إنقاذ مالي… في إنصاف شعب أزواد!! بقلم الاستاذ محمد الكوري العربي،

يوليو 04, 2025

حينما كان تمشي الطليعة الوطنية للشعب الأزوادي، بمختلف مكوناته العرقية،إبان استقلال الدولة المالية،ينحصر في الحصول على الحد الأدنى من العدالة على أرضه ، كانت الحكومات المالية، المتعاقبة، تنجذب لاختزال صورة التعابير الشعبية الأزوادية، عن امتعاض شعب أزواد من الغبن ، في دائرة التمرد على الدولة و الخروج عن القانون. و مع ان شعب أزواد ليس نبتة مستجلبة من الخارج و لا شتاتا مجمعا من هويات قومية و ثقافية مختلفة، كما هو شأن الكيان الصهيوني، إلا أن حكومات مالي تعاملت معه كشذاذ آفاق ، و هو الشعب الأصيل أصالة الصحراء الكبرى… شعب قائم بهويته و ثقافته الضاربتين في التاريخ… و بوعيه بوجوده السابق على الدولة المالية الحديثة بقوانينها و سلطاتها ، على حدودها المرسومة بايد فرنسية استعمارية!

لم تكن دوامات العنف التي أدارت بها الحكومات المالية أزمة إقليم أزواد موفقة … و لم تكن أكثر من تجارب فاشلة على امتداد أكثر من نصف قرن بحق معطى تاريخي و جغرافي و ثقافي و حضاري… إن شعب أزواد لا يمكن للقمع و لأعمال العسف أن تطمس حقيقته التاريخية و لا حصره في دائرة تأويلات الحكومات المالية التي لم تفلح ، برغم هذا التاريخ الطويل من الظلم و الغبن، في بلورة رؤية موضوعية و منصفة لحقوق هذا الشعب ، الذي برهن ، بقدرته على امتصاص صدمات المصائب و حملات التنكيل و التشريد، على تمسكه بأرضه ، مهما تفننت الحكومات المالية في معالجة ظواهر الأزمة دون القبول بالنفاذ إلى أصل المعاناة. إن من السخرية ” المهلكة” أن تجهد كل الحكومات المالية نفسها لكي تحجز دائما نصيبا اوفر من الوهم بإمكانية إسكات شعب أزواد ، محروما من خيرات أرضه و ثرواتها و هي توزع أمام عيونه رشاوى للجيوش الدولية و المليشيات المرتزقة لتأمين حكام مالي . إن الوهم عندما يعتبر نموذجا للوصول للهدف يشكل أخطر عامل في تدمير أصحابه. لقد ظلت الحلول المقترحة لحل أزمة أزواد من قبل الحكومات المالية تلعب بالمظاهر و تستمتع بقدرة السلطات على تنويع التوجهات الممكنة للتنصل ، في أي سانحة، من الالتزامات الحكومية تجاه الأزواديين … و حتى إن انسجم هذا التمشي مع رأي من قال : إن الأخلاق ليست القاضي الأمثل في تسوية النزاعات، إلا أن الإنصاف برهن أنه القادر على إبقاء الشعوب متماسكة و على استقرار أنظمتها . فوضع مصالح الآخرين في الاعتبار و تفهم مشاغلهم المشروعة … أو ما يسمى بالمساواة الابتدائية أمر لا استغنى عنه باستخدام العنف… ذلك ما يتطلبه العيش المشترك و تلح عليه مقتضيات الضرورة العقلية و الطبيعية…

● الأزواديون فقدوا معنى حياتهم!!

———

تمثل الأحداث الجارية الآن في مالي خاصة، و في عموم منطقة الساحل، اشتباكا متكاملا و مترابطا بين صور المعاناة و الغبن التي عاشها شعب أزواد منفردا، داخل دولته، و عاشتها شعوب المنطقة بالجملة جراء الفساد و نتائجه المدمرة. إنها صور يحيل بعضها إلى بعض … و يتخلق بعضها من نتائج بعض آخر… كما تتداخل ممارساتها مع أهداف الحكام القائمين بها. فالشعب الأزوادي، كأي شعب في منطقة الساحل، فقد الجواب ، منذ أمد بعيد، على سؤاله عن معنى حياته في ظل قمعه و حرمانه و إسكات صوته، على مسمع و مرأى من العالم. و كانت النتيجة أن الشك جثم على مستقبله … حين بقي وحيدا ، منعزلا، مهددا في جميع جوانب حياته… و محروما من أبسط حقوقه في ثروات أرضه: لا مدارس، لا بنى صحية، لا بنى تحتية ، لا صناعة، لا زراعة، لا تشغيل… بينما، و الحالة هذه، يواجه حربا من دولته للقبول بموته راضيا بالإذلال، كما يتعرض لمؤامرات و مكائد بعضها من جيرانه و بعضها من امبرياليات استعمارية غربية و شرقية… فالجيران لا يبدو أنهم يرغبون في وضع حد لمعاناة هذا الشعب ، و لا الامبرياليون بصدد التخلي عن نهج الحكومات المالية حيال الغبن الممارس عليه… و النتيجة دائما مزيد من الظلم و القلق الوجودي لشعب يريد الحياة دون أكل الجلاد بالسياط لجسمه كل يوم ! إن هذا الواقع يجب أن يتغير ، و سيتغير بقوة الأشياء و سنة التبدل في الظروف و الأحوال إن لم يتغير بالتدابير العقلانية: بإعادة النخب المالية ، العسكرية و المدنية، النظر مليا في جدوائية دوامات العنف و في التحالف غير المقدس ، العلني و الخفي، بين القوى الإقليمية و الدولية، بالضد من حقوق الشعب الأزوادي. إنها واقعية مثمرة تقود إلى مراجعة لدستور الدولة المالية لتضمينه الحقوق المشروعة لشعب يمثل إقليمه أكثر من 66% من مساحة دولة مالي، و يختنق بمختلف الثروات الباطنية النفيسة: تلك هي الصياغة الأنجع لحل دائم يجنب الدولة المالية مصير الصوملة..

● استقرار مالي.. هو استقرار موريتانيا.

———-

يعتبر ، استيراايجيا، استقرار دولة مالي شرطا لازما لاستقرار كل دول الساحل و السينغال و موريتانيا، خاصة . إن البعد السيتراتيجي بالنسبة للموريتانيين يوجب عليهم- ليس من باب الترف السياسي، و إنما من باب الحفاظ على موريتانيا نفسها – أن يعملوا ما بوسعهم للحيلولة دون تفكك الدولة المالية و انفصام عراها… ؛فمصالح موريتانيا تلزمها أن تترجم هذا الوعي السيتراتيجي العميق بأعمال ملموسة تأخذ بمبدأ التوازن بين إقناع النخب المالية بضرورة إعطاء الشعب الأزوادي حقوقه كاملة و تبصيرهم بالمخاطر الوجودية لمراكمة أخطاء التجاهل لهذه الحقوق على الدولة المالية، مؤسسات و جغرافيا سياسية، و في ذات الوقت مساعدة الدولة المالية على الحفاظ على كيانها من التفسخ، الذي سيغدو، إن حصل لا سمح الله، فراغا هائلا يبتلع مجموعة دول الساحل برمتها. إن إعادة النخب المالية للنظر في أخطاء حكوماتهم حيال شعب أزواد و في الإهمال المنهجي لحقوقه لم يكن شيئا مربحا للدولة المالية عبر تاريخها… و سيصبح عامل شؤم على مستقبل وجودها و وجود بقية دول الساحل، من بعدها ، في ظرفية تاريخية تتميز بحرب دولية جارية الآن في أوروبا و إفريقيا… هذا فضلا عن تحول قبلة شبكات الإرهاب الديني و الجرائم المنظمة نحو إفريقيا، خصوصا منطقة الساحل الإفريقي. من هنا، باتت مراجعة النخب المالية لمواقفها السابقة إزاء الأزواديين، بمؤازرة أشقائها في دول الجوار، شرطا لا غنى عنه لمنع تفكك الدولة المالية و توزعها غنائم بين تجار الحروب و شبكات الإرهاب و الجريمة المنظمة… خصوصا أن عدوى تفكك الدولة المالية ستسري بأسرع مما يتخيل الكسلاء عقليا … و قد تصل العدوى لبعض دول جوار مالي في غضون ساعات و ليس أياما! إن استقرار مالي ، سياسيا و اجتماعيا، أصبح مرهونا بما يمكن أن نسميه:الانعكاس التبادلي بين إنصاف شعب أزواد و بقاء الدولة المالية . إنه يجب على دول جوار مالي أن تتخفف من بعض مصالحها المرتبطة بوضعية التوترات في هذا البلد… فترك الوضعية المأساوية للشعب الأزوادي تراوح مكانها منذ أكثر من ستة عقود قد تنسف هذه المصالح و تنسف الأنظمة التي ترعاعا… و تنسف الدول دفعة واحدة!

و برغم وضعية موريتانيا الاقتصادية و حجم الفساد الذي يعصف بمقدراتها، إلا أن من مصالحها السيتراتيجية، و لاعتبارات كثيرة،أن تمد أيدي العون للدولة المالية لاستعادة استقرارها السياسي و الأمني عبر أوجه عديدة من التدخل الإيجابي، من قبيل فتح مدارس للتعليم و معاهد للتكوين الحرفي في إقليم أزواد ، و مثل تقديم منح للطلاب الأزواديين و الماليين في الشعب العلمية بجامعة نواكشوط ، و مثل تقوية و تأهيل و تفعيل الهلال الأحمر الموريتاني للقيام بأعمال أغاثة و مساعدات خيرية و إنسانية في هذا الإقليم… و مثل منح امتيازات مادية و معنوية للأعيان و المشاييخ في مالي عموما، خاصة في إقليم أزواد و النوارة و انيورو… كمنح سيارات نوعية و تذاكر للحج و العمرة ، و منح دور في نواكشوط في أحياء راقية منها … و لا بأس إن ساعدت موريتانيا، مؤقتا، من دون إعلام، في تأمين رواتب عناصر الجيش و القوى الأمنية في مالي، و هذا أمر معقول ، و تقوم به الدول في إطار عملها السيتراتيجي و الأمني للحفاظ على أمنها و أمن مواطنيها داخل و على طول حدودها مع دولة تنزلق نحو الفشل… خاصة في الظرفيات الخاصة و الخطيرة.

إن من يتابع هذه الأيام تسارع الأحداث في مالي يدرك أن الأزواديين ، في أعمق أعماقهم، قد أقلعوا عن أي أمل في فاعلية العمل السياسي مع حكام باماكو ، مهما كانوا ، منتخبين أو انقلابيين، و لم تعد معارضتهم محصورة في إزاحة الأنظمة ، بقدر ما أصبح جهدهم يتركز على تقويض الوحدة الإقليمية للدولة الموروثة عن المستعمر الفرنسي. و كلما تعاظم اشتياق النخب الحاكمة في مالي لإخضاع الأزواديين للأمر الواقع بالبطش، كلما تفاقمت شهوة الطبقة السياسية و العسكرية في مجتمع أزواد لاستخدام القوة و العنف المنفلتين ضد مصدر الألم!

فهل تكون حكومات دول الجوار بمستوى الوعي، و في اللحظة المناسبة، لتدارك الأوضاع في مالي… قبل أن يصل الحريق لأطراف ثيابهم…؟

هذه مسؤوليتهم الوطنية و التاريخية… و سنرى.