سياسة الدبلوماسية الشعبية/الدكتور الحسن ولد أعمر بلول
تنظيم فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لإفطار جماعي مع فئات متنوعة مثل الحمالة (العمالة البسيطة) والطلاب والمنتخبين (الممثلين المحليين)، إلى جانب مشاركة السيدة الأولى في سهرات المديح خلال رمضان، يحمل عدة دلالات سياسية واجتماعية وثقافية:
يهدف الإفطار المشترك إلى تجسيد الوحدة الوطنية عبر جمع فئات مختلفة (عمال، شباب، نخب سياسية، مواطنين عاديين..) حول مائدة واحدة، مما يعكس اهتمام الرئاسة باحتواء التنوع الاجتماعي والاقتصادي في موريتانيا، خاصة في ظل التحديات القبلية والطبقية والفئوية المتصاعدة.
وقد كان رئيس الجمهورية منذ توليه مقاليد الحكم حريصا على القرب من الشعب و التواصل المباشر مع الفئات المهمشة و منفتحا على هموم المواطنين اليومية، مما يعزز شرعية النظام عبر خطاب تواضع ومسؤولية اجتماعية.
وقد ترجم هذا السلوك في الممارسة السياسية بخلق بيئة ومناخ تصالح منفتح على كل الطيف السياسي حيث أغرى ذلك الكثير من المعارضين وشجعهم على الدخول في النظام أو التشاور معه على أرضية جاذبة وغير طاردة.
وكان للمسحة الأخلاقية التي أدخلها فخامة الرئيس على السياسية المحلية الدور البارز في التفاهمات التي حصلت بين الأحزاب السياسية والنظام ونتج عنها تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية عبر لجنة وطنية انتخابية متفق عليها ومناصفة بين الأغلبية والمعارضة.
وقد أطلق رئيس الجمهورية خلال الإفطار مع الأحزاب والمنتخبين مبادرة حوار سياسي شامل في محاولة لآدارة الانقسامات عبر خطاب إدماجي يطرح حلولا للتحديات الهيكلية (كالفقر والفساد والخلافات السياسية).ولعل الهدف الأسمى للمباظرة هو بناء إرث سياسي يعتمد على الحوار كبديل عن سياسات القمع أو الإقصاء.
لكن النجاح الفعلي للمبادرة مرهون بمدى تحولها من خطاب رمزي إلى إجراءات ملموسة تُترجم إلى مشاركة سياسية حقيقية، ومحاسبة للفساد، وتحقيق للعدالة الاجتماعية وتوزيع عادل للثروة الوطنية..
خلال شهر رمضان المبارك أبت السيدة الأولى الدكتورة مريم بنت محمد فاضل ولد الداه إلا أن تحضر سهرات المديح (الاحتفاء بذكرى المولد النبوي) و تُبرز التزام النخبة والنظام بقيمنا الدينية ، وهو أمر بالغ الأهمية في مجتمع محافظ مثل مجتمعنا حيث يُستخدم الخطاب الديني كأداة لتقوية اللحمة الاجتماعية وارسيخ القيم الاجتماعية التي طالما جمعت هذا المجتمع و وحدته؛
و من بين الأمور اللافتة في حفلات الإفطار إشراك الطلاب الذي يُلمح إلى محاولة كسب تأييد الجيل الشاب، الذي يشكل جزءًا كبيرًا من المجتمع الموريتاني، وذلك عبر إظهار الدعم لطموحاتهم وربطها برؤية فخامة الرئيس الذي أعلن أن هذه المأمورية الثانية هي مأمورية للشباب وبالشباب.
رمضان فرصة لتعزيز الروابط الروحية والاجتماعية ولذلك كانت حفلات الإفطار على تنوعها ترسم خطوات في إطار استراتيجية عامة لترسيخ الاستقرار ودعم الوحدة الوطنية وتقريب الرئاسة من المجتمع بل هي مبادرة تندرج ضمن سياسة “الدبلوماسية الشعبية” التي تعتمد على الرمزيات الدينية والاجتماعية لتعزيز الشرعية السياسية، مع إدارة الانطباع العام حول قيادة متدينة ومتواضعة وقريبة من هموم المواطنين، في مسعى لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والتنموي.