محمد ولد الشيخ الغزواني: حضور صامت… لكنه سيادي/ بقلم: عبد الله ولد بونا
13يوليو2025
عندما تفرض الوطنية الرد
لقد استفزني المقال المنشور على موقع Le Matin الجزائري بتاريخ 10 يوليو 2025، بعنوان “محمد ولد الغزواني أو تعب الوجود”. لم يصعقني لجرأته الصحفية — فلكلٍ حق التعبير — بل لما حمله من ازدراء مجاني، وسطحية فكرية، ولهجة متعالية تجاه رئيس دولة شقيقة للجزائر هي الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
أنا أدرك تمامًا خلفية صحيفة Le Matin، وخطها التحريري النقدي ذا البعد الفرانكفوني اليساري المتعالي، وأعرف أنها لا تعبّر رسميًا عن الدولة الجزائرية، بل تتخذ منها أحيانًا خصمًا لها.
لكن لا يمكنني التغاضي عن واقع أن في الجزائر، لا يُسمح بنشر مقالات تمسّ السياسة الخارجية، خصوصًا بحدة كهذه، دون ضوء أخضر أو على الأقل صمت مقصود.
ولأنني موريتاني أولًا وأخيرًا، لا أستطيع أن ألتزم الصمت تجاه مقال يُهاجم رأس دولتي، ويُهين رمزية تمثيل بلدي، مهما كان مصدره، حتى ولو جاء من بلد نحترمه ونعتز بعلاقاته معنا.
1. الصمت المدروس لرئيس استراتيجي
لقد أخطأ كاتب المقال حين خلط بين رزانة رئيس الدولة وبين الضعف، وبين الهدوء وبين الغياب، وبين الحكمة وبين الفراغ.
الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يجسد نمطًا جديدًا من القيادة الإفريقية: رصينة، متّزنة، لا تركض وراء الأضواء، لكنها راسخة في الدفاع عن المصالح العليا للوطن.
خلال القمم الدولية، لا يرفع صوته ليكسب تصفيقًا، ولا يوزع الشعارات لإثبات الذات. بل يصغي، ويفكر، ويرسم المواقف.
هذا الخيار ليس ضعفًا بل أسلوب حكم نابع من تقاليد موريتانية عريقة في الحياد النشط، والقيادة الهادئة، والدبلوماسية الذكية.
2. رجل دولة تحت الضغوط… لكنه صاحب القرار
منذ توليه الحكم، واجه الرئيس الغزواني ضغوطًا إقليمية ودولية شديدة من جهات متعددة:
من الولايات المتحدة التي أرادت اصطفافًا أمنيًا في منطقة الساحل،
ومن فرنسا وحلف الناتو الساعيين إلى توسيع الحضور العسكري،
ومن المغرب وإسبانيا الطامحين لدور موريتاني مباشر في ملف الصحراء الغربية،
ومن الإمارات التي تسعى لإعادة تشكيل تحالفات إفريقيا وفق مصالحها،
بل وحتى من الجزائر، التي تتخيل أحيانًا أن موريتانيا ستنحاز تلقائيًا لرؤيتها الإقليمية.
لكن الرئيس الغزواني لم يرضخ لأي من هذه الضغوط. لقد حافظ على استقلال القرار الوطني، ورفض منطق التبعية، وأقام شراكات متوازنة مع الجميع — بلا ولاء مطلق ولا قطيعة.
3. حُكم دولة هشة يتطلب الصبر لا الضجيج
موريتانيا بلد معقّد: أرض واسعة، حدود هشة، تنوّع اجتماعي عميق، اقتصاد متحول، وشباب يطمح لمستقبل أوضح.
حكم دولة كهذه لا يتم بالاستعراضات الخطابية، بل يتطلب الصبر، والرؤية، والهدوء، والاستمرارية.
وقد أثبت الرئيس الغزواني ذلك من خلال إصلاح المؤسسة العسكرية، وتنقية منظومة الاقتصاد، وتعزيز العدالة الاجتماعية حسب المتاح وعبر تدرج يراه ضرورة ، وتثبيت صورة موريتانيا كدولة متوازنة دوليًا.
ما وصفه الكاتب بـ”الاختفاء” هو في الحقيقة أسلوب مقاومة ناعمة، وضبط للنفس، وقيادة من موقع العمق لا من منصة الاستعراض.
4. كاتب Le Matin… بين التحليل النفسي والموروث الاستعماري
يعكس المقال نوعًا معروفًا من الخطاب الباريسي تجاه إفريقيا: مزيج من التعالي، والتفسير النفسي الرخيص، والاحتقار المغلف للنماذج غير الغربية في القيادة.
الرئيس الغزواني لا يحتاج أن يُبهر أحدًا في استوديو تلفزيوني كي يُثبت وجوده.
هو يقود بلدًا هشًا، مليئًا بالتناقضات، لكنه يفعل ذلك بهدوء يحسده عليه كثيرون.
5. إلى الإخوة في الجزائر: الاحترام أساس الشراكة
نعم، ورغم كل الضغوط الغربية، والخليجية، والمغربية، واصل الرئيس الغزواني برؤية ثابتة مشروع الشراكة الاستراتيجية مع الجزائر، مؤمنًا بأهمية الجوار والتكامل، لا التبعية والانقياد.
لكن من الضروري أن تدرك الجزائر أن لموريتانيا سيادتها، وكبرياءها الوطني، وحقها في اتخاذ القرار بلا وصاية.
و> كما تعتز الجزائر باستقلالها الحساس، فموريتانيا أيضًا لها عقيدتها الوطنية في الفخر والاستقلال.
ومن غير الحكمة استفزازها أو تصور أنها ستسير في ظل أي دولة، مهما كانت صديقة.
سيادة هادئة، لكن راسخة
الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يمثّل خيارًا واعيًا في زمن الاستقطابات:
خيار السيادة دون ضجيج، والصلابة دون استعراض، والاتزان بدل الانفعال.
ما أسماه كاتب Le Matin “تعب الوجود”، ليس إلا رفضًا للزيف، وتمسكًا بالكبرياء، ونفورًا من دبلوماسية العروض.
موريتانيا موجودة — بهدوء، بكرامة، وبسيادة كاملة.