كتب الوزير والنائب السابق صو آبو دمبا

 

لقد عرف الترحال والتعايش ميزة للعرب والفلان، خاصة قبل وبعد الحدود الإستعمارية، نظرا إلى كونهم منمين ينتجعون لمواشيهم الماء و الكلأ، أو تجارا يحملون بضائعهم من مكان لآخر، في حين يستقر غيرهم من السكان جنوب الصحراء في قراهم مزارعين، أو صيادي سمك.
وقد نتج عن هذه الحركية و ذلك الاستقرار، اندماج ومصاهرات وتحالفات، رغم ما ينتج عن ذلك الاحتكاك من نزاعات من حين لآخر.
و منذ منتصف التسعينات، نظرا لفشل أغلب حكومات البلدان جنوب الصحراء في وضع برامج تحارب الفساد، وتعود بالنفع على المواطنين، بدأ مواطنوها في الهجرة شمالا إلى أوروبا سعيا وراء الكسب و تحسين ظروف الحياة، وإن كانت هذه الهجرة حلا لمشكل اليد العاملة في تلك البلاد في مرحلة الطفرة و الازدهار، فقد أصبحت عبئا بعد تراجع النمو وتمدد الإرهاب والجريمة العابرة للحدود. لذا سارعت دول الاتحاد الأوروبي إلى تمويل و تشجيع برامج في إطار التعاون الثنائي لإبقاء شباب الدول الإفريقية في مواطينهم، مع التشديد على مراقبة حدودهم، والتحكم في أعداد و نوعية الوافدين إليهم.
ومع فشل تلك البرامج، و تفشى الأزمات، و تنامي الصراعات المسلحة، إرتفعت وتيرة الهجرة، وصارت دول الشمال الإفريقي ممرا، و مستقرا ولو إلى حين، لموجات من المهاجرين الساعين إلى بلوغ الضفة الأخرى من المتوسط، مهما كانت التضحيات. وقد اتخذت حكومة بلادنا سياسة
متبصرة تأخذ في الحسبان استشراف عهد يتميز بالتفاؤل ومرده على الأمن والاستقرار ومستقبل البلاد. مما يحتم وضع سياسة أمنية متبصرة، و حكامة رشيدة متنورة، ومسار ديمقراطي تشاركي، فدعت إلى تقييد الأجانب وتشريع إقامتهم منذ ٢٠٢٢، و الدعوة لحوار وطني شامل يجسر الهوة ويوحد الصف.
غير أن حجم تدفق المهاجرين، وانعكاساته على الأمن والعلاقات الأخوية التي تربط بلادنا بدول المصدر، لم تأخذ في الحسبان، مما ترتب عنه إعادة تقييم و تصويب لتلك العلاقات.
اليوم، و قد تبدي ما خفي دوليا و محليا، فإنه على قيادتنا الحكيمة أخذ زمام المبادرة و تصويب الاخطاء، درءا لما قد يترتب من مفاسد على مستقبل البلاد و انسجامها الداخلي.
حفظ الله موريتانيا من كيد الكائدين، وحسد الحاسدين وعبث العابثين.