مجرد تدوينة .هل يجوز للأحزاب السياسية ممارسة العمل الخيري أم هي مجرد جمعيات سياسية.محمد الكوري ولد العربي
كتب الأستاذ محمد الكوري والعربي علي جدار صفحته في الفيس بوك التدوينة التالية :
ليعلم من نظر فيه أنه ليس من مسؤولية الأحزاب السياسية توزيع السلات الغذائية، و لا لمغاسل و لا الصابون ؛ فهذا من الأخطاء السياسية الشائعة ، على غرار الأخطاء اللغوية التي ينتشر استخدامها بين الناس ؛ فلا يعود من الممكن تصحيحها لهم..
فهذه فرنسا ينبوع التنوير و الفكر السياسي الحديث ، و هذه أمريكا قبلة الديموقراطية و الحياة الحزبية ، و هذه أوروبا ، يجتاحها وباء فيروس كورونا ، فهل سمعتم حزبا سياسيا ، منذ أخذتم وعيكم السياسي ، يوزع سلات غذائية أو يحفر آبارا، أو يقسم أسلاكا شائكة… أو يبني كنائس ?
و تلك دولة الهند ” بؤرة” الديموقراطية و احترام حق الاختلاف في آسيا، ومهد و لحد أيقونة النضال، المهاتما غاندي، فهل سمعتم حزبا سياسيا هنديا يقوم بتقسيم السلع على فقراء الهند !
هذا الخطأ السياسي أدخلته إلى حياتنا السياسية و الحزبية أحزاب التيار الإسلاموي ، التي تبني استيراتيجتها التعبوية و الانتخابية لكسب المجتمع على ثالثة ركائز يكمل بعضها بعضا : ركيزة البعد الدعوي ( الوعظ و المحاضرات الدينية في المساجد )، ركيزة العمل الخيري ( توزيع السلع ، و بناء البنى التحتية…) و ركيزة إنشاء المؤسسات الصغيرة و المتوسطة ذات الطابع التجاري لهدفين : خلق الثروة و امتصاص البطالة في صفوف العاطلين عن العمل من غير المؤهلين.
(Personnel non qualifié )
و هذه السيتراتيجية بقدرما منحت هذه التيارات من قوة و جعلتها تفرض واقعا في الحياة السياسية ، على الأحزاب الأخرى التي لا تستطيع فيه المنافسة، يقوم على مبدأ تغليب المصلحة و المنفعة ، بدلا من القناعة الفكرية ، فقد خلق لها عامل ضعف في ذات الوقت حيال الأنظمة التي تعرف كيف تحجمها باستهداف هذه الركائز التي تعتمد اثنتان منها، على الأقل، على رأس المال، و رأس المال بطبعه جبان !
و إذن، فإنه من عدم الواقعية أن تعتقد أحزاب سياسية أن بمقدورها منافسة أحزاب هذه التيارات في مجال توزيع المساعدات المادية ، سلعا أو بنى حتية، سلات غذاء، …، باستثناء الأهلة الحمراء أو الحكومات، كما أنه ليس من مصلحة الأحزاب غير الدينية تأبيد هذا النمط من العمل السياسي في الحياة الحزبية … الذي ساهم، إلى جانب مسلكيات الأنظمة الفاسدة، في تلويث الحياة السياسية و إفساد مبدإ الاقتناع الفكري…
و ها هي الطبقة السياسية الحداثية في الوطن العربي تشهر عجزها عمليا حيال إصلاح ما أفسده تيار الإسلام السياسي في بنية الخطاب الحزبي و دور الأحزاب …
فهذه الأحزاب لم يعد أمامها إلا أن تتحول إلى بنية دعوية وعظية خيرية اقتصادية – مالية لجلب اهتمام المواطنين ، أو أن تطوي برامجها و رؤاها السياسية و الفكرية التي لا تطعم من جوع في الدنيا و لا تنجي من عذاب في ما بعد الموت !
و لكن الأسوأ ليس في تحجيم الأحزاب السياسية الحداثية في ذاته أو تفليسها خطابيا و انتخابيا ، و إنما الأسوأ هو حين تؤول السلطة و إدارة الدولة لأحزاب لا تتوفر على رؤى حديثة و كوادر دولة، و ليس مسيرو تعاضديات مالية- اقتصادية ريعية … و هذا ما تنبه إليه، نائب حركة النهضة في تونس، عبد الفتاح مورو في مداخلة حملت نفسا نقديا لتجربة الحركة ؛ و هذا هو ما كان أحد الأسباب الرئيسة ، من قبل، في فشل تجربة حركة الإخوان المسلمون في مصر، بعد توليهم للسلطة، بعد الثورة، و إدارتهم للدولة بطريقة تسيير المؤسسات التجارية و الريعية المتوسطة …