عالم رياضيات موريتاني يقدم دراسة تحليلية لنتائج الانتخابات الرئاسية..الترجمة للكاتب الحسين محنض
——
العالم الرياضي الدكتور محمدو سي أحد أبناء مدينة كيهيدي (كوركول)، وأحد العباقرة الموريتانيين في المهجر.. انضم إلى فريق مارتن هيرر الحائز على جائزة ميدالية فيلدز (مقابل جائزة نوبل)
حصل على درجة الدكتوراه من جامعة سيرجي بونتواز في 2017، وانضم إلى جامعة فيرجينيا في الولايات المتحدة حيث كان يُدرِّس الرياضيات بالتوازي مع أبحاثه في المعادلات الفيزيائية الرياضية.
اكتشفه الجمهور الإفريقي العام في 2016 عندما نشر أول كتاب رياضيات بلغة البولار: “Bindannɗe Hiisankooje” لدى دار نشر بابيروس أفريقيا. حيث لاقى الكتاب نجاحًا كبيرًا في أفريقيا وتم الاحتفاء به في جامعة الشيخ أنتا ديوب في دكار خلال مؤتمر علمي متخصص. في 2019، نشر محمدو سي الجزء الأول من كتابه الثاني بعنوان “Gannde Hiisiwe”.
بعد إقامته في الولايات المتحدة، عاد محمدو سي إلى لندن، حيث تم تعيينه في إمبريال كوليدج لندن، إحدى أفضل عشر جامعات في العالم حسب تصنيف QS وTimes Higher Education.
وأخيرًا، وبالتعاون مع مارتن هيرر، يعمل الدكتور محمدو سي على مشاكل في نظرية المعادلات التفاضلية الجزئية العشوائية شديدة التعقيد، وهذه المشاكل لها تطبيقات متنوعة في الفيزياء.
كتب هذه الدراسة التي قمت بترجمتها إلى العربية للتعريف أولا بهذا العالم الموريتاني المجهول لدى أكثر الناطقين بالعربية في البلاد، ولإطلاع القراء على واحدة من أحسن المساهمات في النقاش الدائر حول نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة:
((تحليل معطيات اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات
الدكتور الرياضي محمدو سي
19 يوليو 2024
يستمر الجدل حول معطيات اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات. وقد طعن فيها تحالف برام الداه اعبيد الذي أظهرت أنه خسر الانتخابات الرئاسية الموريتانية لعام 2024. وتتوالى الأسئلة من جميع الأطراف. هل من الممكن أن يكون الفوز قد سُرق من بيرام؟ هل من الممكن أن الأغلبية المطلقة التي مُنحت للرئيس المنتهية ولايته كانت مزورة؟ هل كان تلاعب بالمحاضر؟ أو حشو لصناديق الاقتراع؟
هذه كلها أسئلة، إن لم تكن تطعن في صحة المعطيات التي نشرتها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، فإنها على الأقل تلقي بظلال من الشك على المعطيات التي نشرتها.
في ورقة بحثية حديثة بعنوان “هل من المحتمل أن يكون قد تم حشو صناديق الاقتراع؟”، تناولت مسألة حشو صناديق الاقتراع، وأظهر التحليل الإحصائي الذي قمت به دحض فرضية أن تكون مثل هذه العملية وراء الأرقام المعلنة. أنتم مدعوون للرجوع إلى هذه الورقة لفهم المنهجية المستخدمة.
في هذه الورقة، أقترح تقديم إجابات كمية على الأسئلة المطروحة أعلاه. تستند جميع هذه الأسئلة إلى نفس الفكرة: هل كان من الممكن للرئيس الحالي أن يفوز بالجولة الأولى من خلال التلاعب بصناديق الاقتراع؟ سنجيب على هذه الأسئلة بشكل منهجي ومفصل.
ولكن قبل الانتقال إلى هذا الجزء من النص، اسمحوا لي أن أدلي ببعض الملاحظات:
– موقع CENI ليس عمليًا جدًا لاستخدامه في التحليل، مع أنه من السهل ألا يستغرق الأمر أكثر من ساعة لإعادة تنظيمه وفق هيكلة أكثر قابلية للاستخدام، باعتماد تقنيات متطورة نسبيًا. أعتقد أنه سيتعين على CENI في المستقبل التفكير في المحللين الذين لا يكون هدفهم من تصفح الموقع مجرد مطالعة البيانات، بل إخضاعها لعمليات تحليلية. أقدر توافر البيانات، وأشجع على بذل الجهود لتقديمها بطريقة تسهل استغلالها.
– أما ملاحظتي الثانية فتتعلق بالطعن: فبعد أن اطلعت على مختلف أوجه الطعن، أستطيع أن أقول إنها تفتقر افتقارا شديدا إلى المنهجية. وأقول لكم: انتبهوا جيدًا للأرقام، فهي تحرق المجازفين. فبدون منهجية قائمة على مبادئ واضحة وموضوعية، لن تتمكن من الحصول على رسالة موثوقة منها. بل على العكس من ذلك، ستواجهون مخاطرة كبيرة في استخلاص استنتاجات متحيزة للغاية ولا تستطيع أن تصمد أمام المساءلة الجادة.
أحد التحيزات اللافتة للنظر التي برزت إلى الواجهة في هذا النقاش هو التحيز الانتقائي: فقد تم التعبير عنه هنا في أكثر أشكاله بدائية، وتم الكشف عنه في أكثر تعبيراته بساطة.
فبعض مؤيدي موقف برام الداه اعبيد ينطلقون من المحاضر الأولية التي تلقوها، والتي من المنطقي أن تكون من دوائرهم السياسية وفرصهم فيها كبيرة. ولأنهم أول من تلقى هذه المحاضر، فإنهم ينسبون إليها، على الأقل في موقفهم، أسبقية حدثية لا أساس لها في الواقع. ويمكننا أن نسمع عبارات مثل “بعد محاضرنا، أمطرنا بمحاضر من المكاتب الأخرى”، وما إلى ذلك.
لا يوجد فرق زمني داخل البلد يمكن أن يفسر حقيقة أن المحاضر غير المواتية صدرت من مكاتبهم بعد معرفة المحاضر المواتية. ولا يمكن أن يُعزى هذا الترتيب في الوصول إلا إلى الطبيعة الانتقائية للغاية لعملية الجمع. والدليل على ذلك هو أن الدوائر السياسية الأخرى تتلقى محاضرها المواتية أولاً، وهي ليست متشابهة! لذلك يمكنهم أن يفسروا نفس الشيء لصالحهم بالضبط.
ولذلك ينبغي تجنب تعبيرات مثل “اتجاهات في المحاضر الإيجابية”، لأنها تُستخدم في غياب تام لأي اهتمام بتقييم مدى كون هذه المحاضر الإيجابية ليست جزئية فحسب، بل انتقائية وغير تمثيلية.
أكد م. ح، في محاولة منه للرد على مقاربتي النقدية لطريقة بيرام، أنها تتفق تقريبًا مع اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات فيما يتعلق بمنطقتي انواكشوط وانواذيبو. وقد عرض أرقامًا يزعم أنها مستقاة من 982 مكتب اقتراع في هاتين المنطقتين، والتي وضعت بيرام في الصدارة بنسبة 36.72% وغزواني أقل بقليل بنسبة 36.43%. وهو يستخدم هذا التقسيم للتشكيك في بقية الأرقام، اقتناعًا منه بأنها قادرة على دعم شبهة التزوير المزعوم. وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة!
أولا وقبل كل شيء، لقد نسي نقطة جدية، بالإضافة إلى الجانب الانتقائي البحت لهذه المناطق: المناطق الثلاث في انواكشوط بالإضافة إلى انواذيبو لا تمثل سوى 26.13% من الأصوات المدلى بها (أي أكثر من الربع بقليل). فهي ليست حاسمة بأي حال من الأحوال! إذ يمكن أن يحدث أي شيء في هذا الجزء من البلاد، وخاصةً بهذا الهامش الضئيل، دون أن يحسم النتيجة النهائية. والأكثر من ذلك، من الخطأ الجسيم اعتبار المكاتب الأكثر تفضيلاً لبيرام كنموذج للتحليل. فهي في الأساس كائن متحيز.
فعلى سبيل المثال، إذا قمنا بنفس الشيء وأخذنا مكاتب الاقتراع الألف الأكثر تفضيلا لمرشح تواصل حمادي فسنجد هذه النتائج:
– غزواني: 44.55
– حمادي: 27.08
– بيرام الداه عبيد: 17.06%.
وهذا يعني 269032 صوتًا، أو 27.23% من مجموع الأصوات التي تم الإدلاء بها، أي أكثر بقليل من المجموع الذي أردتم اعتباره لبيرام.
لذلك لو أن حمادي فعل ما فعلتموه، لكان بإمكانه أن ينافس على المركز الثاني الذي حصل عليه بيرام باستخدام نفس الإجراء الجدلي الذي استخدمتموه أنتم للدعوة إلى جولة ثانية يكون فيها في مواجهة غزواني. لذلك كونوا حذرين جدا مع هذا التحيز الضخم. كل مرشح لديه ألف مكتب أفضل من ألف مكتب!
بالمناسبة، لقد استمتعتُ بعد ذلك بلعب لعبتك بتعديل اختياراتك لتشمل ما يصل إلى ألف من أفضل مكاتب بيرام. النتيجة تحسنت كثيراً:
– بيرام الداه عبيد: 46.26
– غزواني: 33.51
وهذا من مجموع 28.81% من الأصوات المدلى بها.
إذًا، في هذا الاختيار، تكون الكتلة الانتخابية أفضل قليلًا والفرق بين المرشحين أكثر وضوحًا. ويمكنك استخدام ذلك في حجة أخرى سيئة؛ من نفس الطبيعة بالطبع، ولكن بمفهوم أفضل. خاصة وأنها تراعي تنوعًا أكبر في اختيار المحليات!
وعلى نفس المنوال، إذا أردنا أن نقوم بنفس التمرين في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2022، والتي تتوفر أرقامها على موقع الحكومة الفرنسية. يمكننا النظر في أماكن مثل بروفانس كوت دازور، وهوت دو فرانس، وما وراء البحار، وبعض الأماكن الأخرى. ستكون النتيجة على النحو التالي
– مارين لوبان: 50.65
– إيمانويل ماكرون: 49.44 من أصل 28.32% من الأصوات المُدلى بها. وهذا بالطبع أمر طريف إلى حد ما، لكنه لا يسمح للوبين بالتشكيك في الفوارق الكبيرة التي حدثت في مناطق مثل إيل دو فرانس، وفوق كل ذلك النتيجة النهائية: 41.45% مقابل 58.55%! مرة أخرى، يجب الحذر من هذه الطرق الانتقائية والمغلوطة في النظر إلى الأرقام.
والآن بعد أن قدمت ملاحظاتي، دعونا ننتقل إلى التحليل. والواقع أن ملاحظتي الثانية كانت خروجاً عن المألوف بعض الشيء عندما تم تناول الجوانب المنهجية الهامة.
من المهم وضع معايير محايدة يمكننا أن نقيس على أساسها صحة طعننا. هذه هي الطريقة الأكثر صدقًا للمضي قدمًا في التقييم حيث، مهما كانت شكوكنا وآمالنا قوية، لا يوجد ضمان بأننا سنكون على صواب. وهذا يتطلب تواضعًا معينًا في الموقف وتطبيقًا معينًا للأسلوب.
تضمنت محاولات دعم فرضية التزوير ما يلي:
– تغيير المحاضر (ما زلنا في انتظار ما يسمى بالمحاضر الحقيقية!)
– “فرط المشاركة” في مراكز اقتراع معينة
– التوزيع غير المنطقي للأصوات اللاغية كإحدى القرائن.
دعونا نسمي هذه المشكلة “فرط الأصوات المعبر عنها”. نحن نتحدث عن ارتفاع معدلات الأصوات المدلى بها.
في الواقع، إذا كانت مبررات الطعن المذكورة أعلاه قد حدثت بالفعل على نطاق معين، بحيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى تغيير النتائج؛ والتأثير على مسألة الشوط الثاني، أو حتى عكس ترتيب نجاح المرشحين في الحالات الأكثر حدة، فإنه يجب علينا تحليلها بعناية.
فيما يلي المبدأ الأساسي المستخدم هنا في دراسة هذه المسائل: “يجب أن نلاحظ تغيراً كبيراً في النتائج إذا استبعدنا الجزء المتعلق بـ (فرط المشاركة) و (فرط الأصوات المعبر عنها) في المحاضر“.
لذلك سوف نتبع اتجاه الطعون ونستبعد جميع المحاضر المتنازع عليها (فرط المشاركة) من CENI وفقًا للأسباب المقدمة.
أ) معالجة المشاركة المفرطة
سننتقل خطوة بخطوة، نزولاً إلى مستوى متوسط نسبة المشاركة، بحثاً عن التغييرات.
أ-1) إذا استبعدنا مراكز الاقتراع التي تزيد نسبة المشاركة فيها عن 90%. ستكون النتائج:
– الأصوات المدلى بها: 962039
– غزواني: 55.09
– برام: 22.65
أ-2) إذا استبعدنا مراكز الاقتراع التي تزيد نسبة المشاركة فيها عن 80% ستكون النتائج:
– الأصوات المدلى بها: 924235
– غزواني: 54.12
– برام: 23.23
أ-3) إذا استبعدنا المكاتب التي تجاوزت نسبة الإقبال فيها 70%. ستكون النتائج:
– الأصوات المدلى بها: 797534
– غزواني: 53.08
– برام: 23.69
أ-4) إذا استبعدنا مراكز الاقتراع التي تزيد نسبة المشاركة فيها عن 55%. ستكون النتائج:
– الأصوات المدلى بها: 363032
– غزواني: 55.99
– برام: 19.72
وبالتالي، حتى لو استبعدنا محاضر مراكز الاقتراع “ذات المشاركة المفرطة”، وهذا على عدة مستويات ومقاييس، فإننا سنبقى ضمن النسب الإجمالية. وبالتالي، لا يمكن اعتبار المشاركة المفرطة في بعض المكاتب مسؤولة عن النتائج المعلنة.
ب) معالجة فرط التعبير.
سنمضي خطوة بخطوة حتى نصل إلى نسبة الخطأ 5%.
ب-1) إذا استبعدنا المكاتب التي تزيد نسبة الأصوات المعبر عنها فيها عن 99% ستكون النتائج:
– الأصوات المدلى بها: 924185
– غزواني: 55.16
– برام: 22.88
ب-2) إذا استبعدنا المكاتب التي تزيد نسبة الأصوات المعبر عنها فيها عن 98% من الأصوات المدلى بها. ستكون النتائج:
– الأصوات المدلى بها: 809149
– غزواني: 54.19
- برام: 23.80
ب-3) إذا استبعدنا المكاتب التي يزيد معدل الأصوات المعبر عنها فيها عن 97% ستكون النتائج:
– الأصوات المدلى بها: 647010
– غزواني: 53.94
– برام: 24.26
ب-4) إذا استبعدنا المكاتب التي تزيد نسبة الأصوات المعبر عنها فيها عن 96% من الأصوات المدلى بها. ستكون النتائج:
– الأصوات المدلى بها: 478027
– غزواني: 54.18
– برام: 24.25%.
ب-5) إذا استبعدنا مراكز الاقتراع التي تزيد نسبة الأصوات المدلى بها عن 95% من الأصوات المدلى بها. ستكون النتائج:
– الأصوات المدلى بها: 338162
– غزواني: 54.37
– برام: 24.55
إذًا لا يفسر الإفراط في الأصوات المعبر عنها النتائج. ففي الواقع، من خلال استبعاد المحاضر التي وقع فيها، نحافظ دائمًا على نفس النسب.
ج) المعالجة المركبة
لنطرح الآن السؤال النهائي. هل يمكن أن يفسر الجمع بين الإفراط في المشاركة والإفراط في الأصوات المعبر عنها النتائج؟
سنطبق نظامًا صارمًا إلى حد ما على المحاضر: بالنسبة للإفراط في المشاركة، سنقوم فقط بتضمين مراكز الاقتراع التي تبلغ نسبة المشاركة فيها 65% كحد أقصى (أي 10 نقاط تذبذب أعلى من المتوسط الوطني). وبالنسبة للإفراط في الأصوات المعبر عنها، سنقوم باستبعاد مراكز الاقتراع التي تقل فيها نسبة الأصوات اللاغية عن 5%. وستكون النتائج:
– الأصوات المدلى بها: 235366
– غزواني: 54.39
– برام: 23.61
وإذا أبقينا على نسبة الـ 5% كحد أدنى من الأصوات اللاغية وغيّرنا الحد الأقصى للإقبال من 65% إلى 75%، فسنحصل على
– الأصوات المدلى بها: 312912
– غزواني: 53.36
– برام: 25.09%.
الخلاصة: حتى مع الأمرين معًا، لا يمكن أن يفسِّر فرط المشاركة وفرط الأصوات المعبر عنها النتائج المعلنة. ففي غيابهما، تظل النسب كما هي تقريبًا.
د) الاستنتاج:
من خلال وضع معايير استبعاد ملموسة انطلاقا من مبررات التشكيك في المحاضر، يمكننا إجراء تحليل. يُظهر هذا التحليل أن هذه المبررات، بغض النظر عن الظروف التي نشأت فيها، لم تتمكن من تحجيم النتائج أو التأثير عليها بشكل بين.
علاوة على ذلك، نلاحظ صلابة النسب، التي يمكنها الصمود في وجه العمليات القائمة على معايير مستقلة مختلفة – شريطة أن تكون موضوعية وخالية من أي بناء مغرض. وتعزز هذه الصلابة فكرة صحة المحاضر بشكل عام. إذا كنت تعرف ما تفعله، فإن نسيج المحاضر المفبركة سيتصدع حتما تحت تأثير عمليات الفحص. محاضر CENI بقيت صامدة)).