الهجرة السرية إلى موريتانيا .. و دوافع المدافعين عنها !/ الأستاذ. محمد الكوري العربي
● ليس حديثنا اليوم عن الهجرة القانونية؛ فهذه معلومة بشروطها الدولية و فوائدها الوطنية ، و ليس حديثا بدافع إغلاق البلاد على ذاتها، فتلك دعاية سمجة و غبية، كما دأب المرجفون على الكذب علينا في هذا الموضوع، إنما نتحدث عن واقع خطير أمنيا و اقتصاديا و دينيا و اجتماعيا تتسبب فيه فوضى دخول المهاجرين، بالآلاف شهريا، إلى البلاد، و تجد طوابير من الموريتانيين يدفعون لتركها على نحو ما هو قائم!
● و بمنتهى الصراحة ، ينقسم أصحاب الرأي المؤيد لإغراق موريتانيا بالهجرة غير الشرعية، بصرف النظر عن اللبوس المخادع المستخدم من قبل بعضهم في هذا الموقف لتثبيط و إعاقة جهود ضبط حدود البلاد ، إلى أربع فئات: فئة ساذجة لا تدرك الخطورة الأمنية و الاقتصادية و الصحية و العقدية و الديموغرافية لهذا التدفق الهائل غير القانوني للمهاجرين على البلاد و تتعامل مع الموضوع بسطحية في غياب الوعي الضروري لمقتضيات قدرة البلد في الاستيعاب للمهاجرين، أمنيا و اقتصاديا و اجتماعيا و صحيا و معتقدا، ، على غرار ما هو متبع في جميع دول العالم، التي تستقبل تدفقا مماثلا للمهاجرين. و هذه الفئة، لا علاقة لها بالتآمر، في رأيي، إنما موقفها سيئة من سيئات تدهور المنظومة التربوية و التعليمية في بلدنا و انهيار مستوى الوعي و الإدراك على امتداد ثلاثة عقود؛ فضلا عن فئة منبثقة عن الفئة الأولى تخلقت من ارتدادات تفشي الفساد الرسمي و انعكاسه على معنويات و ولاء كثير من الشباب للوطن. فكثير من الشباب الموريتانيين فقدوا الإحساس بأن لهم وطنا و أنهم مواطنون لكثرة ما تعرضوا فيه للتهميش الاقتصادي و الإهانة المعنوية على أيدي ” تحالف المفسدين” من الحكام و أوليائهم. فأغلب هؤلاء الشباب لا يتحرجون من المجاهرة بأن بلدهم لا يمثل لهم شيئا متميزا عن أي نقطة من العالم؛ بل يعتبرون أن قيمتهم الإنسانية مصانة في أوروبا و أمريكا بينما تتعرض للهدر والامتهان في وطنهم؛ و إذن لا معنى لأي ارتباط لهم بهذه الأرض و لا بالدفاع عنها في وجه أي خطر، سواء كان هجرة أو غزوا عسكريا أجنبيا… على اعتبار أن الدفاع، في هذه الحالة ،هو دفاع عن العصابة الحاكمة و من يستفيدون من ريع فسادها! أغلب هؤلاء اضطروا للهجرة من وطنهم إلى أرجاء العالم بحثا عن ملاذ آمن للكرامة في المهاجر و لتأمين لقمة عيش كريم، حيث يسود القانون وحده على الجميع. فأنا، هنا، لست ممن يفسر موقفهم المدافع عن الهجرة غير القانونية إلى بلدهم بأن مرده واقع هجرتهم ،هم، في دول أخرى. ذلك تأويل محتمل فقط في سياق تبديل وثيقة إقامة مؤقتة بوطن . إن بعض الأصوات، من شبابنا المهاجر، المناوئة للوقوف في وجه طوفان الهجرة السرية على بلادنا ليس شيئا آخر غير النكاية بالنظام و الفاسدين في كنفه. و هذا، في كل الأحوال، موقف قاصر غير عقلاني و ردة فعل انتقامية لا صلة لها بالنبل و لا بالوطنية… برغم التفهم لحجم المرارة و طغيان اليأس.
● و هناك فئة (ثالثة و رابعة ) سياسيتان واعيتان بمقصدهما و أهدافهما ؛ و إن اختلفتا في الغايات النهائية من كيدهما، فإنهما تتفقان مرحليا في التكتيكات: أما الفئة الأولى فمجموعة افلام العنصرية التي تبني استراتيجيتها ” النضالية” العنصرية على عامل البشرة السوداء ، و تعتبر أن السود يجب أن يتحدوا ،تحت عنوان اللون، لتغليب سوادهم ، عدديا، على المجموعة البيضاء ( العرب) في موريتانيا و دفعها للخروج من البلاد باعتبارهم غزاة تاريخيين لها! و من الطبيعي أن تقف حركة افلام و المؤيدون لإديولوجيتها ضد كل إجراءات التقنين لدخول المهاجرين السود من إفريقيا جنوب الصحراء إلى موريتانيا، طالما أنها تعمل بأجندة لونية عنصرية ضد لون العرب البيض! و ضمن منطق هذا الصراع اللوني العنصري تشتغل الحركة ، منذ نهاية أحداث 1989، على فصل لحراطين، على أساس اللون ،عن انتمائهم الثقافي و اللغوي و التاريخي و عمقهم المجتمعي العربي، و ضمهم للدعاية العنصرية ضد العرب، باتجاه تجميع العناصر الإيجابية لفصل منطقة جنوب البلاد عن شمالها تحت مسميات تنموية و تقطيعات إدارية … و قد تمكنت حركة افلام ، فعلا، لحد الآن، من إدراج بعض العناصر المحدودين من لحراطين في هذه الإديولوجيا اللونية ، ليس اقتناعا من المكتتبين بسلامة و اتساق المبدأ مع القيم الإنسانية و التاريخية ، و إنما ردة فعل أيضا على منظومة الغباء و الفساد الحاكمة ب”اسم البيضان- العرب” !
● ثمة فئة ثانية تشتغل، بوعي مقلوب، في ذات الاتجاه بالضد من العرب، في كل أقطارهم، هي مجموعة الإخوان المسلمون، الذين يعتلون كل موجة معادية لهم، خاصة في ما يتعلق بطمس كل معالم الثقافة و اللغة و الانتماء القومي العربي لموريتانيا. و لا يوجد، بالنسبة لهم خصوصا في هذه الظرفية القاسية على العرب عموما، عامل أكثر فاعلية في طمس ملامح الوجود العربي لموريتانيا من عامل إغراقها بموجات الهجرة السرية ( غير القانونية) ، بلغات أصحابها و لهجاتهم و عاداتهم و سلوكياتهم و معتقداتهم و خلفياتهم الجرمية المختلفة اختلاف أوراق غابات إفريقيا . و إذا كانت حركة افلام تعتمد اللونية حاملا للدعاية العنصرية و تمييع الطابع الثقافي و اللغوي العربي في موريتانيا، و لهذا الغرض تنفتح ثوريا على موجات الهجرة من حدود البلاد الجنوبية، فإن عناصر الإخوان المسلمون يعتمدون في تمييعهم للوجود العربي على حامل (عالمية العقيدة الدينية) التي لا تعترف بالحدود و لا بالهوية الثقافية و الحضارية للشعوب! و بقدرما سيلعب صاحب افلام على عامل الوحدة في اللون مع المهاجرين، فسيلعب الإخواني معهم على عامل التبشير بالعقيدة الحركية للدين الإسلامي مع الإغراءات المالية للمحتاجين منهم، و على قدر توسع صاحب افلام باسم اللون ، شمالا، سيتوسع الإخواني بعنوان نشر العقيدة الحركية الإسلامية، عبر الجمعيات الخيرية و الدعوية ، في الوافدين الجدد من غير المسلمين، أو من ضعيفي التكوين الديني، جنوبا. إن خريطة سكان العاصمة، خاصة بعد أحداث 1989، توضح مسار هذا الغزو المنظم للمهاجرين من سكان جنوب الصحراء ، و تكشف الجهات( داخل البلاد) ، التي تمده بالغطاء السياسي و العباءة الحركية الدينية. إذ لا يخطئ أي مقيم ،في العاصمة نواكشوط، ملاحظة أنه كلما اشتد ضغط هذا الغزو السري للمهاجرين من الجنوب ، كلما نزح السكان الأصليون إلى الشمال ، كلما انتشرت حاملات العباءات الدينية السوداء في الأماكن التي أخلاها النازحون، إما شراء للمنازل أو إيجارا لها … مما يؤكد أنه اذا استمر البلد على وتيرة النهب الممنهج لثرواته من قبل حكامه و حلفائهم ، و تواصل غزو الهجرة السرية- بهذه الوتيرة الجنونية ، بالدعاية العنصرية من جهة، و بالتبشير بالدين الحركي ، من جهة أخرى،- في غياب أي استيراتيجية وطنية شاملة و بنفس طويل لإيقافه و تعبئة مجتمعية مكثفة للسكان، أمنيا و اقتصاديا، على الثبات في أماكنهم كمقاومة صامتة له، فإن العاصمتين السياسية و الاقتصادية، نواكشوط و انواذيب، قد تفرغان كليا ، و قريبا، من سكانهما الأصليين، هجرة منهما، و تسقطان، بواقع الحال، من سلطة الدولة، في أي لحظة يخطط لها داخليا أو خارجيا، في سياق تحالف ضمني ، عدمي، لا يجمع بينه إلا الرغبة المسكونة بالجنون لطمس الوجود العربي في موريتانيا و إدخالها في دوامة الفوضى و المصير المجهول !