توطين الخلافات هو الأولى و “بروكسل” انتهت و لا تقدر على شيء/ الدكتور محمد الراظي،،
ما لا يفهمه الكثيرون أن الإتحاد الأوروبي انتهى وأن “بروكسل” ستعود عما قريب مجرد عاصمة لمملكة هشة وضعيفه يقال لها بلجيكا وأن كل القرائن توحي أن يصدر الإعلان الرسمي لنهاية الإتحاد من باريس بمناسبة الاستحقاقات القادمة فينهار هذا الكيان الهلامي كأحجار الدومينو ولا يعود مظنة لغيظ أحد ولا يعود مشتكى يلوذ به آخر….
الاتحاد الأوروبي تأسس على قاطرتين ؛ فرنسا وألمانيا ، لا يمكن أن يقوم دونهما، دوافع الدولتين مختلفة وأهدافهما مختلفة ولكنهما وحدهما من يملك من الأسباب ما يجعله ينال النصيب الأوفر من فوائد وعوائد هذا الكيان ، فلا تعارض في الأهداف ولا تعارض في المصالح ، فرنسا دولة استعمارية كبيرة وألمانيا مصنع عالمي فائق التنافسية….
تنظر فرنسا للإتحاد الأوروبي من حيث مزاياه الإقتصادية والسياسية والعسكرية التي قد تواصل بها نفوذها داخل مستعمراتها السابقة وتعزز بها حضورها في المحافل الدولية وتدافع بها عن حقها في نقص قرارات مجلس الأمن …..
أما ألمانيا فتنظر لهذا الإتحاد من حيث المزايا الإقتصادية والمالية والنقدية على مستوى أوروبا والعالم وترى فيه دفعا قويا لهيمنتها المالية والصناعية وفي عملته الموحدة وسيلة لامتصاص القيمة المضافة المنتجة داخل بلدانه الأخرى……
كانت قرارات الإتحاد الأوروبي في المواضيع المتعلقة بالشأن الإفريقي عموما وشؤون غرب إفريقيا على وجه الخصوص، تصاغ في مختبرات باريس ولا يُأخذ بموقف حولها غير الموقف الفرنسي وهذا هو أهم ما دفع بفرنسا أن تشترك في كيان جامع لها مع ألمانيا المتقدمة عليها في الصناعة والاقتصاد ……فهل ساعد الإتحاد الأوروبي في تمدد نفوذ فرنسا أو على الأقل المحافظة على ما كان لديها منه ؟
تمزقت الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية على مرأى ومسمع من “بروكسل” فتعجلت دول أفريقية مهمة وانتفضت عن سيطرتها العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية بانقلابات عسكرية وشكلت تحالف دول الساحل( مالي والنيجر وبوركينافاسو) وتمردت “اتشاد” عليها وكانت سبقتها جمهورية “وسط افريقيا” لتمرد مماثل وتأخرت دول إفريقية وازنة ، لها مع فرنسا إرث تاريخي طويل ولا عهد لها بالإنقلابات ، فانتظرت أن يخرج من صناديق الاقتراع من يعبر عن إرادة شعوبها في التحرر من جبروت الاستعمار الفرنسي الحديث فانتخبت قيادات شابة تدرك مكر “باريس” وتملك الإرادة للتحلل من إرثها الاستعماري الكريه فأعلنت “دكار” أنها لم تعد ترحب بالقوة الفرنسية على أراضيها ؛ عبرة بالغة لمن يعتبر؛ فالوجود الفرنسي بدأ بهذه الأرض منذ منتصف القرن السابع عشر !!!!
فشل الاتحاد الأوروبي في الإبقاء على النفوذ النقدي لباريس داخل مناطق “الفرنك” الإفريقي الثلاثة رغم ربط العملة الإفريقية باليورو ، فتململت دول القارة وبدأت رحلة تحرر الصرف المحلي من قيود “لاشامليير” !!!!
هل يدرك المستنصرون ب”بروكسل” وفرنسا والاتحاد الأوروبي المحتضر أن إفريقيا توجهت شرقا لغير رجعة وأنها ربطت اقتصاداتها بالمارد الصيني في شراكات متبادلة منافعها لا اشتراطات سياسية فيها ولا أمنية وأن الديون الصينية الحميدة قد ربطت اقتصادات القارة من حيث البنى التحتية والأسواق والاستثمارات بالقرن الصيني….
وهل يدرك هؤلاء أن الوجود العسكري والأمني الروسي يتغلغل بسرعة داخل مستعمرات فرنسا الإفريقية رغم صيحاتها وهلوستها هنا وهناك ورغم كل ما تفعله في أوكرانيا وصراخها الذي يبح من دون صدى يستجدي حلفاءها الأوروبيين أن يقبلوا مظلتها النووية تلقاء دعمها في المحافل الدولية ورغم سِرْكِها المضحك للتبشير ببناء مؤسسات دفاعية مشتركة داخل أوروبا تكون صناعاتها العسكرية أساس العدة والعتاد فيها ؟
وهل يدرك هؤلاء أن أمريكا انكفأت على نفسها بعد أن أدركت أنها في شغل شاغل وهم كبير لمواجهة الصين في ميادين الصناعة والمال والتجارة والإقتصاد وأنها، بعد أن أصبح الدولار أقرب ما يكون لعملة محلية ، لم تعد قادرة على تمويل “الناتو” ولم تعد تستغني عن رسوم جمركية متوازنه مع دول الإتحاد الأوروبي…. فلم يعد لأمريكا ما تقدر أن تدعم به صناعات الغير ولا أمن الآخرين……
فهل بعد كل هذا الفشل الأوروبي المدوي في إنقاذ دولة وازنة، مؤسسة له وأحد أهم محركيه كفرنسا، قد ينتظر منه صوت قادم من بعيد نصرة في أمور، الأوروبيون قبل غيرهم وأكثر من غيرهم ، يعرفون في أدق التفاصيل، غثها من سمينها !!!!! وما الذي ما زال يخيف من هذا الاتحاد وما الذي ما تزال تقدر عليه “بروكسل” في إفريقيا !!!
لم يمت هذا الاتحاد بعدُ لكنه في سكرات موت متسارعة ولم يعد لعاصمته “بروكسل” من وزن يعتبر ولم يعد لها من صوت يُسمع بل أصبحت مجرد شاهد أن وحدة أوروبية كان يراد لها ذات يوم أن تكون لكنها، لأسباب عديدة ، لم تكن…….
توطين الخلافات أولى وأجدى من تدويلها والسابقون لرفع المظالم والنضال من أجل القضاء عليها كانوا من أرشد الناس و أكثرهم وطنية وحكمة وإخلاصا ولم تأخذهم لومة لائم في سبيل تحقيق العدل والمساواة بين الناس، رحم الله من قضى منهم وأمد في أعمار الباقين وأرشد الجميع لكلمة سواء على أرض الوطن وبين جناحيه.