التواضع في السياسة / السيد زهره
تحدثت أمس عن تحليل مطول ذكر ان التواضع هو أعظم الصفات التي يجب ان يتحلى بها القائد الناجح في أي مجال، وان الدراسات العلمية الحديثة اثبتت هذا. وعرضت لنتائج احدى الدراسات.
دراسة أخرى، أجرتها إليزابيث كرومري مانكوزو، من جامعة بيبردين بكاليفورنيا، توصلت الى نتيجة أن الأفراد الأكثر تواضعا يميلون لإظهار شغف أكبر بالمعرفة ويبدون أكثر استعدادا للعلم من أجل العلم.
كما وجدت أن المتواضعين أحرزوا درجات أفضل في اختبارات “مراجعة الفكر” التي تقيس النزعة للعدول عن توجهات المرء الأولى وإعادة التفكير في افتراضاته، وهي نتيجة هامة لأن الذين يراجعون أفكارهم يكونون أقل عرضة لانحياز الفكر والتضليل.
وأظهرت الدراسات الحديثة أن التواضع يؤثر أيضا بصورة إيجابية على فريق العمل.
ففي بحث لأكثر من 700 موظف بشركة أمريكية لتقديم الخدمات الصحية، تبين أن القادة الأكثر تواضعا شجعوا الموظفين على الانخراط أكثر في العمل وجعلوهم يشعرون بالرضا عن عملهم.
وعلاوة على ذلك فإن تحلي القائد بالتواضع يجعل الموظفين لا يخافون من الإعلان عن معارضتهم للقرارات التي يرون أنها غير صحيحة، كما يصبح الموظفون أكثر استعدادا للإقرار بالأخطاء التي يرتكبونها، لأن القائد نفسه يعترف بخطئه. كل هذا من شأنه أن يخلق بيئة عمل صادقة وبناءة.
دراسة أخرى أجرتها إيمي يي-أوو، من الجامعة المهنية بهونج كونج شملت 105 من شركات التكنولوجيا وجدت أن المديرين التنفيذيين الأكثر تواضعا شجعوا الموظفين على مزيد من التعاون وتبادل المعلومات داخل فريق الإدارة العليا للشركة. وأدى ذلك لاتخاذ قرارات أفضل، وبالتالي تحقيق أرباح أكثر.
أيضا اثبتت الأبحاث انه ليس صحيحا ما قد يخشاه بعض القادة من أن التعبير عن التواضع قد يقوض سلطتهم أوي يقلل من شأنهم طالما أن القائد يعبر عن تواضعه بالشكل الصحيح. وبناء على ذلك نصحت احدى الدراسات القادة بعدم الإحجام عن التساؤل والاستفسار حتى ولو أظهر ذلك عدم معرفتهم، بدلا من محاولة التظاهر بالدراية بكل شيء.
اذن، هذا ما أثبتته الدراسات العلمية عن قيمة التواضع كأهم صفة يجب ان يتحلى بها القادة في كل مجالات القيادة.
وبالطبع، يصح هذا أكثر ما يصح على القيادة السياسية.
لكن ماذا يعني التواضع بالضبط في التطبيق العملي بالنسبة للقائد السياسي؟.. كيف يتم ترجمة ذلك في السلوك العملي؟
التواضع في السياسة يعني أول ما يعني ان القائد السياسي في أي موقع من مواقع صنع واتخاذ القرار يجب ألا ينفرد وحده بالرأي وباتخاذ القرار. من المفروض ان يحرص القائد السياسي على استطلاع مواقف وآراء الآخرين من المعنيين بالأمر، وأهل الخبرة والاختصاص، والاستفادة من هذه الآراء والمواقف.
والتواضع في السياسة يعني أن القائد حين يستطلع مختلف الآراء والمواقف يجب ان يكون مستعدا لتغيير موقفه ورأيه وحتى التراجع عن قراره اذا اقتنع بما يقدمه الآخرون من آرا ء مختلفة من دون حساسية.
بطبيعة الحال، القائد في نهاية المطاف هو الذي يتحمل مسئولية قراره، لكن أخذ آراء الآخرين بجدية وإصدار القرار على هذا الأساس يعني ضمان رشد أكبر في السياسة وفي اتخاذ القرار.
مثلا، التحليل الذي اتحدث عنه يشير المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، ويقول ان ان البعض يرى أن اشتغالها بالعلوم كان سببا في تحليها بقدر أكبر من التواضع الفكري، الذي يتضمن النزعة لإعادة التفكير في افتراضاتها والإصغاء للآخرين قبل اتخاذ القرارات، ويقولون أن هذا الأمر ساعدها في تجاوز العديد من الأزمات خلال عملها كمستشارة لألمانيا على مدار الخمسة عشر عاما الماضية. ويشير التحليل أيضا الى الرئيس الأمريكي السابق إبراهام لنكولن الذي عرف عنه تواضعه وقدرته على الإقرار بخطئه، الأمر الذي جعله أكثر قدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة.