التطبيع ماسوني صهيوني التوجه والتوجيه قاتل لطموح فلسطين والعرب/ عبد الحميد الهمشري
القضية الفلسطينية منذ إجراءات ترامب المتناقضة مع القانون الدولي حول الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، تسير باتجاه يعاكس عقارب الساعة وتنبئ بانزلاقها بمنعطف خطير يقودها نحو مصير مجهول لا يمكن التنبؤ إلى ما ستؤول إليه الأمور جراء اجتهادات خاطئة من قبل البعض غير مضمونة النتائج، تلحق ضرراً جسيماً بقضايا الفلسطينيين والعرب المصيرية، وتزيد من الأمور سوءاً وتعقيداً تجاهها لدى إقدام البعض من العرب على التطبيع مع الكيان الصهيوني، رغم ترديد زعمائه، أي زعماء العدو الصهيوني على الدوام، بأنهم مع تطبيع يخدم مصلحة دولة اليهود فقط، هذا التطبيع ليس أكثر من وصفة ماسونية صهيونية تصبغ شرعية الوجود اليهودي على الأرض الفلسطينية وتبرئته عن كل ممارساته الوحشية ضد الفلسطينيين والعرب، والنتائج المأمولة لصالح ممن أقدم أو سيقدم على ذلك ليس أكثر من سراب وسط قيظ يحسبه الظمآن ماء.
فحقيقة ما يجري من تحركات سياسية تمس القضية الفلسطينية منذ تخريفة ترامب الصفقة تضر ليس بمصالح الفلسطينيين وحدهم بل يتعداه لمصالح دول الجوار الفلسطيني وما بعد الجوار الفلسطيني، بفعل الظلم الذي أوقعه بالحقوق الفلسطينية جراء انحيازه المطلق لمطالب الصهاينة، ما أعطى مجالاً لليمين الصهيوني المتطرف بقيادة نتنياهو باعتماد معادلة جديدة تضمن له الهيمنة والسيطرة على أي جزء يريد من الضفة الفلسطينية والقدس حتى ولو كانت كلها.
حيث ترك التجمعات الفلسطينية في الضفة المحتلة عبارة عن كانتونات مقطعة الأوصال وبلا متنفس زراعي، غير مترابطة تفصلها عن بعضها البعض مستوطنات وبؤر استيطانية وجدر عازلة وطرق التفافية ومعسكرات جيش الاحتلال أي أنها بمحابس أشبه بمعسكرات ألمانيا النازية للشعوب المعادية لها في أوروبا والذين كان من ضمنهم يهود من رعايا تلك الدول.
فالماسونية إذن هي المحرك الداعم لإنشاء المشروع الصهيوني الهادف لتأسيس مملكة اليهود الكبرى في الأرض العربية، وقد اعتمدت صهيونياً منذ نشأتها على تحويل هذا المشروع لواقع في فلسطين أولاً، ولما فشل أب الصهيونية العالمية في الحصول على موافقة السلطان عبدالحميد العثماني على منح فلسطين لليهود جرى الانقلاب عليه ماسونياً وعزله ونفيه وتسليم الحكم لسلطان ضعيف الشخصية، فتمكنوا من زيادة المستوطنات اللبنة الأولى للمشروع وكذلك من زيادة أعداد اليهود المستقدمين لفلسطين بطرق غير مشروعة من خلال الحكام الإداريين العثمانيين في فلسطين، فكانوا قاعدة خدمت البريطانيين في تنفيذ وعدهم، فما أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها حتى بدأت خطط التنفيذ في التحرك على الأرض، وأوَّل هذه الخطط أقرها مؤتمر الصلح في باريس في أوائل عام 1919م، الذي اعتمدت فيه الحركة الصهيونية في بيان صادر عنها أمام هذا المؤتمر إلى ما يشير صراحة بالعلاقة التاريخية لليهود في فلسطين كوطن قومي والقبول بانتداب بريطاني من عصبة الأمم لوضع فلسطين تحت ظروف اقتصادية وسياسية تمهيداً لإنشاء الوطن القومي لليهود تنفيذاً لوعد بلفور، ولهذه الغاية اشترك الصهاينة من يهود وماسونيين غير يهود في الحكومة المدنية التي أقيمت عام 1920م في فلسطين، وكان على رأسها هيربرت صموئيل أول مندوب سامي بريطاني في فلسطين الذي مكث فيها نحو خمس سنوات من عام 1920م، حيث قام منذ البداية بمنح 175 ألف دونم من أخصب أراضي الدولة على الساحل بين حيفا وقيسارية لليهود، ومن ثم أراضي ساحلية واسعة المساحة في الجنوب، وفي النقب وعلى ساحل البحر الميت، ما أنذر بسوء العواقب للفلسطينيين خاصة بعد تشريع صمويل لقوانين تسهل تحقيق إنشاء الدولة اليهودية.
وبين سنتي 1937م و1948م وضعت خطط ترحيل صهيونية للفلسطينيين كـخطة سوسكين للترحيل القسري (سنة 1937م)، وخطة فايتس للترحيل (ديسمبر1937م)، وخطة يونية (يوليو 1938)، وخطة روبين (يونيو 1938م)، وخطة الجزيرة (1938م – 1942م)، وخطة إدوارد نورمان للترحيل إلى العراق (1934م – 1948م)، وخطة بن غوريون (1943م -1948م)، وخطة يوسف شختمان للترحيل القسري (عام 1948م)، وفي الفترة نفسها تشكلت لجان ترحيل ثلاث، اثنتان منهما شكلتهما الوكالة اليهودية (1937م -1942م). والثالثة شكلتها حكومة الاحتلال الصهيوني سنة 1948م. وقبيل الحرب العالمية الثانية مارست بريطانيا وقواتها العسكرية أبشع أنواع العقوبات ضد العرب الفلسطينيين واستخدمت كل ما لديها لإخماد الحركات الثورية العربية مارست ضدهم الاضطهاد والقتل والتعذيب والنفي.
ووقف زعماء الحركة الصهيونية تساعدهم الدولة المنتدبة بريطانيا في وجه الشعب الفلسطيني، وحاولوا قهره بتهجير اليهود إلى البلاد لإيجاد أكثرية يهودية ساحقة بواسطة الهجرة الواسعة ليتمكنوا من صبغ فلسطين بالصبغة اليهودية، ومن ثَمَّ إجلاء الفلسطينيين إلى خارج فلسطين، وسلب حقوقهم والإقامة مكانهم.
وهذا ما حصل في العام 1948 بعد صدور قرار التقسيم في العام 1947 حيث شرد معظم الشعب الفلسطيني من دياره ولم يسمح له بالعودة رغم صدور قرار أممي بذلك.
واستكمل احتلال فلسطين بعد حرب حزيران/يونيو1967 حيث أخذ العدو الصهيوني ينكل ويشدد حصاره ويزيد من عذاباته للفلسطينيين قتلا وسجناً وهدما لمنازل المقاومين لوجوده بينهم والاستيلاء على أراضيهم ومنعهم من استغلالها وإقامة جدر عازلة وطرق التفافية قطعت أوصال أراضيهم، وركزت مستوطنات أقامتها على القدس ومحيطها وعلى التجمعات السكانية الكبرى وصادرت مصادر مياههم والأرض مركز زراعتهم، واعتداءات منتظمة على المقدسات الإسلامية والمسيحية، خاصة المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة في القدس ومسجد الإبراهيمي في الخليل وعاثت فساداً في أركان الوطن الفلسطيني وزاد في الطين بلة ما أقدم عليه ترامب من اعتباره للقدس بشطريها الشرقي والغربي عاصمة للكيان الغاصب وضم القدس العربية للقدس الغربية وضم المستوطنات في الضفة المحتلة مع السماح لليهود بأي أراض فيها يرغبون بضمها.
وما وسع من مخاطر ما أقدم عليه ترامب نشاط بيت الماسونية العالمي البيت الأبيض المشبوه لتطبيع العلاقات بين دول عربية والعدو الصهيوني، هذا التطبيع الثعبان القاتل الذي يبث سموم الصهيونية في كل أنحاء الوطن العربي.