للإصلاح كلمة تلاحظ علي مصطلح ” الأرقاء والأرقاء السابقين” / محمدّ بن البار
كلمة الإصلاح تود أن تكتب كلمتها اليوم حول هذا المصطلح الذي طرأ علي الساحة الموريتانية – طرو الفئة التي جاءت كما قال نيابة عن جميع العقلاء محمد بن سيدي في مقاله : ” الشحن أفيون الشعوب ” – قال : ” أن هناك فئة فاتها قطار طلب التحرر الذي لا يخدش فكرة لون وليس فيه بغض ولا عنصرية تقدم نفسها مجردة من كل أخلاق ” فقد سبق هؤلاء أبناء لهذا الوطن عاشوا كما عاش الجميع لونا من الحياة الاجتماعية فيها رق منعوت بالإسلام ، والإسلام هو أول من ينكر نوعه وتسميته عليه ، ولكنهم مع ذلك فهموا كيف يتحركون طلبا للحرية بالحكمة والرزانة والأخلاق الفاضلة والوطنية الموريتانية الخالصة .
فلا شك أن الإسلام عند أول ظهوره وجد أمامه كثيرا من أصول الاسترقاق أبطلها كلها إلا واحدة لا تحصل إلا إثر معارك جهادية بين المسلمين وغيرهم ، فالمسلمون يريدون إبلاغ دعوتهم كما أمرهم الله بذلك أو الدفاع عنها ، وغيرهم من المشركين يريدون أن يدافعوا عن وصولها إلي القاعدة الشعبية من الإنسانية التي خلقها الله جميعا لعبادته ، أو يريدون أن يفتنوا عن الإسلام من دخل فيه .
ففي هذه الحالة وحدها أباح الإسلام لمن أسر أحدا من المشركين أثناء القتال الجهادي أن يسترقه بعد الأسر ، وأبطل الإسلام كل استرقاق غيرها ( وما أكثر أسبابه في الجاهلية ) .
ولم يقلص الإسلام الاسترقاق بهذا الشرط فقط ( وهو الأسر أثناء الجهاد ) بل فتح لهذا الأسير كثيرا من أبواب الحرية معلقة علي أخطاء الإنسان – وما أكثرها – تلك الأخطاء التي لا يربطها أي رابط إلا بحرية مثل هذا الإنسان : كالظهار – القتل الخطأ – لفظ الحرية ولو غلطا إلي آخره ، ولذا فهم الصحابة إشارة القرآن هذه ، فلم يتجاوز الاسترقاق الشرعي من الزمان القرن الثاني من بداية الإسلام ، أما المكان فلم يتجاوز الجزيرة العربية إلا بقليل ، أما اللون فعلي عموم الألوان وأكثرها استرقاقا اللون الأبيض ، لكثرة الجهاد الشرعي في أرضه ، وما قاربه من السحنة الحمراء ، وفي أثناء هذا الزمن القصير والمكان المحدود ، من استرق فيه أصبحت عنده أحكام تخصه نزل بها القرآن وجاءت في الحديث الصحيح ، ومن أنكر أصلها فقد أنكر ما علم من الدين بالضرورة ، ومن تحرر من هؤلاء يقال له المولي ، وفي اصطلاحنا نحن يمكن أن يقال لهم : ” الأرقاء السابقون ” ، ولكن الاسترقاق بعد ذلك ولاسيما في أطراف ما وصل إليه الإسلام بكل وسائله غير الجهادية استرقاقه خارج أوامر الإسلام ، ولم يقع هذا في الاسترقاق وحده بل وقع شبه الاسترقاق في العبادات وشبه الاسترقاق ثمنا للحماية إلي ما نعرف جميعا ، ولكن الطامة الكبرى والغلط الفادح هو تحويل مصطلح ” الأرقاء والأرقاء السابقين ” وجعلها كلمة تساوي “لحراطين” ، وأن الاصطلاحين اسما لمسمي واحد ، والطامة الأكبر من الأولي هي أيضا تصنيف اللون وهو أن كل لون أسود يتكلم العربية سليقة يسمي ” حرطاني ” ، وبذلك يتحول تلقائيا ضمن الأرقاء السابقين ، وإن كان أصل ما بينه وآدم لم يسبق عليه استرقاق لا جاهلي ولا إسلامي ، فالله الذي خلق ألوان البشر جعلها اختلافها هي واللغات من آياته أي من قدرته علي فعل ما يشاء ، فقد جعل في كل مكان من هذه الأرض لونا لسكانها ، ومن تلك البلدان ما نحن الآن فيه في غرب وجنوب وشرق هذه القارة السمراء ، وهذا اللون الأسود المختلط مع بعض الألوان الأخرى أصله غير واحد ، فقد جعل سكان كل بقعة يتكلمون لغة واحدة بالنسبة لهم وإن كانوا من غير أصل واحد .
فمن قرأ تاريخ سكان هذه الأرض من العصر الحجري مرورا بالعصور الأخرى ومنها القرون الإسلامية إلي يومنا هذا يجد أن كثيرا من ممالك أنواع البشر تغلب علي هذه البقاع برهة من الزمن وهو مختلف الألوان واللغات مثل : مملكة غانا التي مكثت كثيرا وممالك أوكار والسوننكيين وكل أنواع أسماء الزنوج الموجودة عندنا الآن ، وكذلك كثير من العرب والبربر وبافور إلي آخره ، فمن قرأ موسوعة المختار بن حامدن رحمه الله أو كتاب حفيده الحسين بن محنض سوف يري العجب العجاب من المسميات والاختلاف في اللون واللغة والسيطرة إلي آخره .
وجغرافية هذه الممالك تمتد من غرب صحراء مصر مرورا بليبيا فما دونها إلي الأنهار الجنوبية في الدول الإفريقية ، وكانت تجارة الرقيق مثل تجارة كل البضاعات الأخرى تشرق وتغرب قبل الإسلام وبعد ظهوره ، وتقع من قبيلة واحدة بعضها لبعض ، بل من الأسرة الواحدة ، وليس هذا الاعتداء بغريب علي الإنسان ، فالإنسان إذا تغلب يبيع كل شيء ولو ابن عمه إذا كان ضعيفا فقيرا يحتقره احتقارا يؤدي لبيعه أو شبه البيع ، فكثير من سكان سنيغال ومالي وغينيا واتشاد وغينيا إلي آخره ، فيها كثير من البشر الآن لونه أسود وكان لونه أبيض من قبل ، ومنهم من يلقب الآن لقبا يميزه ، وكذلك في موريتانيا كثيرا من البشر أصل لونه أسود ، ولكن بالاختلاط انقلب إلي لون السمرة ومعروف عند البعض وهذا مسطر في التاريخ .
ومن هنا نصل إلي أن اصطلاح كل أسود يطلق عليه ” حرطاني ” وتساوي مصطلح ” الأرقاء والأرقاء السابقين ” هو فهم خاطئ واصطلاح باطل ، وعلي هذا الأساس فإني أضع هذه الأسئلة : فهؤلاء العرب السمر الناطقين بالعربية وسكناهم من آخر ولاية كيدماغة جنوبا إلي انجاكو شمالا ومن غرب موريتانيا إلي شرقها حتى فصاله كل شخص لونه أسود معناه أن سبق له أن استرق ؟ فهل هو يقول أنه سبق أن استرق ؟ وإذا كان استرق فمن استرقه ؟ .
أما الإضافة إلي القبائل فهي لا تعني إضافة استرقاق ، فكم من إضافة لا تعني إلا ما يعنيه الانتساب للقبيلة مثل : ” شرفة الفلانيين أو زواياهم إلي آخره” ، فكل أٌقلية أو شريحة تضاف إلي قبيلتها وكذا القبائل القليلة في جهة تضاف لتلك الجهة .
فأنا أقترح علي الدولة أن تعين نشطاء من الشباب ومن كل لون وكل لغة ويفتحوا سجلا ليهلك فيه من هلك عن بينة ، ويقفون عند كل شبر من أرض الوطن مثل إحصاء الانتخابات بالضبط الذي لا يستغرق إلا شهرا واحد ، وكل أحد يسألونه : هل سبق أن استرقك أحد ؟ وهل سبق لك أنت أن استرققت أحدا ؟ وعندما ينتهي الإحصاء تنظر نتيجة عدد السود الذين سبق أن استرقوا والذين لم يسبق عليهم استرقاق ، فسيكون عدد الذين استرقوا من السود البيظان لا يصل إلي 5% من سود البيظان الذين لم يسترقوا ، فكلمة حرطاني بالرغم من أنها أصبحت اصطلاحا لكل لون أسود يتكلم العربية كلغة أم ، إلا أن معناها لا يحمل أسبقية الاسترقاق ، فالمؤرخون مجمعون علي أن كلمة حرطاني مشتقة أًصلا من تحريف اصطلاح كلمة ” حرضان ” أي الهجين المولود من اختلاف لون الأم والأب وهي لغة الصحراء الليبية .
فقد حان للحكومة الموريتانية والشعب الموريتاني أن يقوموا بإجراء سلمي مدني يميزوا فيه بين التاجر باللون والمصطلحات وأسماء الهيئات ، وليس في قلبه إل ولا ذمة للآخرين مهما كانوا مواطنين سلميين وبين من جعل الله تكوين عجينتهم خالصة نقية صالحة لقيادة مجتمع مسلم عاطفي يحب الخير ويتسابق إلي فعله كله بدون أي خصوصية وهم دعاة الحرية في البيظان الأصلاء في تفكيرهم ونزاهة نواياهم.
فعلي الدولة أن تقوم هي نفسها بهذا النوع من التفتيش ووضع النقاط علي الحروف ، فمعارضة الدولة لا يصل اعتدالها إلي الاهتمام بالبحث عن الوئام وخلق روح المحبة والانسجام بين المواطنين ، فقد استيقظت من بداوتها علي أن الدولة لص تجب مطاردته وكل من يشارك في هذه المطاردة فهو الخل الوفي ، وزيد علي ذلك الآن طلب الانتفاع المباشر ، والدليل علي ذلك أن بعض المثقفين وبعض القامات التي لا يجوز التطاول معها تقول وتصرح ببساطة أن : “هناك ظلما متيقنا تجب إزالته “، وعندما يكون هناك ظلم معناه هناك ظالم من غير تحديد الظلم ولا الظالم ولا المظلوم ، وأول قاعدة منطقية تقول : أن الحكم علي الشيء فرع عن تصوره ، وهذا يعني أنه لا يرجي من أي معارضة أن تقف في وجه الدعوة السيئة التي تفرق الجسد الواحد وتتركه حيا ، فأغلب المعارضة رضعت معارضتها من غير ثدي إسلامي الذي لا ينفذ قوله تعالي : (( ولا يجرمنكم شنآن قوم علي أن لا تعدلوا اعدلوا هو أٌقرب للتقوي )) ، ومن قصور فكر أصحاب تلك الدعوة المفرقة هو طلبهم التساوي في التعيين ساعة التعيين ولو من غير الاعتماد علي الكفاءة ، فمن أين جاءت فكرة أن كل بيظاني لونه أبيض يكون فئة ، وأن كل أسود يكون فئة بمعني فئتين متقابلتين وكل تعيين لشخص ينتفع به أشخاص الفئة ؟
فمثلا إذا عين بيظاني من باسكنو وزيرا فماذا يعني تعيين ذلك لبيظاني في كرمسين ؟ بخلاف إذا عين حرطاني في روصو فإن جميع بيظان كرمسين سيتسابقون لتهنئته لأنه لا بد أن يكون بينه معهم معرفة أو قرابة وهذا مثال ينبغي تعميمه ، ومثل ذلك التعيين في الرتب إلي آخره .
وخلاصة هذا المقال أنه علي الدولة وبسرعة أن تعين لجنة تشتمل علي مثقفين مخولين استدعاء كل من صدر منه مقالا أو دعوة متطرفة – وسيكونون أقلة – لتحاصره بحقيقة وحدة هذا الشعب وإلي الأبد بإذن الله ، ولو أدي ذلك إلي عزل هذه المجموعة المتطرفة ولو مدة إعطاء دروس مفهومة من الوطنية والتعاون والمحبة والأخوة الإسلامية ، فعلي هذه اللجنة أن تستعين بعباقرة دعاة من جماعة “الدعوة والتبليغ ” من جميع الألوان حتى يسمعوا منهم كلاما من القلب واصلا إلي القلب المأخوذ من قوله تعالي : (( ادع إلي سبيل ربك الحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )) .