هل تُعيد البريكس رسم خريطة العالم؟
في خضم تحولات متسارعة عصفت بالنظام العالمي، تقدّمت مجموعة “البريكس” لتفرض واقعًا جديدًا في موازين القوى الاقتصادية والسياسية. لم يعد هذا التكتل الناشئ مجرد إطار للتشاور بين الدول النامية، بل تحوّل إلى لاعب استراتيجي يسعى لتقليص الفجوة مع الغرب، وربما تجاوزه في محطات قادمة.
ففي الوقت الذي تعثّرت فيه الاقتصادات الغربية تحت وطأة أزمات سياسية داخلية وتحديات جيوسياسية متفاقمة، أثبتت البريكس قدرتها على توسيع نفوذها من خلال تعزيز التجارة البينية، وتنويع مصادر الطاقة، واتباع سياسات تحوّط مالي أضعفت من سطوة الدولار الأميركي.
وفي هذا السياق، جاءت مداخلة الدكتور ضياء حلمي السيد، الأمين العام لغرفة التجارة المصرية الصينية، ضمن برنامج “بزنس مع لبنى” على شاشة سكاي نيوز عربية، لتُسلط الضوء على زخم التحول الذي قادته البريكس، وتطرح تساؤلًا لافتًا: هل بدأ العد التنازلي لنهاية التفوق الغربي؟
بالأرقام.. البريكس تكتب معادلة جديدة للاقتصاد العالمي
في تحوّل غير مسبوق، أظهرت البيانات أن دول البريكس أسهمت بما يقارب 43 بالمئة من إجمالي نمو الاقتصاد العالمي خلال السنوات الخمس الماضية، متقدمة بشكل واضح على مجموعة السبع. وسجّلت الصين وحدها مساهمة تفوق الناتج الإجمالي لدول G7 مجتمعة في بعض المؤشرات.
كما امتلكت دول البريكس ما يقرب من 35 بالمئة من الناتج المحلي العالمي (وفقًا لتعادل القوة الشرائية)، متجاوزة حصة مجموعة السبع التي لم تتعدَّ 30 بالمئة. وقد منحها العمق السكاني – بما يقارب 48 بالمئة من سكان العالم – قوة شرائية وإنتاجية هائلة.
على صعيد الطاقة، هيمنت هذه الدول على نحو 50 بالمئة من إنتاج واستهلاك الطاقة عالميًا، وامتلكت حوالي 44 بالمئة من إنتاج النفط، و36 بالمئة من الغاز الطبيعي، إضافة إلى 72 بالمئة من احتياطيات المعادن النادرة، وهي موارد حيوية للصناعات التكنولوجية والدفاعية.
أما في المجال الغذائي، فقد ساهمت البريكس بـ42 بالمئة من إنتاج الغذاء العالمي، وامتلكت ثلث الأراضي الزراعية و39 بالمئة من المياه العذبة على الكوكب، ما وضعها في موقع استراتيجي يُؤثر في أمن الغذاء والمياه عالميًا.
منطق التوازن لا الصدام: ماذا أرادت البريكس حقًا؟
في تحليله لطبيعة البريكس، أوضح ضياء حلمي أن المجموعة لم تتبنَّ منطق المواجهة، بل عملت على إرساء معادلة توازن جديدة: “البريكس لم تسعَ للاصطدام بأحد، لكنها بدأت العد التنازلي لإنهاء القطبية الأحادية.”
ورأى أن تصاعد حدة التصريحات من جانب الولايات المتحدة، وخصوصًا من الرئيس دونالد ترامب، لم تكن سوى انعكاس لحالة من القلق من تكتل بدأ يهدد الحصرية الاقتصادية الغربية: “ترامب أعلن قرارات اقتصادية ثم تراجع عنها. تحدث عن رسوم جمركية دون أسس منطقية. هذا الارتباك كان رد فعل على تكتل لم يعد بالإمكان تجاهله.”
العملات الوطنية تتقدم: حين بدأت البريكس بكسر احتكار الدولار
من أبرز التحولات التي شهدها التكتل كان التحول نحو استخدام العملات الوطنية في التبادل التجاري بين الدول الأعضاء. أشار ضياء حلمي إلى أن هذه الخطوة لم تكن مجرد نوايا مستقبلية، بل ممارسة بدأت جزئيًا على أرض الواقع: “الرئيس بوتين صرّح بأن التعامل بالعملات الوطنية بدأ فعليًا. ومع حجم تجارة داخلية بينية وصل إلى 33 تريليون دولار، فإن هذه المبادرة آخذة في الاتساع.”
ورأى حلمي أن الهدف لم يكن مهاجمة الدولار، بل التخفيف من سطوته باعتباره “سلعة سياسية” أحيانًا أكثر منه وسيلة تبادل نقدي.
الصين والهند: مصالح براجماتية تتفوق على التناقضات
رغم التباينات الجيوسياسية بين الصين والهند، رأى حلمي أن تنوع الرؤى داخل البريكس لم يكن نقطة ضعف، بل مصدر ديناميكية وحيوية: “الهند ليست خصمًا للغرب، لكنها أيضًا لن تتخلى عن المكاسب التي تجنيها من البريكس. أما الصين، فقد بدأت منذ عام 2017 خطوات تحوطها الاستراتيجي بحثًا عن بدائل للهيمنة الأميركية.”
برأيه، أدار الطرفان علاقاتهما داخل البريكس بمنطق المصالح لا الإيديولوجيا، ما أعطى التكتل مرونة قلّما توفرت في تكتلات أخرى.