لا عبودية في الإسلام / الدكتور محمد ولد الراظي عضو قيادة الحزب
هذا مقتطف من مقال كنت نشرته منذ ما يقارب عشر سنين في موقع الدرب حول العبودية بين المسيحية و الإسلام لعله يساعد في فهم موقف الإسلام من هذه الظاهرة المشينة.
لا خلاف في أن الإسلام اعترف بوجود العبودية كعادة قديمة متأصلة في المجتمع القرشي تماما كما الخمر وغيره، فكانت محاربتها تتطلب الكثير من الفطنة والحذر مراعاة لتقاليد مجتمع يسعى الإسلام إلى أن يتغير بروية وهدوء
الإسلام إذن يعترف بالعبودية كظاهرة طارئة وليست أصلية ولا سمة لنوع معين من البشر لا تفارقه
فالإنسان في الإسلام يولد حرا مكرما كما في الآية الكريمة ” ولقد كرمنا بني آدم” صدق الله العظيم ، فكيف يقبل من مسلم أن يهين من كرم الله وهل توجد إهانة أكبر من الرق.
وهل قال الله بتكريم ابن فلان عن ابن فلان بل قال إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
حقيقة الإسلام هذه هي التي دفعت بمن كانوا بالأمس عبيدا أن يسارعوا لمبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم، في الوقت الذي نفر منه سادة القوم وحاربوه.بل إن “عبيد” الأمس لاقوا الأمرين في رحلتهم تلك من عبودية لسادة قريش إلى حرية بنور الإسلام، ورفضوا كل الإغراءات وصبروا كل العذابات للدخول في الدين الجديد.هذا وحده يكفي للدلالة على أن الإسلام كان خلاصا للعبيد، مع أن الشواهد والأدلة القاطعة من خلال الكتاب والسنة وعبر تاريخ الإسلام الراشدي كثيرة ومعبرة
.لقد اعتمد الإسلام خطين متوازيين لمحاربة العبودية:
1- تجفيف منابع العبودية من خلال سن قوانين ملزمة تضيق الطريق الموصل للعبودية تجعل من العبد ابنا إضافيا حيث له ما للأولاد وعليه ما عليهم
.والحكمة من هذا أن يكون ” العبد” زيادة نفقة على “مالكه” في الوقت الذي كان وسيلة إنتاج ومن شأن ذلك أن يجعل المرء يفكر ألف مرة قبل الإبقاء على “عبده” عبدا أحرى أن يسعى لزيادة “عبيده”
2 – فتح الأبواب واسعة أمام تخليص من هم مازالوا عبيدا من واقع العبودية
.فأقر الإسلام تحرير الرقاب من بين كفارة اليمين والصوم، وفرض التآخي في الإسلام بل إن الرسول صلى الله عيه وسلم تبنى زيد بن حارثة في رسالة واضحة البيان للناس أن لاعبودية بعد الآن
كما أن أبا بكر الصديق أنفق من ماله ليحرر بلال ويفتح أمامه طريق العز والسؤدد
“لقد كانت لكم في رسول الله أسوة حسنة” أمر من الله للمسلمين أن يتبعوا رسول الله في كلما فعل ولن يكون أحد أكثر تأسى به من “ثاني أثنين” أبي بكر ابن أبي قحافة.
فإنفاق أبي بكر لتحرير العبيد ومباركة رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك وتبنيه صلى الله عليه وسلم لزيد قبل نزول آية تحريم التبني دليل قاطع أن روح الإسلام تحارب العبودية.
صحيح أن الإسلام لم يقل صراحة بتحريم العبودية ولكنه كذلك لم يقل صراحة بتحريم الخمر التي قال فيها ابن عباس “والله لو نزلت علينا اتركوا الخمر ما تركناها أبدا”. ولذلك جاء تحريم العبودية سلسا ومنهجيا من خلال تحديد حقوق من هم ساعتها عبيدا وإلزام الناس بها شرعا ورفض البيع والشراء لذا لم تسجل حالة واحدة من بيع أو شراء في عهده صلى الله عليم وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين.
لقد تحول بلال بن رباح في فترة وجيزة من عبد حبشي مهان في بدنه وروحه وكرامته إلى سيد من سادة الدين الجديد وعلم من أعلام الأمة وواحد من صفوة صحابة رسول الله.
إن المعنى الذي يستنتج من الفعل أكثر تعبيرا عن ذلك الذي يدرك من القول وما قام به أبو بكر ثاني شخص في الدولة الإسلامية يدل على أن الإسلام يلاحظ وجود العبودية ولكن لا يعترف بها كصفة طبيعية.
كما أنه يعطي النموذج الذي ينبغي على كل مسلم حذوه.
هناك ملاحظة أخرى هي أن المجتمع العبودي لا يقبل للعبد بأي تميز ولا يمكنه هو أصلا التفكير في ذلك.
أما في الإسلام فإن من كانوا بالأمس عبيدا ودخلوا الإسلام دخلوه بكل اعتبار وتقدير ولم يشعر أحد منهم بأي تمييز أو نفور منه بل إن بعضهم نال الشأو الكبير في كل صنوف المعرفة وكل دروب الفضيلة فأسامة بن زيد بن حارثة قاد جيوش المسلمين في كثير من الجبهات وأبلى فيها البلاء الحسن.
درسوا كالآخرين القرآن الكريم والحديث الشريف واللغة والبيان وخاضوا الحروب من مواقع الريادة كباقي إخوانهم من المسلمين. لم يصادفوا ما يعيقهم ولم يجدوا مانعا من ولوج قمم التميز والنبوغ فهذا الإمام نافع أحد أهم مراجع المقرأ القراني وتلك رابعة العدوية آية النسك والزهد وذاك قطب الدين أيبك الذي أقام امبراطورية الإسلام في الهند ليترك للأمة أكبر تجمع إسلامي في العالم.
أما المماليك اؤلائك العبيد الشركس سابقا فهم من أوقف المغول في عين جالوت وهم الرجال الفرسان الذين بنوا قلعة من أقوى قلاع الإسلام. وفي عالم الأدب والثقافة نبغ أبو عثمان الجاحظ فظلت مؤلفاته وما زالت في الأدب والبيان والتاريخ مرتع الباحثين والدارسين للثقافة العربية الإسلامية.
هذا هو الإسلام الصحيح واؤلائك هم المسلمون الذين يعبرون بصدق عن حقيقة الإسلام وأن لا عبودية في الإسلام كما قال الفاروق عليه السلام كلمته المشهورة : “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا