هل تسعى الاستراتيجية الأمريكية لتكرار السيناريو الأفغاني في سوريا بعد نجاح سياستها في إسقاط نظام الأسد؟عصام هيطلاني
ـ مرت أربعة عشر عامًا منذ بداية الثورة السورية وحتى سقوط النظام البائد ، ورغم ذلك ، لم تتمكن القوى السياسية والفصائل الثورية خلال هذه المرحلة من تشكيل جسم عسكري موحد أو تنسيق سياسي مشترك، يعكس تطلعات ووحدة الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه.
ـ ورغم الاتفاق بين هذه القوى على هدف واحد منذ بداية الثورة ، وهو إسقاط نظام الأسد المخلوع ، إلا أن الفصائل الثورية فشلت في إيجاد أرضية مشتركة تقود إلى توافق أو اتفاق واضح حول كيفية تحرير سوريا من جهة، وكيفية بناء وقيادة الدولة السورية الجديدة بعد إسقاط النظام من جهة أخرى.
ـ هذا التفاوت الكبير في الرؤى والأهداف بين القوى والفصائل ، التي تختلف إيديولوجيًا وفكريًا وعقائديًا ، كان نتيجة لتباين المصالح والمبادئ والتوجهات ، فضلاً عن الارتباطات الإقليمية والدولية المختلفة.
ـ لقد سمح هذا الأنقسام و التشرذم الداخلي للقوى الخارجية ، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ، بالتدخل المباشر في الشأن السوري ، ورسم السيناريو السياسي وتحديد وتوزيع الأدوار بين اللاعبين في المشهد السوري ، وذلك منذ بداية الثورة وحتى مرحلة ما بعد التحرير.
ـ إن قراءة المواقف الأمريكية منذ بداية الثورة.. تكشف عن الأبعاد الاستراتيجية الحقيقية التي تتجاوز المرحلة السياسية التي تمثلت في إسقاط نظام الأسد. ـ ففي الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تدعم القوى السياسية السورية بشكل مباشر وظاهري على الساحة الدولية، سمحت أيضًا لوكلائها الإقليميين بتقديم كافة أنواع الدعم للفصائل العسكرية الثورية في الداخل السوري.
ـ لكن هذا الدعم الأمريكي لم يكن ناتجًا عن جوانب إنسانية أو دوافع أخلاقية ، بل كان يخفي وراءه هدفًا استراتيجيًا عميقًا… تجلى هذا الهدف في تعميق الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي .. حتى بعد مرحلة الإطاحة بالأسد المخلوع ، وذلك من خلال التلويح و التلاعب برفع العقوبات الجزئي والمحدود والمشروط ، إضافة إلى خلق ظروف ترسخ الانقسامات والمعاناة اليومية للمواطنين السوريين.
ـ هذه الظروف كانت كافية لتعقيد المشهد السوري بشكل أعمق وأخطر ، مما يسهم في دفع الأقليات لتبني فكرة المطالبة بالانفصال عن سوريا من جهة ، وإيقاع الفصائل المتناحرة في فخ الاقتتال الداخلي الدموي من جهة أخرى ، بهدف منع خروج أي عنصر من الفصائل التي تصنفها أمريكا على لائحة “التطرف والإرهاب” من سوريا مجددًا
ـ إذا كان الحديث عن السياسة الأمريكية في سوريا يركز على إسقاط الأسد ، فإن الاستراتيجية الأمريكية أظهرت بوضوح رغبتها في تحويل سوريا إلى دولة مقيدة وفاشلة ، حيث تهدف إلى إحداث المزيد من الضغوط والفوضى والانقسامات. ـ وفي هذا السياق ، يمكن الاستناد إلى المثال الأفغاني كمقارنة تاريخية تُظهر الأبعاد الاستراتيجية الأمريكية.
ـ ففي أفغانستان ، كان الهدف المعلن للسياسة الأمريكية هو طرد قوات الاتحاد السوفياتي ومنع تمدده نحو المنطقة الخليجية. ولكن الاستراتيجية الأمريكية كانت أبعد من ذلك بكثير، حيث كانت تستهدف إشعال الصراعات الداخلية والاقتتال بين الفصائل الأفغانية المختلفة ، بما في ذلك تصفية المجاهدين العرب الذين قامت الولايات المتحدة بتدريبهم وتسليحهم في وقت سابق ، تحت ذريعة منع انتشار الفكر الجهادي السلفي الذي قد يشكل تهديدًا عسكريًا مستقبليًا للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
ـ بعد انسحاب السوفيات من أفغانستان ، خلقت أمريكا صراعات دموية بين الفصائل الأفغانية المتناحرة، مما أدى إلى وصول طالبان إلى الحكم.
ـ وبعد ذلك .. اختلقت الولايات المتحدة الذرائع والحجج التي أدت في النهاية إلى احتلال أفغانستان بشكل مباشر.
ـ خلال فترة الاحتلال، لم تشهد أفغانستان أي استقرار أو تطور، بل تحولت إلى ساحة مفتوحة للصراعات ، لتصبح دولة مشلولة وفقيرة ، غارقة في صراعات داخلية وفتن عرقية وطائفية.
من هنا .. يمكن الربط بين السياسة والاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان وسوريا على النحو التالي:
ـ طرد القوات الأجنبية.
ـ زعزعة الاستقرار.
ـ تعزيز الانقسامات الداخلية.
ـ إشعال صراعات دموية تمنع خروج العناصر الأجنبية (المجاهدين غير السوريين) من سوريا.
ـ خلق صدامات بين الشعب والسلطة، مما يمنع أي احتمالية لبناء دولة مستقرة وقوية في المنطقة.
ـ هذه العوامل وغيرها تتشابه في كلا البلدين، حيث تهدف إلى إضعاف الدولة وتقويض قدرتها على النهوض، وهو ما يصب في تحقيق أهداف استراتيجية طويلة المدى للولايات المتحدة في تعزيز مصالحها ونفوذها في المنطقة.
وفي النهاية
ـ لا شك أننا نؤمن بالنوايا الطيبة للسلطة الجديدة في سوريا ، إلا أن فهم أبعاد خطاب “الود” الذي ترسله الولايات المتحدة يتطلب قراءة شاملة وواعية للواقع السوري المعقد. ـ فالولايات المتحدة تسعى لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، بغض النظر عن الدمار والتشريد والظلم الذي تلحقه بالشعوب التواقة إلى الحرية والتغيير.
ـ هي تعمل على توظيف مصالح الآخرين لخدمة استراتيجياتها بعيدة المدى ، وعند تحقيق أهدافها ، تحول مصالحهم إلى خسائر فادحة على جميع الأصعدة؛ الشعبية، الاقتصادية والعسكرية.
ولهذا السبب .. تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على خلق ظروف من الفوضى والانقسامات الداخلية ، بهدف إضعاف الدول وتقسيمها.
ـ إنهل تسعى الاستراتيجية الأمريكية لتكرار السيناريو الأفغاني في سوريا بعد نجاح سياستها في إسقاط نظام الأسد؟
عصام هيطلاني
عصام هيطلاني
ـ مرت أربعة عشر عامًا منذ بداية الثورة السورية وحتى سقوط النظام البائد ، ورغم ذلك ، لم تتمكن القوى السياسية والفصائل الثورية خلال هذه المرحلة من تشكيل جسم عسكري موحد أو تنسيق سياسي مشترك، يعكس تطلعات ووحدة الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه.
ـ ورغم الاتفاق بين هذه القوى على هدف واحد منذ بداية الثورة ، وهو إسقاط نظام الأسد المخلوع ، إلا أن الفصائل الثورية فشلت في إيجاد أرضية مشتركة تقود إلى توافق أو اتفاق واضح حول كيفية تحرير سوريا من جهة، وكيفية بناء وقيادة الدولة السورية الجديدة بعد إسقاط النظام من جهة أخرى.
ـ هذا التفاوت الكبير في الرؤى والأهداف بين القوى والفصائل ، التي تختلف إيديولوجيًا وفكريًا وعقائديًا ، كان نتيجة لتباين المصالح والمبادئ والتوجهات ، فضلاً عن الارتباطات الإقليمية والدولية المختلفة.
ـ لقد سمح هذا الأنقسام و التشرذم الداخلي للقوى الخارجية ، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ، بالتدخل المباشر في الشأن السوري ، ورسم السيناريو السياسي وتحديد وتوزيع الأدوار بين اللاعبين في المشهد السوري ، وذلك منذ بداية الثورة وحتى مرحلة ما بعد التحرير.
ـ إن قراءة المواقف الأمريكية منذ بداية الثورة.. تكشف عن الأبعاد الاستراتيجية الحقيقية التي تتجاوز المرحلة السياسية التي تمثلت في إسقاط نظام الأسد. ـ ففي الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تدعم القوى السياسية السورية بشكل مباشر وظاهري على الساحة الدولية، سمحت أيضًا لوكلائها الإقليميين بتقديم كافة أنواع الدعم للفصائل العسكرية الثورية في الداخل السوري.
ـ لكن هذا الدعم الأمريكي لم يكن ناتجًا عن جوانب إنسانية أو دوافع أخلاقية ، بل كان يخفي وراءه هدفًا استراتيجيًا عميقًا… تجلى هذا الهدف في تعميق الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي .. حتى بعد مرحلة الإطاحة بالأسد المخلوع ، وذلك من خلال التلويح و التلاعب برفع العقوبات الجزئي والمحدود والمشروط ، إضافة إلى خلق ظروف ترسخ الانقسامات والمعاناة اليومية للمواطنين السوريين.
ـ هذه الظروف كانت كافية لتعقيد المشهد السوري بشكل أعمق وأخطر ، مما يسهم في دفع الأقليات لتبني فكرة المطالبة بالانفصال عن سوريا من جهة ، وإيقاع الفصائل المتناحرة في فخ الاقتتال الداخلي الدموي من جهة أخرى ، بهدف منع خروج أي عنصر من الفصائل التي تصنفها أمريكا على لائحة “التطرف والإرهاب” من سوريا مجددًا
ـ إذا كان الحديث عن السياسة الأمريكية في سوريا يركز على إسقاط الأسد ، فإن الاستراتيجية الأمريكية أظهرت بوضوح رغبتها في تحويل سوريا إلى دولة مقيدة وفاشلة ، حيث تهدف إلى إحداث المزيد من الضغوط والفوضى والانقسامات. ـ وفي هذا السياق ، يمكن الاستناد إلى المثال الأفغاني كمقارنة تاريخية تُظهر الأبعاد الاستراتيجية الأمريكية.
ـ ففي أفغانستان ، كان الهدف المعلن للسياسة الأمريكية هو طرد قوات الاتحاد السوفياتي ومنع تمدده نحو المنطقة الخليجية. ولكن الاستراتيجية الأمريكية كانت أبعد من ذلك بكثير، حيث كانت تستهدف إشعال الصراعات الداخلية والاقتتال بين الفصائل الأفغانية المختلفة ، بما في ذلك تصفية المجاهدين العرب الذين قامت الولايات المتحدة بتدريبهم وتسليحهم في وقت سابق ، تحت ذريعة منع انتشار الفكر الجهادي السلفي الذي قد يشكل تهديدًا عسكريًا مستقبليًا للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
ـ بعد انسحاب السوفيات من أفغانستان ، خلقت أمريكا صراعات دموية بين الفصائل الأفغانية المتناحرة، مما أدى إلى وصول طالبان إلى الحكم.
ـ وبعد ذلك .. اختلقت الولايات المتحدة الذرائع والحجج التي أدت في النهاية إلى احتلال أفغانستان بشكل مباشر.
ـ خلال فترة الاحتلال، لم تشهد أفغانستان أي استقرار أو تطور، بل تحولت إلى ساحة مفتوحة للصراعات ، لتصبح دولة مشلولة وفقيرة ، غارقة في صراعات داخلية وفتن عرقية وطائفية.
من هنا .. يمكن الربط بين السياسة والاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان وسوريا على النحو التالي:
ـ طرد القوات الأجنبية.
ـ زعزعة الاستقرار.
ـ تعزيز الانقسامات الداخلية.
ـ إشعال صراعات دموية تمنع خروج العناصر الأجنبية (المجاهدين غير السوريين) من سوريا.
ـ خلق صدامات بين الشعب والسلطة، مما يمنع أي احتمالية لبناء دولة مستقرة وقوية في المنطقة.
ـ هذه العوامل وغيرها تتشابه في كلا البلدين، حيث تهدف إلى إضعاف الدولة وتقويض قدرتها على النهوض، وهو ما يصب في تحقيق أهداف استراتيجية طويلة المدى للولايات المتحدة في تعزيز مصالحها ونفوذها في المنطقة.
وفي النهاية
ـ لا شك أننا نؤمن بالنوايا الطيبة للسلطة الجديدة في سوريا ، إلا أن فهم أبعاد خطاب “الود” الذي ترسله الولايات المتحدة يتطلب قراءة شاملة وواعية للواقع السوري المعقد. ـ فالولايات المتحدة تسعى لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، بغض النظر عن الدمار والتشريد والظلم الذي تلحقه بالشعوب التواقة إلى الحرية والتغيير.
ـ هي تعمل على توظيف مصالح الآخرين لخدمة استراتيجياتها بعيدة المدى ، وعند تحقيق أهدافها ، تحول مصالحهم إلى خسائر فادحة على جميع الأصعدة؛ الشعبية، الاقتصادية والعسكرية.
ولهذا السبب .. تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على خلق ظروف من الفوضى والانقسامات الداخلية ، بهدف إضعاف الدول وتقسيمها.
ـ إن الحالة السورية ليست استثناءً ، بل تتماشى مع هذه الاستراتيجية الأمريكية التي تسعى إلى تقسيم سوريا وإضعاف المنطقة ككل، بهدف تعزيز نفوذ إسرائيل في الشرق الأوسط.
ـ إن المشهد السوري للأسف يثير القلق، حيث يعاني الشعب السوري من قسوة الحياة اليومية في ظل فقدان الاستقرار الأمني والاجتماعي.
ـ وما يخشاه السوريون هو أن تطول هذه المعاناة القاسية وأن يصبحوا مجددًا ضحية لتصفية حسابات الآخرين على أرضهم ، كما أن الخوف يكمن في أن تتحول سوريا إلى ساحة مفتوحة، تتصارع فيها القوى الأجنبية لتصفية حساباتها على حساب معاناة الشعب السوري ووحدة أراضيه
ـ لذا.. يجب على الدول العربية وتركيا بشكل خاص الوقوف إلى جانب سوريا دون تردد في هذه اللحظة الحاسمة. فالتعاون العربي ـ التركي بات ضرورة ملحة لحماية سوريا من الاعتداءات الإسرائيلية السافرة، ولتقديم كافة أنواع الدعم المطلوبة لإعادة سوريا إلى عمقها العربي ودورها الإقليمي قبل فوات الأوان, الحالة السورية ليست استثناءً ، بل تتماشى مع هذه الاستراتيجية الأمريكية التي تسعى إلى تقسيم سوريا وإضعاف المنطقة ككل، بهدف تعزيز نفوذ إسرائيل في الشرق الأوسط.
ـ إن المشهد السوري للأسف يثير القلق، حيث يعاني الشعب السوري من قسوة الحياة اليومية في ظل فقدان الاستقرار الأمني والاجتماعي.
ـ وما يخشاه السوريون هو أن تطول هذه المعاناة القاسية وأن يصبحوا مجددًا ضحية لتصفية حسابات الآخرين على أرضهم ، كما أن الخوف يكمن في أن تتحول سوريا إلى ساحة مفتوحة، تتصارع فيها القوى الأجنبية لتصفية حساباتها على حساب معاناة الشعب السوري ووحدة أراضيه
ـ لذا.. يجب على الدول العربية وتركيا بشكل خاص الوقوف إلى جانب سوريا دون تردد في هذه اللحظة الحاسمة. فالتعاون العربي ـ التركي بات ضرورة ملحة لحماية سوريا من الاعتداءات الإسرائيلية السافرة، ولتقديم كافة أنواع الدعم المطلوبة لإعادة سوريا إلى عمقها العربي ودورها الإقليمي قبل فوات الأوان,