ماذا يريد الجيران منا / الدكتور عبد الرحمن سيدي حمود

يلاحظ هذه الأيام توافد البعثات إلى العاصمة من الدول المجاورة لبحث موضوع الجاليات الأجنبية المقيمة في أرضنا و يطل من حين لآخر من هنا و هناك مسؤول عابس الوجه ليعبر عن قلقه من أوضاع تلك الجاليات و كأننا أمام تحرك منسق لممارسة أقصى درجات الضغط على الحكومة لكي تتبني مرونة أكبر في هذا المجال. هذا في الوقت الذي ينعم فيه المهاجرون في بلادنا، وهذا أمر مشهود، بكل التسهيلات ويتم اندماجهم بسرعة وعفوية في مجتمعنا المنفتح بطبيعته و الذي تتحكم فيه قيم التسامح و التعاضد و التراحم.
و قد استفادت الجارة مالي بصفة خاصة من تعاطفنا في الوقت الذي قلب لها الجميع ظهر المجنَّ و تنكر لها الأخوة و الأصدقاء. في هذه الظروف الحالكة و جدوا فينا أرض المأوى وتدفقوا نحونا موجات تلو الأخرى حتى بلغ السيل الزبى و تجاوزت أعداد الوافدين طاقتنا الإستعابية و أصبحت الظاهرة تهديدا وجوديا لا مناص من مواجهته.
أليس من اللؤم أن يعيبوا علينا اليوم هبتنا لتدارك الأوضاع و تنظيم هجرة هوجاء خارجة عن السيطرة حتى يتسنى التحكم فيها.
كيف يعتبوا علينا و لا يلوموا أنفسهم على ما فرطوا فيه من حقوق شعوبهم حتى أرغموهم على هجر الديار و الأهل و خوض غمار الأهوال و المخاطر. أم أن أهدافهم أخبث مما نتصور فهم يريدون أن يمتد الحريق الذي أشعلوه بسوء تدبيرهم إلى ديارنا و تعم البلوى كل المنطقة.
و هكذا يتجلى بوضوح أن العلاقات مع الجيران لا تضع حسابا لواجب رد الجميل و الوفاء بل تتحكم فيها الأنانية المكشوفة، و البقاء فيها للقوي و القوي فقط.
علينا من اليوم أن نواجه مشكلة الهجرة بصرامة و حزم قبل أن يستحفل الأمر وتصبح المعالجة أكثر تعقيدا. علينا أيضا أن نأخذ بعين الاعتبار أن من بين الطبقة السياسية الوطنية ثمة عناصر ترى في تدفق المهاجرين فرصة لا تضيع لزرع مزيدا من البلابل و الكراهية و الغوغاء.
إنهم أولاءك الذين تتحكم فيهم إرادة الإنتقام و السعي الدائم إلى إثارة الفتنة.
إنها الفئة التي ينحصر برنامجها في ثلاثة نقاط لا يجري عليها حكم التقادم و لا ما تم من تسويات و توافقات و لا ما سن من قوانين و محاكم خاصة لمحاربة تلك المظالم العابرة منها و التاريخية. إنهم الأكثر صخبا و الأقل كفاءة كلما تحاكم الخصماء السياسيون إلى صناديق الإقتراع. فأغلبهم لا يتجاوز حظه في أي استحقاق الواحد أو الإثنين بالمئة. هذا الطابور يستمد قوته من أعداء الوطن في الخارج و يظل مكتمنة يتربص بالأنظمة الوطنية الدوائر.
إن مشروعهم السياسي لا يتجاوز تصفية الحساب إنهم هم العدو فاحذروهم.
إن الإتفاقية مع الاتحاد الأوربي أيا كان مضمونها و ما قد يترتب عليها من مكاسب شكلت بالنسبة للمهاجرين ذريعة للتوجه إلى موريتانيا حيث يعتبرون أن الاتحاد الأوربي حجز لهم موطئ قدم في موريتانيا مقابل ما تتقاضاه الدولة من منح من طرفه. إن هذه الحقيقة أو الوهم يضفي بعض الشرعية على إقامة الوافدين إلى بلادنا من المهاجرين. فالصواب هو إلغاء هذه الإتفاقية لما يحوم حولها من شبهات.
خلاصة القول أن الهجرة معضلة حقيقية تؤرق أقوى و أعتى قوة في العالم و الحري بنا أن نتعامل معها بجدية و أن نأخذ الإحتياطات المناسبة سياسيا و أمنيا للتغلب عليها مبكرا. إن ما يعبر عنه دول الجوار من ضجر و حساسية في هذا الموضوع ينذر بتداعيات ربما أخطر فالحرب أولها كلام إن ما نمر به اليوم ينذر بهزة على غرار هزات نتعرض لها موسميا و قد تغلبنا عليها في الماضي فهل هنالك مثل الأخ المخلص الزعيم صدام حسين؟????