معا للتوعية ضد كورونا (4) / محمد الأمين ولد الفاضل
هذا هو المقال الرابع من سلسلة مقالات “معا للتوعية ضد كورونا”، وتأتي هذه السلسلة في إطار المساهمة في الحملة المشتركة للتوعية ضد فيروس كورونا المستجد، وهي الحملة التي كانت قد أطلقتها منذ أيام سبع جمعيات نشطة من بينها “معا للحد من حوادث السير”.
في هذا المقال سنتحدث عن حظر التجوال الذي فرضته الحكومة، وعن الإجراءات التي يجب أن تصاحبه للتخفيف من آثاره، وخاصة على مستوى الشرائح الأكثر فقرا.
بدءا لابد من القول بأن أي إجراء تتخذه الحكومة للتصدي لفيروس كورونا المستجد هو إجراء مرحب به، ومهما كانت الآثار المترتبة عليه. بل أكثر من ذلك فإن أي إجراء تتخذه الحكومة في هذا المجال سيبقى غير كاف ومتأخر، حتى ولو اعتبره البعض متسرعا وقاسيا، كما هو الحال بالنسبة لتعجيل حظر التجوال إلى الساعة السادسة مساءً.
علينا من قبل انتقاد هذه الإجراءات أن نتذكر دائما بأن هناك دولا ذات قدرات هائلة تقف اليوم عاجزة عن مواجهة فيروس كورونا، ولذا فإنه ليس أمامنا كدولة قليلة الموارد، متواضعة المنظومة الصحية، إلا أن تبالغ في اتخاذ الإجراءات الوقائية مهما كانت قسوتها، وحكومتنا لم تبالغ حتى الآن، بل على العكس من ذلك، فهي ما تزال أقرب إلى التساهل، ولولا ذلك التساهل لكانت الحدود قد أغلقت بشكل كامل منذ أكثر من أسبوع، ولكان حظر التجوال قد فرض منذ أسبوع على الأقل.
دعونا نتفق على أن كل الإجراءات الحكومية المتخذة حتى الآن ليست بالقاسية إذا ما استحضرنا حجم التهديد المتمثل في تفشي فيروس كورونا في بلد كبلدنا. ودعونا نتفق كذلك بأنه علينا حكومة وشعبا أن ندفع كلفة الوقاية من تفشي فيروس كورونا في بلادنا، وأن نتذكر دائما بأن تلك الكلفة لن تكون بسيطة.
وإذا ما اتفقنا على كل ذلك، وسلمنا به، فعندها يكون من حقنا أن نُطالب بإجراءات سريعة لصالح الشرائح الأكثر فقرا، وذلك للتخفيف من آثار حظر التجوال.
ولكن يبقى السؤال ما هي الفئات الأكثر احتياجا للتدخل؟ وكيف يمكن أن تساعد؟
إن الفئات الأكثر احتياجا للمساعدة من أجل تخفيف أعباء حظر التجوال تشمل عمال اليومية وصغار الباعة، كبائعي ومحولي الرصيد، و”بائعات كسكس”…إلخ. بالنسبة لأصحاب المطاعم والمقاهي فهؤلاء جلهم أجانب والتدخل لصالحهم ليس أولوية. أما أصحاب البقالات والمتاجر فهم موريتانيون ولكن بإمكانهم أن يتحملوا بعض الخسائر المرتبطة بحظر التجوال.
بالنسبة لبائعي الرصيد فيمكن استبعادهم، وذلك بسبب أن مبيعاتهم ستزداد خلال أيام حظر التجوال، فالمواطنون سيكثرون من الاتصال الهاتفي ومن استخدام الانترنت خلال فترة الحظر، كل ما سيتغير في هذا الشأن هو أن ذروة أوقات بيع البطاقات ستتغير، ولكن في المجمل فإن حجم المبيعات لن ينقص، بل سيزيد.
يبقى لدينا عمال اليومية وبائعات كسكس، والحقيقة أن بائعات كسكس هن الأكثر تضررا، والأكثر احتياجا للتدخل العاجل.
بعد حصر الفئات الأكثر احتياجا للتدخل، دعونا نطرح السؤال : كيف يمكن التدخل لصالح هؤلاء؟
إن التحدي الأكبر يتمثل في أنه لا توجد قاعدة بيانات يمكن من خلالها حصر بائعات كسكس، وتحديد عناوينهن لتقديم المساعدة لهن، ومن هنا تبرز أهمية وجود قاعدة بيانات دقيقة لصغار الباعة ولعمال اليومية ولغيرهم . وفي ظل غياب قاعدة بيانات فستبقى هناك صعوبة حقيقية في إيجاد وسيلة آمنة لتقديم المساعدات خلال فترة حظر التجوال للفئات الأكثر فقرا، فتقديم المساعدات بالأسلوب التقليدي ستؤدي إلى تجمهر وتزاحم كل الطامحين للاستفادة من تلك المساعدة، والتجمهر هو أمرٌ محظور في هذه الفترة، وقد يجلب من الأضرار أكثر من نفع المساعدات .
إن تدخل الحكومة لتخفيف أعباء حظر التجوال عن الفئات الأكثر فقرا هو أمرٌ ضروري وملح، كما أن التكافل بين المواطنين في أوقات الأزمات يبقى من الأمور المطلوبة، ولكن يبقى التحدي الأكبر يتمثل في إيجاد أساليب ووسائل آمنة تمكننا من مساعدة المحتاجين دون أن ندفعهم إلى التجمهر، والذي قد يجلب إليهم أضرارا أكثر من المنافع التي ستجلبها لهم المساعدات.
في المقال السابق من هذه السلسلة ألمحت إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه المساجد في هذا المجال، أما في هذا المقال فسأكتفي بالمقترح الذي قد يفيد بائعات كسكس دون غيرهن، وهو المقترح الذي يطلب من المواطنين أن يشتروا ما يحتاجونه من كسكس لوجبة العشاء قبل الساعة السادسة، وفي حالة تم تعجيل حظر التجوال من جديد، فما المانع أن يبدلوا الغداء بالعشاء والعشاء بالغداء دعما لبائعات كسكس، ولإظهار مستوى راق من التكافل الاجتماعي يجب أن يظهر مع هذه الأزمة.
إن تغييرا بسيطا في عاداتنا الغذائية خلال أيام حظر التجوال، يتم بموجبه اعتماد الكسكس التقليدي في وجبة الغذاء بدلا من العشاء، سيشكل دعما قويا لبائعات كسكس المحتاجات للدعم والمساعدة، هذا فضلا عن كونه سيشكل مظهرا راقيا من مظاهر التكافل الاجتماعي، ومن المؤكد بأننا بحاجة الآن ، أكثر من أي وقت مضى، إلى إبراز مثل تلك المظاهر.
حفظ الله موريتانيا..