كورونا والقيم الجديدة / السيد زهره
ذكرت في مقال أمس أن وباء كورونا أشاع روحا جديدة في العالم، وأيقظ البشر على قيم ومعاني إنسانية ونبيلة تتعلق مثلا برفض الظلم وتعاون وتكاتف البشر في مواجهة المحن والمآسي المشتركة.
هذه القضية.. قضية الروح العالمية الجديدة التي ارتبطت بوباء كورونا ومآسيه..اهتم بها مفكرون وفلاسفة في الفترة الماضية وطرحوا بشأنها آراء كثيرة. أفكارهم تستحق التأمل حقا، وسنعود الى بعضها بين الحين والآخر.
من هؤلاء المؤرخ الهولندي روتخر بريخمان الذي أصدر مؤخرا كتابا بعنوان ” الجنس البشري”.
هذا المؤرخ له رأي عبر عنه في كتابات وأحاديث صحفية، جوهره أنه بسبب أزمة كورونا الحالية يحدث تحول كبير فيما يسميه ” روح العصر” وخصوصا بالنسبة للجيل الأصغر سنا، وأن الأزمة أكدت ما هو معروف عموما من أن ” ان الناس بوجه عام طيبون وليسوا أشرارا “.
ويعتبر المؤرخ الهولندي ان أهم ما ارتبط بأزمة كورونا الحالية انها ستشجع على ترسيخ وتبني قيم إيجابية جديدة بالنسبة للجيل الشاب بالذات.
من هذه القيم الإيجابية في رأيه التخلي عن ” ثقافة الأنانية”، وشيوع قيم مثل ” مساعدة الآخرين ” والتضامن مع الآخرين.. وهكذا. والشباب اليوم مثلا أصبحوا يرغبون في ممارسة وظائف تمكنهم من مساعدة الاخرين.
ويقول اننا اليوم “نمضي الى عصر من نوع جديد يتعلق أكثر بالخدمة العامة وبالتعاون والتكاتف”.
ويذكر كأحد مؤشرات هذا التحول الذي يحدث ان الحكومات نشرت قوائم بالوظائف الضرورية خلال الأزمة، واذا نظرت الى هذه القوائم ستتساءل أين المصرفيون أو خبراء التسويق.. وهكذا”. وأضاف أنه بات من الواضح أن من يقومون بالوظائف المهمة هم العاملون في الصحة والتمريض والتعليم والصحافة.
وهذه الأمر في حد ذاته، أي حقيقة ماهي الوظائف التي كشفت الأزمة ان المجتمعات اكثر حاجة اليها، قد يكون له تأثير هائل على جيل بأكمله.
يرى أيضا من الأمور الإيجابية جدا ما ارتبط بالأزمة من تراجع السفر الى الخارج، والذي من المتوقع ان يستمر حتى بعد انتهاء الوباء. الايجابي هنا في رأيه ان هذا سيجعل الناس أكثر تقديرا للقيم المحلية وأكثر ارتباطا بها.
هذا هو رأي المؤرخ الهولندي عن القيم الجديدة التي يعتقد ان أزمة كورونا اشاعتها لدى جيل الشباب.
وما يقوله صحيح الى حد كبير في الوقت الحالي، أي في وقت الأزمة.
لكن السؤال هو: هل تترسخ هذه القيم لأمد طويل بعد انتهاء الأزمة؟
الحقيقة ان هذا أمر يصعب توقعه.. يصعب الجزم بأن هذه القيم ستشيع وتترسخ في الدول والمجتمعات بعد انتهاء الأزمة.
السبب في ذلك ان شيوع وترسخ القيم في المجتمعات بشكل دائم لزمن طويل على الأقل أمر لا تصنعه الأحداث الطارئة، ولا الأزمات الكبرى مثل أزمة كورونا الحالية.
في أوقات الأزمات والمحن من الطبيعي ان تسود قيم انسانية نبيلة مثل التعاطف والتضامن والتكافل ورفض الظلم والخوف على الوطن.. وهكذا. لكن مع انتهاء الأزمة، تبدأ هذه القيم في الخفوت والتراجع مع مرور الوقت.
هناك عوامل أساسية كثيرة هي التي تحدد طبيعة القيم التي تسود في المجتمع وتترسخ في حقبة زمنية معينة.
لكن من أكبر هذه العوامل على الاطلاق طبيعة النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي السائد في المجتمع. ولهذا القيم السائدة في ظل نظام رأسمالي ينحاز الى الطبقات الغنية، تختلف بالضرورة عن القيم التي تسود في ظل نظام اشتراكي ينحاز الى الطبقات الفقيرة.
في ظل نظام لا يعرف الا قيمة الربح وجني الأموال وإثراء القلة، لا يمكن أن نتوقع سيادة قيم مثل التراحم والرحمة والعطف والتعاون والتكافل. على العكس من هذا، من المتوقع ان تعرف هذه القيم المجتمعات التي يحكمها نظام يسعى في المقام الأول الى تحقيق العدل الاجتماعي.
بالطبع، هذا شرحمبسط جدا ومختزل لقضية القيم وكيف تترسخ وتسود.
لهذا، فان السؤال الأساسي فيما يتعلق بما اذا كانت القيم الإنسانية النبيلة التي يشهدها العالم اليوم سوف تستمر أم لا هو: هل سيشهد عالم ما بعد كورونا تغيرا في طبيعة النظم السياسية في دول العالم وانحيازاتها الإجتماعية كي تصبح اكثر إنسانية أم لا؟
هذا هو السؤال.