أيهما أخطر علينا حين ينتصر….إيران أم الصهائنة ؟الدكتور محمد ولد الراظي
قد لا يكون في نفسى هوى لطرفين يقتتلان ولكن حين يكون لي تماس جغرافي أو بشري معهما فلا يمكن مطلقا أن لا أكون معنيا بنتيجة الحرب بينهما ولا بد أن يكون نصر أحدهما أقل خطرا عليٌَ من الآخر ……فأي الفريقين يكون انتصاره أكثر كارثية علينا من الآخر إيران أم إسرائيل ؟
ولاية الفقيه نظام ديني طائفي إمامي، الإمام معصوم عندهم من كل زلل وكل خطإ والسنة عندهم نواصب ناصبوا العداء لآل البيت وحين وصل هذا النظام للسلطة في إيران قال بتصدير ثورته وقال إن طريقه للقدس يمر بكربلاء أي عبر احتلال العراق وتغيير نظامه نحو ولاية فقيه عراقية فكانت حرب الثماني سنوات التي انتهت حين انكسر الإمام المعصوم وقال إن وقف العمليات القتالية بمثابة تجرع السم الزعاف….
سقط حكم الشاه ، دركي أمريكا في المنطقة وحليف الصهائنة المعلن وعدو العرب، لا يخفي هو ذلك ولا غيره يقدر أن ينكره وحل محله إسلام سياسي شيعي فتفجرت الطائفية في المنطقة وفي النفوس وتمزق النسيج المجتمعي العربي والإسلامي ؛ انكفأت حركة أمل ذات الطابع الإجتماعي داخل المجموعة الشيعية في لبنان وحل محلها حزب الله ذي الشحنة السياسية المذهبية الضيقة فوقع بين الطرفين قتال مرير ثم خلت الساحة لذراع ولاية الفقيه الإيرانية في لبنان بدعم من إيران….
في سوريا ساهمت ثورة إيران في انكشاف طائفية طبعة البعث الحاكم فتحول النظام نحو مَلكِيَّة شعارها البعث ووقودها التشيع العلوي النصيري ثم جاء الدور على اليمن فانشق الحوثي ودارت الحرب الأهلية في اليمن السعيد فترسخت أقدام إيران وأذرعها في المنطقة طيلة عقود من الزمن على أنقاض خراب عربي متعدد الأسباب والعناوين وانشغلت في بناء قاعدة علمية وعسكرية مستقلة رغم الحصار الخانق…..
لكن إيران أرض وشعب وحضارة وكما سقط حكمها الشاهنشاهي الخالد لقرون طويلة فلن يخلد نظام ولاية الفقيه للأبد وسيزول أو يتغير فلا ثابت في السياسة سوى أنها متغيرة والخلاف مع الشيعة الإمامية وولاية الفقيه لا يمنع التصالح والمسالمة مع قوم مسلمين فقد تسالم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نصارى المدينة ويهودها في موثق “الصحيفة” …..
الفرس والترك من أكبر الأمم التي دخلت الإسلام وتمازجت مع العرب وكانت لها أدوار كثيرة في مسيرة الدولة الاسلامية طيلة قرون وفي كل منهما اليوم حكم سياسي ديني مذهبي ، سني في تركيا وشيعي إمامي في إيران……فأي الفريقين أكثر ودا وأقرب نفعا للصهائنة ؟
الفرس أمة عظيمة وحيوية ومن أوائل الأمم التي دخلت الإسلام ولا توجد أمة اندمجت وتماهت في الثقافة العربية مثلهم ولا توجد أمة من أمم المسلمين ساهمت في إثراء المشهد الثقافي العربي والمشهد الإسلامي مثلهم وهم أول أمم المسلمين أخذت بالحرف العربي وما تزال ولا يمكن اختزال هذه الأمة في “ولاية الفقيه” ولا يمكن اختزال الشعب الإيراني متعدد الأعراق والثقافات في معممي “مشهد” و “قم” كما لم يكن ينبغي اختزال هذا الشعب في حكم شاهنشاهي دام مئات السنين ثم راح ويحاول اليوم أن يعود من خلال “الأسد الصاعد” عنوان حرب الصهائنة على إيران ، وعلاقات الشعوب أقوى من علاقات أنظمة تأتي وتزول والجغرافيا لا تخَيٍِر أحدا من يكون له جارا والجار حين تشترك معه العقيدة يكون خصما ولا يكون عدوا…
حين سأل المرحوم صدام حسين أحد تلامذة مدارس العراق في عز الحرب الإيرانية العراقية ، من هو العدو الأول أجاب الطفل إنه إيران ، رد عليه صدام حسين رحمة الله عليه : “بل عدونا الأول إسرائيل…….”
كم وقع من حروب بين ألمانيا وفرنسا ، ملايين القتلى وأنهار من دماء، رحل “هتلر” من ألمانيا ورحل “هيبرن” و”بيتينه” من فرنسا وتصالح الشعبان بعدهما وتجاوزا كل محن الماضي فكانت “برلين” و”باريس” قاطرة الإتحاد الأوروبي فتطورتا في سلام……
فما الذي يمنع العرب والفرس أن يجنحوا يوما لبناء علاقات أخوة وتشارك ؟ لقد تجاوزت العربية السعودية العقدة المذهبية فاستعادت العلاقات مع إيران وتجاوزت الكثير من أسباب الخلافات المفتعلة والمضرة بالجميع ولم يمنع الفكر الشيعي الإمامي “الرافضي” حكومة ولاية الفقيه الإيرانية من تطبيع العلاقات مع حكم سني سلفي من أشد “النواصب” ناصبية في الرياض ولم يمنعها ذلك من فعل الشيء نفسه مع سنة باكستان وأفغانستان…..فما الذي تسعى له الصهيونية من وراء عدوانها على إيران ؟ هل هو تدمير المشروع النووي الإيراني أم أن ذلك ليس سوى العنوان لتغيير النظام ؟ ولماذا تسعى إسرائيل لتغيير النظام في طهران ؟
تركيا هي ثاني دولة في العالم تساعد إسرائيل بعد أمريكا ، فهي سوق البضائع الإسرائيلية الأول وهي من تتنفس منه إسرائيل حين تتوقف مسالك التوريد وهي المورد الرئيس لماكينة التجارة والإقتصاد الإسرائيلية وهي مع ذلك إحدى أكبر الدول السنية ويحكمها حزب سياسي سني إسلامي التوجه، ظن الكثير به خيرا بادئ أمره ولكنه نحا بتركيا طريقا أسوأ بكثير من كل الذين سبقوه من أتاتركيي العسكر وهو أكثر من آذى العرب والمسلمين…..
احتلت سوريا باتفاق مع إسرائيل وتدبير محكم معها فبدأت في تمييع الهوية السورية وتحييدها من خلال تجنيد “الإيغور” ومجموعات آسيوية تركمانية داخل الجيش السوري الجديد واعتمدت حكومة الشام الجديدة اللغة التركية في المدارس في خطوة أولى نحو تتريكها لاحقا ليتحقق الحلم القومي الطوراني القديم !!!! فأي الإحتلالين أخطر ، إيراني روسي أو تركي صهيوني أمريكي !!!!!!
صحيح أن سوريا كانت في قبضة إيران بعد أن تكالب عليها الأشقاء العرب وجيشوا شذاذ الآفاق لتدمير الأرض والشعب والحضارة ولا ينكر أي منهم ما فعل بل اعترفوا به في أدق تفاصيله فخارت الدولة السورية وارتمت في أحضان إيران الفارسية الشيعية ودامت الحرب سنين فانهار النظام وأصبحت البلاد تحت الإنتداب التركي لكن ما تقدر عليه تركيا في سوريا لا تقدر عليه إيران فيها….فسوريا دولة سنية لا حدود برية لها بإيران ذات الأغلبية الشيعية بعكس ما عليه الحال مع تركيا ، حدود برية طويلة وشعب تركي غالبيته سنة وأطماع تاريخية في الأرض….
فلماذا يسكت العرب والمسلمون عن غدر أردوغان السني وحلفه الصهيوني !!!! وأيهم أكثر إيلاما للصهائنة حين يغاضب أردوغان فيتوعد نتنياهو أنه لن يخاطبه بعد اليوم أم صواريخ إيران التي تبث الرعب وتوزع الموت والدمار في كل ركن من أركان الكيان الإسرائيلي الغاصب…!!!!!!
العرب السنة هم من فتحوا أرضهم وأجواءهم لتدمير العراق الذي كان السد المنيع في وجه الطائفية الدينية التي مزقت الجسم العربي والإسلامي والعرب السنة هم من أنفق مئات المليارات ليستبدلوا احتلال إيران لسوريا باحتلال تركيا لها فأي الفريقين أقرب اليوم لإسرائيل ، إيران أم تركيا !!!! ولماذا لا نجعل من العرب أعداء بعد كل الذي فعلوا بالعراق وليبيا وسوريا والسودان واليمن وتمالئهم الفاضح مع محنة فلسطين أم أن ظلم ذوي القربى لم يعد كما كان يقال أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند !!!!!
إيران وإسرائيل اليوم في حرب مفتوحة ستنتج عنها لا محالة خارطة إقليمية جديدة ، إسرائيل وحدها من يملك السلاح النووي وإيران تعرف أنها دون امتلاك هذا السلاح لا سبيل لها لفرض وجودها وهيبتها في المنطقة ولا مكان للدولتين قويتين جنب بعض ، أعلن الصهائنة حربا على إيران كان يراد لها أن تفجر النظام من الداخل فامتصت طهران المباغتة في فترة قياسية وردت بقوة مذهلة لأن المعركة بالنسبة لها معركة وجود….
ومثل هذه الحروب لا تنتهي بالتعادل فإما أن تنتصر إسرائيل وإما أن تنتصر إيران ولكن مفهوم النصر والهزيمة يختلف من أحدهما للآخر ، فالنصر الإيراني أن تحافظ البلاد على نظام حكمها ومشروعها النووي وأن تكسر جموح إسرائيل فتخلق معها توازن رعب وأما النصر بالمنظور الإسرائيلي فلا يقل عن إسقاط النظام واستعادة الشاه لحكم آبائه الأولين….فإسرائيل تعلم أن اليورانيوم المخصب موزع على امتداد خارطة إيران الفسيحة وتدرك أن إيران ليست وحدها وأن لها قدرات معرفية هائلة لا يمكن القضاء عليها وأن السبيل الوحيد لتحقيق الحلم الإسرائيلي هو الإطاحة بالنظام من الداخل ومن أجل ذلك كان التغلغل الإستخباراتي المخيف في كل مفاصل الدولة الإيرانية….
البرنامج النووي الإيراني هو وحده العنوان الجامع للإيرانيين لأنه يعني تمكنهم من ناصية أسباب التطور والخلافات الإثنية والدينية والسياسية تكاد تتوقف حين الحديث عن الموضوع النووي وهذا ما يُصَعِّب على إسرائيل تفعيل التناقصات الكثيرة داخل المجتمع الإيراني للإطاحة بنظام “ولاية الفقيه”…فماذا لو انتصرت إسرائيل وماذا لو انتصرت إيران ؟
لو انتصرت إسرائيل ومن ورائها أمريكا وعادت الشاهنشاهية للسلطة وسيطرت على بلد كبير يتوسط العالم الإسلامي ، في شرقه أفغانستان وجنوبه الشرقي باكستان وفي شماله الغربي والشرقي أذربيجان وتركمانستان وسوريا وتركيا وغربه العراق والخليج العربي…….فكيف ستكون حال العرب ؟ وما الذي سيكون عليه حال الأردن والسعودية ومصر واليمن …….فاليمين الصهيوني لا يفتأ يُذَكر بمطالبه التاريخية في نجد والحجاز واليمن ومصر !!!!!
لو انتصرت إسرائيل ستخسر منظمة “بريكس” عضوا محوريا يتوسط جغرافية التواصل البري وطرق التبادل البيني وسيكون لذلك أثر سلبي بالغ على مشروع تأسيس النظام الدولي الجديد وستبدأ أمريكا وإسرائيل مشروع تدمير القدرة النووية الباكستانية من خلال تنصيب حكم عميل فلم تعد أمريكا بحاجة لباكستان مثلما كانت بحاجة لها أيام الغزو السوفيتي لأفغانستان….يوم قايضت دعمها ضد السوفيت بالتغاضي عن مشروعها النووي…
أما حين تفشل إسرائيل ، بلد مجهري بمساحة لا تتجاوز 22 الف كيلو متر مربع فمن سيخافها بعد ذلك وما الذي ستكون قادرة عليه في عصر المسيرات وتقنية الصواريخ و”ديمقراطية” امتلاك وسائل الفتك والتدمير ووجود قوى إقليمية قوية …سيكبو المشروع الصهيوني بتسارع كبير وسيأتي الصهائنة يتوسلون التعايش السلمي مع العرب وستكون الفرصة أكبر بكثير لبناء دولة فلسطين وتحرير الأقصى…..
ستمتلك إيران السلاح النووي ولن تكون لإسرائيل القدرة على تجييش العالم لمنع هذا البلد أو ذاك من امتلاكه ومن له أدنى بصيرة يعرف أن امتلاك السلاح النووي أصبح حاجة حياتية ملحة لا يستغني عنها بلد يسعى أن يعيش كريما.
إيران المنتصرة على إسرائيل جزء من منظومة عالمية تتشكل على أنقاض “ابروتنوودس” والدولار والأمم المتحدة وهذه المنظومة “بريكس” تتشكل حول قوى اقتصادية وعسكرية عملاقة وتضم ما يزيد على نصف المعمورة و تضم دولا عربية وازنة تتحكم في الطاقة، عصب الإقتصاد والتجارة…
من مصلحة باكستان أن تدافع عن حق إيران في التشبث بقرارها المستقل ومن مصلحة تركيا ومصر أن تدافعا عن حق إيران في امتلاك السلاح النووي لتتمكنا من الأخذ لنفسيهما بنفس الحق ومن مصلحة المسلمين عامة أن تنكسر شوكة إسرائيل ولو على يد إيران فولاية الفقيه نظام حكم وإيران أرض مسلمة وشعب مسلم وجار أبد الدهر…….. ولن ينتصر .