بلاغ عاجل لرئيس الجمهورية/ الدكتور محمد الراظي
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
السيد الرئيس
حين حطت “فاندر للاين” في مطار نواكشوط ، رسولا “مبشرا” بمشروع تنظيم الهجرة نحو أوروبا و”منذرا “-بقفازات ناعمة من حرير – ،من عواقب رفضه ، تنبه الكثير من الناس لخطر محدق قادم ، فالسيدة عادة لا تحمل معها فَأْلا حميدا حتى داخل أوروبا نفسها ، وكنت من بين أولئك الكثر الذين استشعروا خطرها وما تحْمِل معها ونبهوا عليه وكتبوا عنه…
وحين جاء الوفد الأوروبي للحديث في تفاصيل المشروع كتبت لكم خطابا مفتوحا حول الموضوع ، حَقُُّ لي عليكم وواجب لكم عليَّ ، أن أبلغكم بمشاغلي وهمومي وقد أخذت عهدا على نفسى أن أخاطبكم كلما وسوس لي أمر أو توجست خيفة من آخر قد يحمل ضررا بحاضر بلدنا أو بمستقبله…..
ما تناقلته الأخبار في الأيام الماضية من أن شبكة تزوير للأوراق المدنية الوطنية قد تم ضبطها داخل مراكز إنتاج هذه الأوراق أمر في منتهى الخطورة وخيانة عظمى للوطن برمته ، والضالعون فيه يجب أن ينالوا أقصى عقوبة ينص عليها القانون….
مائة ألف يقول البعض وثلاثمائة ألف يقول بعض آخر وثالث يدعو للتمهل ويقول إن العدد مرشح للإزدياد، فتفكيك الشبكة ما يزال في بداياته….أرجو من الله أن يكون في الأمر مبالغة.
السيد الرئيس
هذا الحجم مخيف من حيث العدد ومخيف من حيث سرعة حصوله ومخيف من حيث توقيته ، فهناك دول قائمة لها إدارة وشرطة وجيش وعاصمة وعملة وطنية وبنك مركزي ومؤسسات وحدود وموارد وممثليات دبلوماسية وصوت تدلي به في المحافل الدولية والإقليمية ولا يزيد السكان فيها عن مائة ألف وهناك من الدول من يقل سكانه عن ثلاثمائة ألف ومنها من يقل عن المائتين……
الأرقام التي تناقلتها الأخبار تعني أن تجنيسا بحجم دولة قد وقع من خلال هذه الشبكة وأصبح المُجَنَّسون مواطنين موريتانيين بقوة القانون، يحق لهم ما يحق لنا ويجب عليهم ما يجب علينا والفارق الوحيد أن ارتباطنا بالأرض ارتباط وجود لا نضرها ولا نخذلها أما الوافدون فلا ينظرون إلا لخيرها فإن طاب لهم المقام قاموا وإن لم يستطيعوا فلن يعوزهم ، بهذا الحجم الهائل، تمزيقها وتركها ، والخاسر في المبتدإ نحن ونحن في النهاية هم الخاسرون….
تجمع بين هؤلاء المجنسين روابط خاصة أقلها أنهم يشتركون في صفة يحملونها جميعا ، “مواطنون موريتانيون” من أصول مهاجرين غير شرعيين وتجنيس بالتزوير وهذه الرابطة تميزهم عن غيرهم من مواطني الأرض الحقيقيين……
سيخلق هذا الواقع تضامنا بينهم وأُلفة وتعاضدا يشبه إلى حد كبير ما يحصل من تعاضد بين منتسبي الهيآت النقابية فلا يرون فرصة لتحقيق مصالحهم إلا حين يكونون في الصف المقابل لسكان البلد غير الوافدين…..
ينتسب هؤلاء لدول قليلة ستكشف التحريات ونتائج التحقيق عنها وحجم كل منها بين المجنسين وستملك كل دولة من دول المنشإ جالية وطنية بحجم كبير داخل بلادنا تؤثر بها في المشهد الوطني وتوجهات البلد العامة…. ولا يستبعد أن تكون لهؤلاء غدا هيآت تنشط داخل المجتمع المدني قد تظهر للعلن لتخبر عن نفسها في الإستحقاقات الرئاسية القادمة أو ربما قبل ذلك ولن تكون تحت أسماء مستفزة…
ثم إن المجنسين بهذا الحجم الكبير قادرون على الدفع بمرشح خاص بهم للإنتخابات الرئاسية أو دعم مرشح آخر بقوة تأثير قوية عليه ؛ بعض الأرقام يقارب ماحصل عليه الفائز بالمرتبة الثانية في الإنتخابات الرئاسية الماضية وبعضها يتجاوزه !!!
سيبدأون في مضايقة المواطنين في أرزاقهم وفي نصيبهم من الخدمة العمومية وسيخلقون عبءا جديدا على الميزانية، سيضايقون كل أصحاب المهن الصغيرة أولا وسيزيحونهم من سوق العمل لأن الوافدين في الوقت الحالي قد لا يكون بينهم كثير من معيلي الأسر فيكتفون بالأجر القليل ومن جهة ثانية قد تكون لهم جهات أخرى تدفع لهم دعما وأجرا كبيرا تلقاء الهجرة لبلادنا والإستقرار فيها…..
سيخسر مُزارعنا وسيخسر بَنَّاؤنا وسيخسر بائع اللحوم والحمال والسائق وحارس البيوت والمحلات والبائع المتنقل وسيخسر من ينقل البضائع بعربات ومن يحفر خزانات المياه وخزانات الصرف ومن يبيع الماء في الصهاريج وستتنشر بيننا الجريمة بسرعة وبشاعة وستتسرب إلينا ثقافات دخيلة وديانات دخيلة وربما وَثَنِيَّات ما زال قوهما يعبدون الشجر والحجر ….
نحن مجتمع متعدد الثقافات لكنه متجانس في عقيدته ومترابط بين مكوناته حد التداخل المتين العصي على عبث كل عابث ، تداخل نسجته وشائج التاريخ المشترك والتجاور لقرون والتمازج والتصاهر والترابط الروحي ، فلا توجد طائفة صوفية ليس من مشائخها خليط من مكونات شعبنا ومن مريديها….
السيد الرئيس
ماذا لو تظاهر هؤلاء المائة ألف غدا يطالبون بالمدارس والمشافي والعمل ؟ هل نملك ما يكفي من الشرطة والأمن لمواجهتهم ؟ وماذا لو كان لابد لتفريقهم من قوة مفرطة فيسقط منهم ضحايا ؟ سيقوم رعاتهم في الداخل والخارج بحملة شيطنة كبيرة للبلاد وشعبها وحكومتها ولن يقول أحد إننا نرد المعتدين وندافع عن مصالح الأرض وأهلها…….بل سيقول إننا عنصريون شعبا وسلطة !!!!
وماذا لو كان لبعضهم رضيع ابن سنة أو يزيد من أم موريتانية ؟ هل نفرق بين زوج من بناتنا وزوجها ؟ أو نفرق بينها و رضيعها ؟ أو نترك المهاجر غير الشرعي المزور والمشارك في التزوير يصبح منا لأنه تزوج فينا وأنجب ؟ وحين نتركه فبأي حق لا نترك غيره ؟ وماذا سيحصل حين نبدأ بتصحيح وضعية المخالفين فنلغي تجنيسهم قبل الشروع في ترحيلهم ؟ وهل نملك وسائل لترحيلهم أصلا ؟ ومن سيساعدنا في عملية الترحيل ؟ وما الذي نتوقع من ردود أفعال الأوروبيين؟ سيقولون إننا نستغل تصحيح وضعيات المجنسين لإلغاء جنسيات مواطنين حقيقيين وأننا “نعود بالبلاد لأجواء 89 “وأن المستهدف ليس المهاجر غير الشرعي وإنما المواطن من غير الناطقين بالحسانية…….
هذه “الدولة” الوافدة بمئات الآلاف دخلت البلاد في وقت أعلن فيه عن بدء استغلال الغاز ، والوفرة هي التي تجلب الأقوام للهجرة نحوها وسيكون مئات آلاف وربما ملايين يحزمون حقائبهم للحاق بهؤلاء عبر البوابات الرخوة على حدودنا الطويلة لآلاف الكيلومترات…..
سيتوالدون بكثرة ويستقرون في أرض هجرها عشرات الآلاف من شبابها والله وحده أعلم إن كانوا على نية العودة إليها وهو وحده من يعلم متى سيعودون…..
السيد الرئيس
لا شك أن التزوير لا يمكن أن تسلم منه مؤسسة ولا هيأة فالبشر ليسوا سواء فمنهم من يستحي ومنهم من لا خلاق له ولا يستحي وكل قاعدة لها استثناء والخيانة لا يسلم منها مجتمع ولا جماعة ؛ حتى حركات التحرر التي تقاتل من أجل استقلال الأوطان يكون من بين أفرادها من يخون القضية ويعمل لصالح العدو…….
تزوير الأوراق المدنية مشروع قديم تحتضنه جهات معلومة تستفيد منه ولا تبخل إليه سبيلا ولكن حجم هذا التزوير ظل في حدود آحاد أو ربما عشرات أو مئات، فالنظام البيومتري قد حَدَّ كثيرا من قدرة المزورين على التزوير؛ فإن صح ما ذكرته بعض المصادر حول عدد المجنسين وحجم التزوير فإن للأمر من يرعاه من خارج الحدود وللأمر من يدفع الأموال لتنفيذ مشروع تجنيس ممنهج ومتسارع تحت عنوان “هجرة العبور” وهذا أمر في منتهى الخطورة…
السيد الرئيس
إن اكتشاف هذه الشبكة مطمئن في حد ذاته ومطمئن أنه حصل اليوم قبل الغد لكنه ينبغي أن يستفزنا جميعا لتعميق التقصي والبحث واستدعاء عينات من المجنسين لمعرفة حدود هذه الشبكة والمنخرطين فيها وامتداداتها في الداخل والخارج ومعرفة دوافع هؤلاء المجنسين للتجنيس وحصول التجنيس بهذه السرعة وبهذا الحجم قبل أن تستفحل الظاهرة فيستعصي حلها.
وبموازاة هذه الإجراءات علينا القيام بالمراجعة الفورية لكل الإتفاقيات ذات الصلة بالهجرة من موريتانيا وإليها وفرض تأشيرات دخول على كل راغب في زيارة البلاد وسن قوانين رادعة لكل من يدخل البلاد بطريقة غير شرعية وترحيل من تم ضبطهم فورا قبل فوات الأوان وقبل أن تصل الأعداد لحجم يجعل ترحيل الناس مثيرا وقد يجلب متاعب سياسية للبلاد خاصة أن رعاة العملية في الداخل والخارج ، أصابعهم على الزناد لتشويه سمعة البلاد والدفع بعنصريتها شعبا وسلطة …
إننا حين يبدأ استغلال الغاز في بلادنا من المفترض أن تنتفي الحاجة للدعم الأوروبي في موضوع الهجرة ، فالغاز ينبغي أن نجعل منه نعمة تفيدنا لا نقمة تجلب علينا كيد الكائدين ممن لا يريد بنا خيرا والثروة حين تجلب مهاجرين يستوطنون ويتجنسون تصبح نقمة يتوجب وقف استغلالها….
ثم إن علينا التشاور على وجه السرعة مع كل البلدان التي يهمها استقرار بلدنا واستقرار المنطقة وتدارس الأمر معها ثم التواصل مع الدول الكبرى في العالم الجديد وخاصة الصين وروسيا ، فهاتان الدولتان قطبا رحى العالم القادم ومعهم المملكة العربية السعودية حاضنة “يالطا” الثانية في مؤتمر الرياض المتوقع.
السيد الرئيس
هناك خلل كبير في الجهاز الدبلوماسي الموريتاني وخاصة البعثات في الخارج فلا يبدو أن الناس على بينة من رسالة الإبتعاث لتمثيل البلاد ولا لرعاية مصالحها……
فليست السفارة مجرد أسماء تشغل مكاتب تغدو إليها صباحا وتروح منها مساء وإنما هي جهاز مُفَرَّغ يملك كامل الصلاحيات لخدمة مصالح البلاد ورعاياها في البلد المضيف ومن يشغله لا بد أن يكون على دراية تامة بأساليب العمل الدبلوماسي ورسالة السفير ومهام السفارة….
في موضوعنا هذا تبدأ المصالح بجمع المعلومات من خلال العلاقات مع المجتمع المبتعث لديه ومعرفة إن كان به مَيْل للهجرة نحو بلادنا عبورا أو وجهة استقرار وهل هذا المَيْلُ يتسارع أم يلاقي نكدا ؟ وما هي أسبابه ؟ وما هي وجهته الغالبة ؟ ومن هم أكثر الناس اهتماما بالهجرة إلينا من سكان البلد المضيف ؟ ومن أي مناطق البلاد ولماذا ؟ وهل يجدون من يسهل لهم العبور والإستقرار في بلادنا ؟ ومَن هؤلاء الذين يقدمون لهم هذه الخدمات ؟ وفي أي مركز من مراكز الحالة المدنية يعملون؟ ………
السيد الرئيس
إن هناك أقواما يأتمرون بنا جميعا ليلحقوا ببلدنا الضرر ويعرضوا وجوده للخطر ، ليُمَيعوا هويتنا الدينية والثقافية وليجعلوا من بلادنا البطن الرخوة لعودتهم من جديد للمنطقة…..
إنهم يعلمون أن لنا ساحلا بسبعمائة كيلومتر على المحيط ويعلمون أن لنا ثروات غازية وربما بترولية سيبدأ استغلالها في وقت قريب وهم في حاجة لها يتنافسون عليها ولكل منهم سند من العرب وحليف والعالم اليوم على وشك “يالطا” جديدة ربما يكون الإعلان عنها في لقاء مرتقب بين روسيا وأمريكا على أرض المملكة العربية السعودية وفي هذا رسالة واضحة أن عالم “يالطا” الأولى انتهى وأن عالما جديدا متعدد الأقطاب قد يبدأ من الرياض……سيكون للمملكة العربية السعودية فيه شأن ودور..
السيد الرئيس
إن تعدد الأقطاب هذا يعني نظاما جديدا تقوده الصين والولايات المتحدة وروسيا ويتوارى فيه الإتحاد الأوروبي إن ظل قائما ، وأغلب الظن أنه لن يبقى ولن يبقى لحلف الناتو وجود ، فالحلم الأوربي كقطب وازن قد حَلَّ به ما حَلَّ بفرنسا وبريطانيا مع نظام “يالطا” أن أصبح مبلغ الأمل عندهما أن يكونا ضمن الخمسة الكبار بعد أن كانا يملكان الشعوب والبلدان….هي دورة القوة لا تُعَمَّر طويلا وفي تحول مستمر….
ثم إن الدور السعودي المتعاظم بهدوء مع الأمير الشاب لا ترضى عنه بقية دول الخليج، قطر والإمارات، ولن تقبل به بسهولة وسيحاول البلدان ما استطاعا لذلك سبيلا أن يسارعا للحصول على مراكز نفوذ فيما تيسر لهما من دول العالم وخاصة إفريقيا….والبَلَدان لا يخفيان التنافر الكبير بين أجندتهما في المنطقة والعالم ولا يستبعد أن ترسو السفينة بهما في أوروبا للتحالف مع الفرنسيين والطليان والألمان كدول وطنية – ولهم في هذه البلدان استثمارات ضخمة- لتأسيس قطب رابع لا يملك كثيرا من أسباب التأثير الفعال..
العلاقات بين الدول عادت لتكون علاقات بين أوطان وبين أمم ولم يعد للإتحاد الأوروبي ما يخيف به ولم يعد له ما يجعل الناس ترغب فيه ، فنهايته مسألة وقت وعلينا أن نتشبث بالوطن الموريتاني والأمة الموريتانية وأن نتعامل مع الدول كدول وطنية ولا نقبل تحت أي ظرف أن نكون قبلة لمن ضاقت به أرضه وصدت في وجهه دول أوروبا الأبواب……
الإتحاد الأوروبي تجاوزه الزمن وعفى عليه ، كيان ضعيف أدرد لا تربط بين مكوناته رابطة ، تجاوزه الكبار وتزحف عليه من داخل بلدانه وطنية جامحة تسعى لتعيد بناء الدولة-الأمة بعد ما فشل بناء الإتحاد المفروض بالقوة….
ثقتي كبيرة وأملي فيكم كبير أنكم لن تقبلوا بأمر يعرض أمن البلاد للخطر لا في الحاضر ولا في المستقبل.
وفقكم الله لما فيه الخير للبلاد والعباد
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.