التي سيناقشها المشاركون في الجلسات؛ وكذا الإجابة على السؤال الخاص بمعرفة دور الحكومة في جلسات التشاور الوطني، بل هل يجب أن تكون حاضرة؟ وإذا كان الجواب نعم، بأي مستوى يجب تمثيلها وماذا ينبغي أن يكون دورها بالضبط؟
وقد كان جليا في نهاية الاجتماع المذكور، أن جميع الفاعلين السياسيين المدعوين قد التقوا في أجواء إيجابية وحالة ذهنية بناءة من شأنها ضمان مشاركة الجميع من جهة، وتوفير إمكانية النظر باطمئنان إلى مستقبل المسار من جهة أخرى، أي إلى فرص نجاح عملية التشاور الوطني.
 
القلم /سؤال 2: يبدو من خلال الاستماع إلى بعض الفاعلين السياسيين، أن الحوار بين الفاعلين هو السبيل لحل مشاكل البلاد. هل لديكم في حزب “الاصلاح” هذه القناعة؟ وهل شعرتم بوجود إرادة سياسية أو مؤشرات مطمئنة أخرى من جانب النظام فيما يتعلق بتنفيذ المخرجات التي ستنبثق عن التشاور؟
 
الأستاذ محفوظ ولد بتاح : نحن في “الإصلاح” نتشارك القناعة مع من يعتبر أنه لا توجد طريقة أخرى لحل مشاكل أي دولة سوى الحوار والتشاور”..
وليست موريتانيا بمعزل من هذه القاعدة. ولذا، يتوجب إيجاد حلول لمشاكل البلاد في إطار هادئ بعيدا عن أي مواجهة.
تلك هي القناعة التي وجهت ودعمت عمل رئيس الجمهورية منذ وصوله إلى السلطة وقد أخذ في هذا السياق المبادرة باستقبال الفاعلين السياسيين والاجتماعيين للبلاد فور توليه السلطة. كما رحب جميع هؤلاء الفاعلون بهذه المبادرة وأجمعوا على قدرة الاستماع الكبيرة لدى رئيس الجمهورية، الذي استقبلهم واستمع إليهم بصدر رحب، على عادته كرجل متزن ومنفتح.
 
إن الأسلوب وروح الانفتاح والحرص على احترام التعهدات المقطوعة الذي عبّر عنه السيد رئيس الجمهورية عدة مرات، يمكن اعتبارها ضمانات كافية لتبديد أي شك في إرادة السلطات في تنفيذ المخرجات التي ستتمخض عن التشاور. وقد أكد السيد رئيس الجمهورية ذلك بشكل منفرد للفاعلين الذين استقبلهم، كما عبّر عنه علنًا في الخطاب الذي ألقاه مؤخرًا بمناسبة افتتاحه للمنتديات العمومية لقطاع البناء والأشغال التي نظمتها وزارة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي.
لذلك لم يعد هناك أي سبب يدعو إلى التساؤل حول صدق إرادة السلطات العمومية في تنفيذ المقترحات التي سيتم الاتفاق عليها في جلسات التشاور الوطني المرتقب.
 
القلم /سؤال 3: ما الذي دفع رئيس الجمهورية، حسب وجهة نظركم، إلى قبول الحوار أو التشاور في الوقت الذي يقول الرئيس وداعموه أن البلاد لا تعيش أزمة؟
 
الأستاذ محفوظ بتاح: ذلك هو أسلوب الرجل وطريقته في ممارسة السلطة بالاستماع إلى الجميع وخاصة لمن لديهم آراء حول حاضر البلاد ومستقبلها، بما في ذلك مبدئياً، قادة الأحزاب السياسية والفاعلون في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
إن قرار رئيس الجمهورية بقبول فكرة التشاور ينطلق تحديدا من روح الانفتاح والاعتدال الراسخة لديه.
فضلا عن ذلك، فإن الرئيس بات يدرك جليا بأن البلد بحاجة بالفعل للخروج من وضعية سياسية كانت تتسم بالمواجهة بين الفاعلين السياسيين. وللاقتناع بذلك، يكفي الرجوع إلى برنامجه الانتخابي إبان ترشحه، الذي أكد فيه بأن البحث عن مناخ سلمي سيوجه عمله باستمرار من أجل التقريب بين مواقف الفاعلين السياسيين بشأن القضايا التي تتعلق بالمصلحة الوطنية، وأنه يؤمن إيمانا عميقا بأن موريتانيا بحاجة إلى جميع قواها الحية، وأن الجميع يمكن ويجب أن يساهم في عملية البناء الوطني، مضيفا »إننا يمكن أن نتفق أو لا نتفق، ولكن يجب أن نكون قادرين على مناقشة جميع الأمور التي تهم المصلحة الوطنية«، ومتعهدا » بتهيئة الظروف اللازمة لتحقيق ذلك«؛ وأنه سيحرص ضمن هذا السياق، »على وضع إطار للتشاور يمكن من لقاء زعيم المعارضة بانتظام، والتشاور مع قادة الأحزاب الممثلة في البرلمان حول القضايا الاستراتيجية«.
 
وبناء على ما تقدم، لا يكون قرار رئيس الجمهورية بالمصادقة على التشاور بين الفاعلين في الحياة السياسية، نتيجة لأية أزمة من أي نوع، كما أن لا وجود لأي رهان يتعلق بميزان القوى قد يجعله مضطرا لقبوله. بل يعني الأمر فقط بالنسبة لرئيس الجمهورية الاهتمام بصميم تنفيذ برنامجه السياسي الذي ينطلق بلا شك من رؤية مستنيرة لمشاكل البلاد وسبل ووسائل معالجتها.
وفي ظل هذه الظروف فان لرئيس الجمهورية والأغلبية التي نحن جزء منها، كامل الحق في رفض مصطلح الأزمة لتوصيف الوضع في البلاد.
 
القلم /سؤال 4: ما هي بالذات المشاكل، حسب رأيكم، التي تعيشها بلادنا والتي يمكن أو ينبغي للحوار أو التشاور أن يجد لها حلولا؟
 
الأستاذ محفوظ ولد بتاح : مشاكل البلاد هي شبيهة بتلك التي تواجهها جميع دول العالم الثالث. إنها تحديات التنمية: فلا بد من وضع وتنفيذ سياسات اقتصادية واجتماعية صحيحة تضمن تحقيق نمو مرتفع، وتوفر للمواطنين تحسنًا مستمرًا على المستوى المعيشي. ومجمل القول إنه يجب التغلب على الفقر والجهل اللذين ليسا قدرا محتوما. فقد تسلحت العديد من البلدان وخاصة في جنوب شرق آسيا، بإرادة صلبة من أجل تحقيق هذا الهدف، وقد نجحت في ذلك المسعي.
في هذا الصدد، نحن نرى من جانبنا أن الإرادة السياسية لإخراج البلد من التخلف متوفرة وهي أمر حقيقي. وقد عبر رئيس الجمهورية عن ذلك بوضوح حين قطع على نفسه جمع وتنفيذ كل المتطلبات لوضع البلاد على طريق النهوض.
 
أما فيما يتعلق بمساهمة التشاور المستقبلي في حل مشاكل البلاد فيجب توضيح أنه مهما كانت القرارات والتوصيات الأخرى الصادرة عن جلسات التشاور، فذلك لا يعني بالضرورة حل مشاكل البلاد.
فالتشاور لن يكون عصا سحرية لحل مشاكل التخلف، وإنما سيتيح- على أحسن تقدير- فرصة لتحقيق إجماع وطني مرغوب فيه من طرف الجميع، حول كبريات القضايا الاستراتيجية للبلد التي حددها الفاعلون في وثيقة خارطة الطريق التي تم إعدادها، والتي تتعلق بالوحدة الوطنية، والإصلاحات الديمقراطية والحكامة الرشيدة..
 
ومن الواضح بأن التوصل إلى توافق وطني حول هذه القضايا هو في حد ذاته إنجاز لا يستهان به. كما أنه يشكل -علاوة على ذلك- ضمانا للاستقرار السياسي للبلاد وتماسكها الاجتماعي اللذين بدونهما لا يمكن لأي مشروع تنموي أن ينجح.
 
القلم /سؤال 5: هل تعتقدون في “الإصلاح” أن موريتانيا تعاني من مشاكل فيما يتعلق بوحدتها الوطنية؟
 
الأستاذ محفوظ بتاح : في حزب “الإصلاح” نعتقد بادئ ذي بدء، بأن هنالك أسبابًا وجيهة لعدم وجود قلق كبير بشأن متانة الروابط التي توحد الشعب الموريتاني، والتي تؤسس الوحدة الوطنية مثل وحدة العقيدة الدينية (الإسلام السني)، وتجذر تقاليد العطاء والأخذ في هذا المجال بين النخب الدينية من مختلف مكونات البلاد، وكذا التاريخ المشترك على مدى عدة قرون، إضافة إلى تشابه معظم الأنماط المعيشية بشكل تام والتمازج العميق الإنساني والثقافي؛ وهي الأمور التي تساهم كلها في إرساء أساس قوي للوحدة الوطنية.
ولكننا نعتقد أيضا بأن وجود ركائز متينة للوحدة الوطنية لا يعني بالضرورة عدم وجود مشاكل؛ فالديناميات الاجتماعية والصراعات السياسية العنيفة في بعض الأحيان، وكذلك الظلم والإقصاء كلها عوامل يمكنها أحيانًا تقويض الوحدة الوطنية بشكل قوي.
ولم تسلم بلادنا من الآثار السلبية لتلك العوامل التي تسببت في إرث إنساني ثقيل لا يزال حاضرا بقوة في النفوس، وبالتالي يجب أن يجد حلا نهائيا.
لقد تم بالفعل اتخاذ إجراءات رمزية ودينية ومادية في هذا المجال، لكن يبدو جليا أنها ما تزال غير كافية.
فالدولة مطالبة مجددا بتحمل مسؤولياتها في هذا المضمار من خلال التوصل إلى حل عادل ومنصف لهذا الملف.
نعتقد بأن موريتانيا في النهاية، تظل ملكا لجميع مكوناتها ومواطنيها؛ وأنها شاسعة بما يكفي وغنية جدًا لتتسع لكل فرد من أبنائها، بحيث يجد فيها مكانته اللائقة والأسباب الكافية للاعتزاز بالانتماء إليها.
ويحدونا الأمل في أن يكون التشاور مناسبة للتوصل إلى توافق في الآراء بشأن طرق ووسائل تضميد جراح الماضي والتطلع بحزم نحو المستقبل الذي نأمله مستقبلا يسوده السلام والانسجام والازدهار.
 
القلم /سؤال 6: يثير النقاش الدائر حاليا حول إصلاح نظام التعليم ومكانة اللغات الوطنية مثل البولارية والسوننكية والولوفية، ردود فعل متباينة لدى الطبقة السياسية ويشغل شبكات التواصل الاجتماعي. ما هو رأيكم حول هذا الجدل؟ وكيف يمكن للمدرسة الجمهورية التي تطمح لها الحكومة، أن تتكفل بهذه المسألة؟
 
الأستاذ محفوظ بتاح : لا شك بأن منظومتنا التعليمية تحتاج بشكل ملح للإصلاح، وهو تشخيص محل إجماع من طرف الكل. إن الأزمة التي تعاني منها المدرسة في بلادنا تعود إلى فترة طويلة مع فشل المحاولات القليلة للرفع من أدائها. لم تعد المدرسة وعاءا للوحدة الوطنية بعد أن أصبحت أداة لتقسيم شعبنا: فلكل مجموعة قومية مدرستها الخاصة ولغتها التعليمية الخاصة؛ التعليم الخاص للأثرياء والتعليم العام للفقراء؛ هناك مدرسة للمتميزين ومدرسة للرديئين؛ طاقم تدريس بروليتاري، يتقاضى أجورًا زهيدة وفي الغالب هو سيئ التكوين؛ بنية تحتية غير كافية وغير محكمة التوزيع على التراب الوطني مع خريطة مدرسية لا تستجيب في أغلب الحالات سوى لمعايير الزبونية؛ لقد أصبح الفشل في المدرسة هو القاعدة والنجاح هو الاستثناء. ويكفي تأمل مستوى نسب النجاح في المسابقات الوطنية السنوية مثل دخول السنة أولى من الإعدادية، وشهادة ختم الدروس الإعدادية والبكالوريا. فنسبة النجاح في البكالوريا على وجه الخصوص كانت كارثية، حيث لم تتجاوز خلال العقد الماضي 9٪ في الدورة الأولى لتصل ما بين 13 إلى 15٪ في الدورة الثانية. وقد تكون هذه النتائج هي الأدنى في كل أنحاء شبه المنطقة إن لم يكن ذلك على المستوى العالمي. ولعل الأدهى والأمر هو كون التلاميذ يتلقون في النهاية، مستوى ضعيفا جدا من التعليم لا يستجيب على الإطلاق لمتطلبات الشغل.
ولا شك بأن هذا التشخيص يعكس بجلاء جحم الكارثة التي يعيشها نظامنا التعليمي والحاجة الملحة لمواجهتها.
 
لقد جعل رئيس الجمهورية التعليم ضمن أولى أولوياته وقد انخرط هو شخصيا في عملية تأهيله.
كما أن الرئيس -من خلال حرصه على الحضور شخصيا لفعاليات افتتاح السنة الدراسية للرفع من مستوى وأهمية الحدث منذ أول سنة دراسية 2019-2020، بعد شهرين فقط من تسلمه السلطة- إنما رسم بذلك ملامح العمل الذي يجب القيام به. ولا شك بأن الرمزية القوية والعالية المرتبطة بحضوره في تلك المناسبات، والتي تنم عن إدراك فائق لأزمة مدرستنا وضرورة إيجاد حلول مناسبة لإصلاحها ووضعها في المسار الصحيح، لا تغيب عن أحد اليوم.
إن برنامج رئيس الجمهورية حول مسألة التعليم واضح جدا بما لا يدع مجالاً للشك، وكذلك طموحه في وضع نظام تعليمي فعال، مدرسة توحد وتقدم تعليماً ذا جودة، مدرسة تقوم بتدريس قيم المدنية والمواطنة.
إن الجدل الذي يشغل الطبقة السياسية وشبكات التواصل الاجتماعي حول هذه المسألة هو أمر شرعي تمامًا، نظرا لأهمية نظام التربية والتعليم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لأي بلد. ومن الجدير بالملاحظة في هذا الصدد أن بلدان جنوب شرق آسيا التي أصبحت نموذجًا للتنمية، قد ركزت جهودها بشكل أساسي على التعليم، وبالتالي فقد استفادت من الانعكاسات الإيجابية لهذا الاختيار، واحتلت مراتب متقدمة جدًا في ترتيب الأمم في مجال التقدم الاجتماعي والتكنولوجي.
أما فيما يخص اللغات الوطنية فيجب أن تجد، بغض النظر عن تطرف البعض وعمى بصيرة البعض الآخر، مكانتها في نظامنا التعليمي.
كما يشكل التشاور الوطني حول إصلاح النظام التعليمي الجاري هذه الآونة على مستوى وزارة التهذيب الوطني والذي تمت دعوة جميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين إليه، فرصة لتحديد أي مستوى من المسار المدرسي يناسب إدخال اللغات الوطنية.
ولا شك بأن إدخال تدريس اللغات الوطنية المتوقع يمثل عاملاً هامًا في تعزيز التماسك والانسجام الوطنيين. لكن يبقى من الضروري -في انتظار إعطاء الإصلاح موضوع النقاش حاليًا لنتائجه ومخرج دفعاته الأولى- أن يتم التصدي للوضعية الحالية من أجل تسهيل وجود إدارة تفهم المواطنين، ويفهمها المواطنون المستفيدون من خدماتها. وبالتالي، يجدر في غضون ذلك، بموظفي الدولة الذين يخدمون في المناطق الجنوبية من البلاد والذين لا يتحدثون لغات المواطنين المحليين، أن يتعلموا اللغات الوطنية. كما ينطبق الأمر نفسه أيضًا على الموظفين الذين لا يتقنون اللغة العربية أو الحسانية والمطالبين بالخدمة في باقي أنحاء البلاد.
 
في هذا السياق، ينبغي تثمين افتتاح قسم للغات الوطنية بولارية والسونينكية والولوفية مؤخرا في المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء؛ إذ ليس من المقبول الاستمرار في استعانة من يمثلون الدولة (الولاة والحكام، والقضاة، ومسؤولو الأمن ومديرو الخدمات الاجتماعية الإقليمية)، في تأدية مهامهم على مترجمين كما كان يفعل الإداريون الاستعماريون في الماضي. وكما ستعزز هذه المبادرة ترسيخ الوحدة الوطنية، فإنها ستمكن من تحقيق فعالية أكثر في عمل مصالح الدولة في المناطق المعنية.
 
انتقل الآن إلى الجزء من سؤالكم المتعلق بطريقة المدرسة الجمهورية التي تطمح لها الحكومة للتكفل بمسألة اللغات الوطنية. وللإجابة على هذا السؤال، يجب أن نتذكر أولاً بأن مفهوم المدرسة الجمهورية هو مفهوم نستعيره من فرنسا. ومع ذلك فإن تنوع اللغات المستخدمة في فرنسا لم يكن أبدا من مهام المدرسة الجمهورية الفرنسية.
هل تعلمون أن فرنسا لديها أكثر من عشر لغات، تُعرف باللغات الإقليمية أو اللغات الأقلية متجذرة تاريخياً وجغرافياً على الأراضي الفرنسية (الباسك، البريتونية، الكاتالونية، الكورسيكية، اللهجات الألمانية للألزاس وموسيل، إلخ …). فما من لغة من هذه اللغات أخذت بعين الاعتبار في التعليم الفرنسي. بل على العكس من ذلك، فقد تم حظر التحدث بها داخل المدرسة ووصفها أحيانًا بدافع الازدراء، باللهجات العامية Patois
لهذه الأسباب، قد لا تجد اللغات الوطنية مكانتها في نموذج المدرسة الجمهورية كما عُرفت تاريخياً وهي ما تزال، مدرسة اندماج بل مدرسة احتواء.  وإنما ينبغي البحث عن مكانة لتلك اللغات الوطنية ضمن القيم الديمقراطية التي تحافظ وتعزز مبدئيا معطى التنوع، خاصة الثقافي. ولنقل إن مدرستنا يجب أن تكون في نفس الوقت جمهورية وديمقراطية.
 
القلم /سؤال 7 : لقد عقد حزب “الإصلاح” قبل أشهر قليلة، مؤتمره العادي وقام بتجديد هيئاته؛ فما هي المكانة التي يحتلها حزبكم في الساحة السياسية الموريتانية؟
 
الأستاذ محفوظ بتاح : فعلا. لقد عقد حزب الإصلاح مؤتمره في فبراير الماضي. وكان هدفه الرئيسي هو إعادة تأسيس الحزب على أسس جديدة تأخذ بعين الإعتبار التوافقات السياسية التي تم التوصل إليها بمناسبة اندماج مجموعات سياسية وازنة وكذا العديد من الأحزاب السياسية داخل هذا الحزب، وما رافق ذلك كله من إسهام في رفد الحزب بموارد بشرية متنوعة، فضلا عن استيعاب القدوم المكثف إليه من طرف الأطر متعددي المشارب والقدرات.
إذن، كان لا بد من أخذ كل هذه الاعتبارات في الحسبان من وجهة نظر المشروع السياسي للحزب وعلى مستوى بنيته التنظيمية.  وقد تحقق ذلك بالفعل مع الانطلاقة الجديدة لحزب الإصلاح بخطوات ثابتة، حاملا مشروعا سياسيا تم تجديده، ومعتمدا على هياكل تنظيمية فسحت المجال لأكثر من 600 إطار.
في ظل هذه الاعتبارات فإن طموحنا في “الإصلاح” هو أن يكون الحزب شيئًا آخر غير أداة للتعبئة فقط.
إننا نعتقد أن الأحزاب السياسية تتجاهل حتى الآن إحدى مهامها الأساسية المتمثلة في المساهمة في بلورة وعي سياسي واضح لدى مواطنينا حول ما تعنيه المواطنة وخصائصها، وما هي حقوقهم السياسية في المقام الأول، وكذلك واجباتهم تجاه الأمة وأهمية الدور الذي يجب أن يلعبوه في مجال التوجيه السياسي للبلاد، وضرورة الولاء للدولة أكثر من الانتماءات الأخرى (العرقية، القبلية، المناطقية، إلخ)؛ وكذا أهمية احترام الشأن العام (المال العام، مؤسسات الدولة وقوانينها…إلخ).
ونطمح كذلك- بصفتنا حزبا من الأغلبية الرئاسية- إلى المساهمة بشكل كبير في توسيع وتعزيز القاعدة الشعبية الداعمة لرئيس الجمهورية. ونعتقد بأن الأغلبية لم تقم حتى الآن بكل ما في وسعها، وما يجب عليها القيام به في هذا المضمار، ولا سيما في مجال التواصل والاتصال بشأن البرنامج الطموح لرئيس الجمهورية والسياسات التي تنفذها الحكومة تطبيقا له.
 
أما فيما يتعلق بموقعنا في الساحة السياسية الوطنية، فيمكنني أن أقول لكم بأن حزب الإصلاح هو حزب حيوي للغاية في إطار الأغلبية الرئاسية. وهو يطمح إلى أن يكون، بمناسبة الانتخابات التشريعية المقبلة، من الأحزاب الأوائل على مستوى التمثيل الوطني.
 
القلم /سؤال 8: ما هو انطباعكم حول الزيادات المتكررة في أسعار المواد الغذائية الأساسية والإجراءات التي تتخذها الحكومة للحد منها؟ هل تبدو ناجعة بالنسبة لكم؟
 
الأستاذ محفوظ بتاح : لا شك بأن الزيادات المتكررة في أسعار المواد الأساسية هي واقع لا يطاق بأي حال من الأحوال بالنسبة للغالبية العظمى من المواطنين؛ إلا أن تحميل الحكومة مسؤولية ذلك الغلاء، يبدو في نظري حكما متعجلا لا يأخذ بعين الاعتبار كل أبعاد الموضوع. 
ولكي نكون منصفين، يتوجب علينا أولا مراعاة بعض الملاحظات وهي أن بلادنا تستورد كل حاجياتها الغذائية تقريبا (قمح، زيت، سكر، شاي، لبن، أرز، إلخ). والحقيقة هي أن أسعار جميع هذه المواد قد شهدت ارتفاعًا مذهلا في السوق الدولية. على سبيل المثال، شهدت مادة القمح زيادة في سعرها بنسبة 40٪ للعام الحالي. كما يتوجب علينا أيضًا أن نأخذ في الحسبان الزيادة المرتفعة جدًا في أسعار الشحن البحري التي تفاقمت وتواصلت بسبب جائحة كوفيد-19.
لقد وصلت الزيادة إلى نسبة 300٪ وأكثر على بعض خطوط الشحن. وقد ارتفع نقل حاوية بسعة 40 قدمًا من الصين إلى أنواكشوط، الذي كان في حدود 2800 دولارً أمريكيً قبل الأزمة، ليصل مؤخرا إلى ما يقارب 15000 دولار أمريكي.
وقد أدركت الحكومة بسرعة مدى التأثير السلبي لارتفاع الأسعار على القوة الشرائية للأسر وقامت في هذا الصدد باتخاذ إجراءات مهمة. فكانت بعض تلك التدابير ذات نطاق شامل بما في ذلك وعلى وجه الخصوص: إصدار مقرر يحدد أسعار المواد الأساسية، وإنشاء آلية جديدة تعني بالاستيراد لصالح الدولة لهذه المواد التي سيتم بيعها بأسعار معقولة. كما ستمكن الآلية المذكورة من انتظام السوق وبالتالي كبح شجع بعض الفاعلين في هذا المجال المتعطشين لتحقيق أكبر ربح ممكن على حساب المستهلكين.
 
كما تم اتخاذ إجراءات أخرى وبشكل خاص لصالح الطبقات الهشة، سعيا من الحكومة لتنشيط وتوسيع شبكة دكاكين أمل من خلال إمدادها بكميات كافية لتلبية طلب زبنائها. وكما تعلمون فإن تلك الحوانيت تبيع موادا قد يصل سعرها في بعض الأحيان إلى نسبة أقل بـ 50٪ من سعرها في المتاجر التي يقتني منها المستهلكون الآخرون. كما أن الأسعار التي اعتمدتها الشركة الموريتانية لتوزيع الأسماك تمكن المواطن في جميع أنحاء التراب الوطني تقريبا من الحصول على هذه المادة بأسعار مخفّضة.
 
كذلك، ينبغي أن يُذكر في إطار هذه الجهود الحكومية، الدعم النقدي الذي تم تقديمه عدة مرات لـ مائتي ألف أسرة؛ وتكفل الدولة بفواتير المياه والكهرباء أيضًا للأسر التي لا يتجاوز دخلها مستوى معينً، وكذلك استفادة أكثر من مائة ألف أسرة من التأمين الصحي، وكذا زيادة معاشات التقاعد.
 
ولا شك بأن بعض هذه الإجراءات قد تم اتخاذها أصلا في إطار العمل ضد التأثير السلبي لجائحة كوفيد-19 على المواطنين، إلا أنها تساهم في نفس الوقت في مواجهة الانعكاسات السلبية لارتفاع أسعار المواد الأولية.
 
باختصار، لقد وفقت الحكومة إلى حد كبير في تأدية واجبها المتمثل في مساعدة المواطنين في ظروف دولية تتميز بالارتفاع الجنوني للأسعار؛ حيث أن أقوى الاقتصادات لم تسلم من تأثير ظاهرة غلاء الأسعار هذه. وهو ما أدى إلى استفحال التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا.
 
اجري المقابلة دالي لام