رؤية حزب الاصلاح… التعليــم

 

يرتبط التعليم جدليا في جميع مشمولاته من لغة وثقافة وأخلاق وتربية، بالهوية الحضارية للأمة، فالمهام الكبرى للتعليم تتجاوز حدود الإطار الكلاسيكي للآلية التقنية لتحصيل المعارف والمهارات ذات المحتوى المحايد إلى ترجمة الموروث التاريخي عبر مناهج مُوجَّهة تعكس خصوصية الأمة وتنمي الشعور بالتراث المشترك لكل الأفراد في المجتمع، إلى جانب التبشير بالقيم المدنية والعصرية التي لا تتناقض مع الخصوصية الثقافية والاجتماعية والدينية لمجتمعنا.

من منظور هذا الطرح يتبوأ موضوع التعليم مكان الصدارة في عداد الاهتمام لدى حزب الإصلاح الذي يرى أن الجهل وضعف الوعي الذاتي هما أكبر خطر يمكن أن يحدق بهذا البلد وتسيير خريج التعليم المتدني للشأن العام أقرب إلى المفسدة منه إلى المصلحة فالتعليم كما قال مالكوم ماكس هو جواز السفر إلى المستقبل بل “يعتبر خط الدفاع الأول في مواجهة التحديات، وقد أصبح تطويره حلما متجددا من أحلام الشعوب”، إضافة لكونه أحد أهم أسس مقومات الوحدة الوطنية، فالارتباط قائم بينهما على نحو يكون معه إهمال أحدهما في مقابل الآخر مخلا وقد لا يحقق الغرض من كليهما، فالطابع القومي للتعليم لا ينعكس بالضرورة إلا من خلال التناغم مع أهداف التربية الوطنية في تجسيد اللحمة و الإيمان بالتعايش المشترك ووحدة المصير.

ولا يخفى أن الرؤية التمحيصية للتعليم ينبغي أن تُطل من زاويتين

الأولى: تقييم المستوى من الناحية النظرية والفنية

الثانية: ترصد مدى الصلة بين محتوى التعليم التربوي وترجمة الموروث التاريخي في إطار الهوية والوحدة الوطنية.

لقد ظل هاجس إصلاح التعليم يراود الأنظمة، بيد أنه في إصلاح 1966 و1973 لم يكن الباعث مهنيا بحتا، وسرعان ما تبين أن الأرضية في 1966 غير مهيأة، لذلك فبمجرد زيادة ساعتين (عربية، تربية) اندلع عصيان وحصل تمرد في البرلمان بقيادة رئيسه، وتمرد في الحكومة بقيادة وزير الدفاع، وكانت حصيلة ذلك سبعة قتلى، وفي 73 لم تستطع الحكومة -لذات الاسباب-تحقيق المأمول الأمثل على صعيد تعريب المناهج.  ورغم ذلك ظل المستوى الفني للتعليم جيدا.

وفي إصلاح 1979 كان هاجس التعريب حاضرا، مع عيوب الابقاء على (فرنسة الإدارة)، غير أن إقرار (الازدواجية) خلق جيلين متنافرين ثقافيا، فأضر بالوحدة الوطنية ولم يخدم التعريب، كما أن ذلك الإصلاح قد مهّد على الصعيد الفني إلى تردي مستوى التعليم وتخبط سياساته ولا زلنا نعيش نتائج تلك الحالة.

ولم يضف إصلاح 1999 سوى إعادة الاعتبار للغة الفرنسية. ولعل التربويين يجمعون على أنه الأسوأ في تاريخ البلد.

وإن كان القاسم المشترك بين إصلاحات الماضي هو الإخفاق في بعض والقصور في بعض، فإن الإصلاح المتضمن في القانون التوجيهي الجديد حسب ذوي الاختصاص لم يتجاوز عيوب الإصلاحات السابقة بكثير ففي ظله ظلت المدرسة عاجزة عن الاضطلاع بدورها، تحت وطأة الإشكالات المزمنة المتصلة بجوانب تربوية منها:

– العجز عن حل التناقض بين الازدواجية والتعريب.

– النقص في تحديث مضامين المقررات العلمية، (سد الطريق أمام جيل المعرفة).

– الارتباك في التعامل مع اللغات الأجنبية كأداة انفتاح.

لهذه الأسباب نرى أن القانون التوجيهي بحاجة إلى مراجعة تأخذ في الاعتبار ضرورة الحسم فيما يتعلق باللغة العربية لجعلها (تربويا) لغة تدريس في جميع المراحل في غالبية التخصصات، وتهيئتها لأن تصبح (اجتماعيا) لغة تواصل، وتكييف العمل الإداري للمواءمة معها، وتطوير المناهج سعيا إلى الالتحاق بالركب العلمي العالمي، وبصورة تدريجية تحسين القدرات التربوية والفنية والمادية للمدرسين للتمكن من استيعاب المادة العلمية وإيصالها باللغة العربية مع الأخذ بالمقترحات التالية:

1-الإصلاح الإداري في وزارة التعليم، وإعادة النظر في هيكلة القطاعات واختصاصاتها، وتحديثها.

2-رفع الكفاءة الداخلية لنظام التعليم (في كل مكوناته من مدخلات أو عمليات أو مخرجات).

3-التركيز على نتائج الأداء وبناء مؤشرات يمكن قياسها كمياً، للارتقاء بالأداء التعليمي.

4-إنشاء مركز وطني للتقييم وتحسين الأداء والمتابعة والتقويم.

5-رفع أجـور القائمين بالعملية التربوية.