ديمقراطية الولاء: صوتي لك، أدفع لك، ونتضامن لهدم الوطن/ احمدو امبارك،

إن ضعف المعنويات ليس مجرد حالة نفسية فردية أو فتور عابر، بل هو تجسيد لخلل عميق في بنية المجتمع، حيث تتآكل الثقة وينزلق الانتماء نحو هشاشة بنيوية تداعياتها خطيرة على مستقبل الجميع.
فعندما تضعف معنويات الشعب، يصبح الوطن مجرد حدود جغرافية بلا روح، تتساقط قيمه تحت وطأة مصالح فردية وقبلية، ويغيب الإحساس بالوحدة الوطنية، ليحل محله صراع لا نهاية له بين الولاءات الضيقة.
الغياب المعنوي للوطن يتحقق عندما تتآكل الثقة في المؤسسات الوطنية ويصبح الانتماء مجرد واجهة فارغة، حيث تتساقط قيمه تحت وطأة المصالح الفردية والقبلية. في هذا السياق، تصبح “ديمقراطية الولاء” ساحة لتبادل الأصوات وفقا للمصالح الشخصية، ويُعتبر الوطن سلعة تُستخدم لتحقيق أهداف ضيقة على حساب المصلحة العامة، مما يؤدي إلى تفكك المجتمع وغياب الوحدة الوطنية.
وقد أسهمت في هذا الانهيار ما يمكن تسميته بـ”ديمقراطية الولاء”، حيث تفسح الأيديولوجيات الطائفية والمناطقية مجالها للتصويت وفق المصالح الشخصية، وليس من أجل المصلحة العامة. فالأصوات تُشترى وتُباع؛ “صوتي لك، أدفع لك”، والتضامن يصبح مجرد وسيلة لتحقيق أهداف شخصية ضيقة، حتى لو كانت على حساب الوطن ووحدته.
وما زاد من تفاقم هذه الظاهرة هو غياب المشاريع الوطنية الحقيقية، حيث تحولت الأحزاب السياسية إلى أدوات للتفرقة، تدق الطبول وتزرع الفتن بين أبناء الوطن. بدلاً من أن تكون حاملة للقيم الجمعية، أصبحت وسيلة لفرز المجتمع إلى قبائل تتصارع على المصالح، دون أن تكترث للمستقبل.
أما الاقتصاد فقد أصبح في حالة من الانهيار التام، نتيجة لهذا التسييس المفرط.
فالمؤسسات التي عليها أن تشكل عماد الدولة، أصبحت مجرد أدوات في يد جماعات أو أفراد، يستخدمونها كرهانات انتخابية ولم يعد الانتماء الوطني يعني شيئا حقيقيا؛ بل صار مجرد بطاقة انتخابية تُستخدم لتحقيق مكاسب ضيقة على حساب المصلحة العامة.
والأسوأ من ذلك، أن الوسائل الحديثة من إعلام وتقنيات جديدة تم استخدامها لتوجيه الرأي العام لصالح هذه الأجندات. فصارت الكلمات المشوشة والخطب الفارغة هي التي تشكل السردية السائدة، بينما أصبح الإعلام ساحة صراع تتنافس فيها القوافل السياسية لتحقيق مكاسب على حساب الحقيقة والمصلحة الوطنية. كما يقول المثل: “العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة”. وهكذا، تغلبت الرداءة على الفضيلة، واندثرت القيم في مقابل المصالح الزائلة.
ويمكن أن يتم استغلال هذا الوضع من قبل قوى خارج الحدود، التي تسعى لتحقيق طموحاتها على حسابنا، من خلال إشعال الفتن الداخلية وزرع الانقسام بين أبناء الوطن.
لكن، رغم هذه الحقبة المظلمة، يبقى الأمل. الإنسان بطبيعته أناني، نعم، ولكن حينما يدرك أن أنانيته الحقيقية تكمن في الحفاظ على المصلحة العامة، فذلك هو السبيل الوحيد لبناء المستقبل. إننا بحاجة إلى مشروع وطني يعيد ترتيب أولوياتنا، حيث تلتقي مصالح الجميع في حماية الوطن وازدهاره. ولن يتحقق ذلك إلا بتجاوز الأيديولوجيات الضيقة والانتصار للمصلحة العامة.
فالوطن بحاجة إلى وعي جديد، ووعي لا يقبل تلاعب الولاءات أو التفريط في الثوابت. نحن بحاجة إلى أن نعيد معنى الانتماء، وأن نعيد بناء الأمة من خلال التضامن والتعاون، لا من خلال تصدعات تشق المجتمع وتكسر وحدته.