الثروة الحقيقية في موريتانيا الانسان قبل الموارد/د. ختار ولد الشيباني

 

في نظري، الثروة الاقتصادية الحقيقية لأي بلد لا تُقاس بما يملك من معادن أو نفط أو أراضٍ خصبة، بل بما يمتلك من قدرات بشرية مؤهلة ومكوَّنة تكوينًا مهنيًا يجعلها قادرة على تحويل الإمكانات إلى إنتاج فعلي وقيمة مضافة. فالموارد الطبيعية مهما عظمت تبقى جامدة لا تنفع إلا بقدر ما يُحسن الإنسان استغلالها بعقل علمي ويد خبيرة.
تُثبت التجارب أن الأمم التي استثمرت في الإنسان سبقت غيرها، حتى وإن كانت فقيرة في الموارد. اليابان مثلًا نهضت من رماد الحرب لأنّها راهنت على التعليم والتكوين المهني، وكوريا الجنوبية صنعت مجدها الاقتصادي بتخريج التقنيين والمهندسين قبل رجال المال. لذلك فإنّ الرهان على الإنسان لم يعد خيارًا تنمويًا، بل شرطًا وجوديًا لأي اقتصاد يريد أن يضمن مكانه في عالم يتسارع بإيقاع المعرفة والتكنولوجيا.
حين ننظر إلى واقع موريتانيا، نُدرك بوضوح حجم المفارقة بين غنى الموارد الطبيعية وتواضع العائد التنموي. بلدنا يملك مناجم ومعادن وثروات بحرية وحيوانية وزراعية، لكنه لا يملك بعد الكتلة البشرية المكوَّنة تكوينًا مهنيًا وتقنيًا القادرة على استثمار تلك الموارد بفعالية. لذلك بقيت الفجوة قائمة بين الإمكانات والنتائج، وبين الطموح والواقع.
لقد جربنا لسنوات طويلة أن نعوّل على الموارد بدل الإنسان، وكانت النتيجة أن الثروة لم تُترجم إلى تنمية مستدامة. فالتعليم ما زال ينتج شهادات أكثر مما ينتج مهارات، والتكوين المهني لم يتحول بعد إلى أداة لتخريج الكفاءات التي يتطلبها سوق العمل. والأسوأ أن بعض قطاعاتنا الاقتصادية الكبرى — في التعدين والبناء والخدمات — لا تزال تعتمد على اليد العاملة الأجنبية لغياب الكفاءة المحلية القادرة على الحلول محلها.
في تقديري، نحن بحاجة إلى إعادة بناء العلاقة بين التعليم والعمل على أساس جديد، يجعل من التكوين المهني قاطرة حقيقية للتشغيل والإنتاج. فلا معنى لتعليم لا يُفضي إلى مهارة، ولا جدوى من تكوين لا يواكب حاجات الاقتصاد الوطني. المطلوب اليوم رؤية وطنية تجعل من الاستثمار في الإنسان الموريتاني أولوية، عبر إصلاح مناهج التعليم، وتوسيع مراكز التكوين، وربطها بالقطاعين الصناعي والخاص، وتشجيع روح المبادرة وريادة الأعمال لدى الشباب.
إن موريانيا تمتلك كل مقومات النهوض، لكنها بحاجة إلى أن تدرك أن المورد البشري هو أصل كل نهضة. فحين نكوّن شبابنا تكوينًا مهنيًا متينًا، نؤسس لاقتصاد منتج ومستقل، وحين نُهمل الإنسان، نصبح أسرى لثروات لا نملك مفاتيحها. فالذهب والحديد والغاز قد تنفد أو تتقلب أسعارها، أما الإنسان المكوَّن فهو الذي يجدد الثروة ويصنع قيمتها.
ولعلّ أجمل ما يُختصر به هذا المعنى قول الاقتصادي ثيودور شولتز: “رأس المال الحقيقي هو الإنسان، وكل استثمار لا يُوجَّه إليه يظل ناقصًا.” وأنا أضيف: إنّ الاستثمار في الإنسان الموريتاني ليس ترفًا فكريًا ولا شعارًا تنمويًا، بل هو الشرط الوحيد لبناء دولة منتجة قادرة على تحويل ثرواتها إلى رخاء حقيقي لمواطنيها.