الحب في زمن كورونا/ المهندس صهيب الصرايرة؛ الكرك – الأردن
نقلا عن شبكة البصرة
يقولون الحياة مدرسة، والمدرسة هي شعاع يكسب الإنسان المعرفة لتتوسع مداركه، تشحذ مواهبه، وتصقله ليرتقي، فتعده لتسمو الحياة.
ويقولون في المدرسة يعلمونك الدرس ثم تذهب لتؤدي الاختبار، أما الحياة فتختبرك لتعطيك الدرس، وتتزاحم الذاكرة بذكريات المدرسة كما تتزاحم بمواقف الحياة منها المفرحة، المحزنة، الممتعة، والمرعبة، وهل مما هو أكثر رعبا بأن تعيش حياتك تخبئ الحب في جيبك كسلاح أخير للدفاع عن نفسك.
في القصة أو العبرة يقولون نظر في وجوههم وسألهم ماذا تقولون في هذا الذي كان. فأجاب الأكبر: لا أمل بغير القانون، ورد الأوسط فقال : لا حياة بلا حب، أما الأصغر فقال : العدل أساس القانون والحب، نظر الأب بدهشة من خاض التجربة وعاشها فقال: لا بد بشيء من الفوضى لكي يصحو الغافل وينتفض الظالم.
أما الحياة المدرسة التي ندخلها بلا طلب انتساب ويجد كل منا مقعده فيها، نتعلم منها نجتهد، نعيش فيها في الخطأ أو نذهب حينا إلى الصواب، ننجح تارة ونفشل أخرى، نفرح ونحزن، نصيب ونخيب، نعانق سنوات عمرنا بكل ما تحمل في طياتها من الألم والأمل، الحقيقة والأمنيات، الخلاف، السجال، الطموح، الانتكاس، الخوف، الانتصار…. نمشي، نركض، نصعد، ننزل، ننادي، نولول،، نسير، نتعثر، نبكي، نضحك، نهذي، نهلوس، نعلو، نسقط، نرى، نحس. ونعيش لحظاتنا بمسمياتها ووصفها والمصادفة والقدر، في زمان يعيش الفرد منا فيه لنفسه أو لأجل محيطه الضيق، لا ننظر أبعد مما قد تراه العين أو أقل من ذلك بكثير، نأكل ونحن نشاهد التلفاز وننظر إلى الجثث المكدسة تحت الأنقاض نتناقش، نغني ونرقص ونحن نشاهد الموت حولنا وهو يجوب الشوارع والطرقات، نتعانق حبا أو نفاقا، والقتل يعانق الأطفال حولنا والكبار، البعض يكتب صفحات عن الحب وبر الوالدين ووالده يتمنى منه مكالمة هاتفية منذ أيام أو أسابيع، نرى القتل وسلب الحياة فيما حولنا، في فلسطين، غزة، العراق، سوريا، اليمن وليبيا وغيرها أو حتى في بلاد الواقواق وننقسم فيما بيننا لنصفق لهذا القاتل أو ذاك، ونتجادل أيهم له الأحقية بالقتل، ننادي بالإنسانية والقلوب تنغل بالحقد والعنصرية.
نعاشر الأيام والليالي بكل شخوصها ونعيش في أحضانها بكل مالكيها وممتلكيها، الصالحين والمصلحين أو المدعين ذلك، مرورا بالشياطين و المجرمين أو المبدعين في الإجرام وهؤلاء الذين تفوقوا على الشياطين، القادة والزعماء والسادة الأثرياء وهؤلاء الذي يزعمون الذكاء، المقهورين والغافلين والمغفلين، نمارس المهن الإنسانية يرافقها النزوات الشيطانية، ونبدع بالإمكانيات والبدائل والتكنولوجيا، نمارس الفكر والفقه والثقافة والعقائد ونمسك بكل الصولجانات في آن معا، تارة نمارس المثالية، ونغوص حينا في الاعتباطية، العفوية، الغبية، الإقطاعية، الاشتراكية، الرأسمالية، وسمي ما شئت ونحن نسير حيث تأخذنا الأنانية، نذهب إلى قطع الأرزاق والأعناق من أجل البقاء ليس من أجل الحياة بل للتحكم بمفاصل الحياة وقوت البشر والامتلاك والتملك، والبقاء للأقوى في فقه الجميع أفرادا ودول إلا من رحم ربي، والفضيلة والكمال في جُلها دعوة للمصلحة الشخصية، أي بمعنى ليست سوى ستار للأنانية والذاتية.
وفي نهاية شتاء قارص وبداية ربيع بارد، جاءت الرحمة للبشر على شكل وباء ليصحو الغافل وينتفض الظالم، لننظر إلى اخضرار الأرض وولع بياض زهر اللوز من نوافذ البيوت، والسحب تعانق أسطح البنايات وسفوح الجبال في وقت باتت جُل أمنياتنا أن نفترش الربيع ونعانق نسماته، وأعظم أعمالنا هو أن نجلس في المنزل، وليقف هذا الوباء على ممارساتنا اليومية ليهذبها أو ليجعلنا نقف أمامها ليمنحنا دعوة لغسل قلوبنا قبل أن نغسل أيدينا، وليبين لنا أن العبادة ليست مجرد طقوس يومية نؤديها، والحب ليس مجموعة من العنا قات الزائفة، وانه إن تكون مهذبا في مسيرك وتعبيرك ووقوفك لقضاء حوائجك يقيك من الطاعون، وأن الاختلاط له محاذير كما أن له أنظمة ومعايير، وأن التكافل هو دعوة للنجاة، والاحتكار مسيرة للدمار، العنصرية والطائفية ليست من الدين وأن الإنسانية رسالة ودعوة إيمانية، التكبر مدعاة للظلم والجهل، والتواضع دعوة للمودة والمحبة، الصدق نجاة والكذب هلاك، وليقول لنا أن الحياة أقصر من أن نضيعها في جدال خاسر ومشاعر غير صادقة، جشع وطمع، وطن بلا احتضان، ودين بلا إيمان، معاملة بلا صدق وليؤكد لمن يرى أن هذا الوباء لا يفتك إلا بمن هم فوق الستين أن ستينك ليست ببعيدة وأن من بلغها لم يعش طويلا.
10/نيسان/