الدكتور محمد ولد الراظي “حيث يكون الوطن ليس لأحد أن يختار أين يكون”

حين كان التتار يعدون عدتهم للإجهاز على الخلافة الإسلامية في بغداد كان المسلمون منشغلين في صراع شديد بين الحنابلة والشافعية حول شرعية الجهر بالبسملة في الصلاة ، لا يلتقي الجمعان في مسجد ولا تجمعهما صلاة !!! اجتاح المغول بغداد وعاثوا فيها فسادا، قتلوا الرجال والنساء والكبار والولدان وأحرقوا المكتبات ولم يعد من يتحدث عن جهر بالبسملة ولا سر بل لم يعد من يتحدث عن الصلاة أصلا فالغزاة أحرقوا المساجد وأوقفوا الصلاة ……
في موريتانيا توجد حركة سياسية من مجموعة “هليبه” البولارية لم تقبل بالدولة الموريتانية الحديثة يوما، ولم تفوت فرصة لخلق متاعب لها ، دفعت بالمسألة الثقافية قبيل التأسيس وبعده بسنوات قليلة فأشعلت البلد لأتفه الأسباب عام 66 وعادت لتتحرك عام 79 لسبب أتفه من الأول ثم دبرت محاولة انقلابية عام 87 لم تكن تستهدف نظام حكم كما جرت العادة في كل الانقلابات العسكرية وإنما تستهدف كيان دولة برمته ، يتغير الإسم والعنوان والهوية والله وحده أعلم بما كان سيكون بعد ذلك ، ثم حين حصل نزاع بين منمين “فلان” من موريتانيا ومزارعين “سوانك” من السنغال في قرية “جياوارا” السنغالية تحركت الجماعة لتوظيف الحدث على الضفتين فكانت المأساة الكبيرة التي راح ضحيتها جمع كثير من الأبرياء من البلدين ثم حملت السلاح في وجه الدولة ففشلت وبعد هذه السلسلة من الاخفاقات تدثرت الحركة بجماعة “ايرا” وتوارت عن الأنظار عن قصد مدروس، فالمشروع الجديد مشروع تفتيت لمجتمع البيظان من الداخل ولا يقدر عليه إلا من هو جزء من المجتمع نفسه ……كل ما كانت حركة “فلام” تدفع به أصبحت “ايرا” تقول به وتزيد وليس القول من “ايرا” في هذا الموضوع كالقول من حركة سياسية معروفة بموقفها السلبي من نظام الحكم لا من شخص الحاكم …..لكن ما تقوم به حركة “ايرا” عن وعي ومن ورائها “فلام” ، تقوم به مجموعات كثيرة أخرى داخل المجتمع الحساني ولكن عن غير وعي وهذا لا يقل خطورة عن الأول ..
بلغت القبلية من هذا المجتمع مبلغا لم يعد معه عقل ولا روية كل يمجد نفسه ولا يرى لها نصيبا من عزة ولا شأن إلا بالانتقاص من الآخر، يستحضر الجميع كل مرارات الماضي؛ والماضي فات ولن يعود ؛ لا يغفلون عن عنوان فرقة ولا تشرذم ، فتارة نفتعل صراعا هوياتيا بين ذوي السحنة السمراء وبين من هم أقل سمرة وتارة بعنوان شرائحي وطائفي مقيت ومرة نلهو بالمفاضلة بين المرابطين وبني حسان وطورا بين الزوايا أيهم أعز مكانا وأعظم شأنا في نشر العلوم والمعارف وأحيانا بين المتصوفة والسلفية وفي أحايين كثيرة بين المرجعيات داخل كل مشيخة لوحدها !!!
إننا نغرق في تفاهات قاتلة ستجعل عدونا ينتصر علينا من دون مواجهة …….
التمايز في مكونات مجتمعنا الأخرى أكثر بكثير من حيث العناوين وأقوى من حيث الحدة ومن حيث مرارات الماضي والحاضر أيضا لكن لا أحدا منهم يستهويه الحديث عنها فالتحولات السوسيولوجية تأخذ بعض الوقت والوقت كفيل بتجاوز كل الصور النمطية لهذا عن ذاك ولذاك عن هذا …..والدولة وحدها من يفرض المساواة ووحدها من ينصف من المظالم ووحدها القادرة أن تضمن العدل بين الرعية…
قد يكون المخطط المعادي لبلدنا قد وصل محطته الأخيرة (لأن القوم استنفدوا كل ما يقدرون عليه) لكن هذا الفصل هو الأخطر فقد يكون اليأس بلغ منهم مبلغا لم تعد بعده من حدود حمراء لقول منهم ولا فعل……
لقد آن لنا أن نفتح عيوننا وأن نتجاوز كل ما قد يفرق بيننا وأن ندرك أن الوطن هو العنوان الجامع وهو مأمن الجميع وهو الملاذ وأن الحسابات الشخصية والرهانات اللحظية لا يجوز أن تؤدي بصاحبها أن يكون حيث لا ينبغي له أن يكون
فحيث يكون الوطن ليس لأحد أن يختار أين يكون….
شكرا لكل من ساهم من قريب أو بعيد في بناء مؤسستنا العسكرية والأمنية وشكرا لكل من ساهم من قريب أو بعيد في احتواء طوفان المهاجرين بهدوء ضمن أمن البلد وحقوق المهاجرين وعلاقات الأخوة مع دول المناشئ وشكرا للجيش الوطني والدرك والحرس وقوات الأمن ضباطا ومراتب أعزهم الله وأعانهم في مهمتهم النبيلة لحماية الأرض والشعب والمؤسسات…..ولا يضرهم إن طالتهم سهام من يعادي بلدهم فالعدو حين يرضى عنك فذلك يعني أن عليك أن تبحث عن مواطن الخلل فيك….
إن من أولى الأولويات تعزيز الأمن في الداخل وعلى الحدود وتوفير كل مستلزمات النجاح من حيث الوسائل البشرية ومن حيث المعدات وعلينا في هذا الجو المشحون وفي هذا الإقليم المضطرب وفي أفق استغلال الغاز أن نعيد إلزامية الخدمة العسكرية لكل خريجي الثانوية العامة لتشكيل جيش احتياط وتربية الشباب على خدمة العلم والانتماء المشترك…..

عيد مبارك سعيد لكل الموريتانيين بيضا وسودا عربا وغير عرب موالاة وطنية ومعارضة وطنية وحفظ الله الجميع.