صباح لغة القرآن – الدكتور محمد ولد الراظي عضو قيادة الحزب المكلف بأمانة الارشاد و التوجيه الفكري
اللغة العربية خارج دائرة المساومات
لا ينبغي أن تكون قضية اللغة العربية موضوع نقاش من أي مستوي كان ولا بأية مناسبة كانت…..هذه لغة القرآن كلام الله عز وجل ولغة ناظمة لماضي أمة بأسرها بعربها وعجمها ولا يمكن التلاعب بمكانتها الدينية والثقافية……..هي لغة خصها الله بما خصها به وهي لغة الإسلام وعامة المسلمين.
ولئن كانت الكتب السماوية كلها كلام الله بنص القرآن الكريم فإن كلام الله منه ما هو ملهم كما هو حال التوراة والإنجيل والزبور (الذي لا تعرف بالضبط اللغة التي كتب بها ) ومنه ما هو منطوق كما هو حال القرآن الكريم…..
لم يرسل الله من رسول إلا بلسان قومي لكنه عز وجل خص لسان العرب بأن نطق به وأنزل به قرآنه الكريم فكان كلامه المنطوق …..وكلامه أزلي خص به آخر رسالاته السماوية رسالة باقية أبد الدهر لا بديل لها و لا ناسخ…….
كتبت التوراة أول مرة باللغة الهيروغليفية التي تعني النقوش المقدسة وهي لغة قوم موسي من المصريين القدامي ولم يعد لهذه اللغة وجود اليوم اللهم إذا استثنينا كلمات مبعثرة من العامية المصرية.
أما بالنسبة للإنجيل فقد كان المسيح عليه السلام يتحدث بالآرامية وقد كان كلام الله الموحي إليه كلاما ملهما وقد كتب الإنجيل أول مرة بهذه اللغة وبعض الأناجيل كتبت لاحقا باليونانية.
لم يعد يتحدث اللغة السريانية المتفرعة عن اللغة الآرامية سوي أربعة قري بالشام أهمها معلولا ولا يزيد عدد الناطقين بها علي العشرين ألف نسمة
وينحصر التداول داخل البيوت أو فيما بين الأهالي إذ الجميع ينطق العربية بموازاتها.
لليهود ثلاث صلوات يوميا يقرأون نصوصا من التوراة(كلام الله الملهم) وبعض الأدعية بالعبرية الحديثة التي لا علاقة لها بالنص الأول للأسفار الخمسة لأن تلك الأسفار لم تكن كلاما إلاهيا منطوقا وبالتالي لا اشتراط في التشبث بنصها الهيروغليفي الأصلي.
الصلاة عند المسيحية تختلف باختلاف الدرجات الدينية ولا تقل عن اثنتين ولا تتجاوز السبعة ولا إجماع علي ما يتلي من أدعية فيها ولا علي اللغة التي تؤدي بها رغم محورية اللغة اللاتينية التي تستمدها من مكانة الفاتيكان الدينية.
وكما هو حال التوراة فإن الإنجيل وحي ملهم وليس وحيا منطوقا مما لا يلزم أحدا من النصاري بمعرفة الآرامية التي كان ينطق بها المسيح عليه السلام…..فتصبح الصلاة ممكنة ومقبولة بلغة أي نصراني لأن لا لغة للنصرانية كما لا أخري لليهودية..
أما الصلاة في الإسلام فلا تصح إلا باللغة العربية
وما لا يتم الواجب إلا به يصبح واجبا ولا صلاة بدون القرآن والقرآن نزل بلسان عربي مبين…..
القرآن كلام الله المنطوق ولغة القرآن عربية اختارها الله لتحمل آخر رسالاته…..فاختزال اللغة العربية في أنها لغة قوم في حين أن الله عز وجل اختارها ونطق بها قد يكون فيه إثم كبير لأنه تجاوز لما اختار الله بدافع الإبتعاد عن نفر قليل من عباد الله الكثر……وقد وعد بحفظها وحفظ الدين الذي نزل بها : ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” ولأن حفظ القرآن وحفظ لغته عهد من الله اندثرت الهيروغليفية والآرامية وبقيت العربية تتسع وتنتشر…
لو أن الله سبحانه وتعالي لا يريد لهذه اللغة صبغة دينية ولا يريد للمسلمين التشبث بها ما كان ليجعل من القرآن الكريم كلامه المنطوق لا كلامه الملهم كما كان عليه الحال مع الكتب السماوية الأخري….. هذه بديهية لو تمعنها المسلم مهما كان تموقعه السياسي ومهما كانت كيمياء علاقته المجتمعية والسياسية لن يقبل أن تدفعه العواطف إلي الخطأ….. وهجر اللغة العربية خطأ كبير ومساواتها مع غيرها وتسييس العلاقة بها هو الآخر خطأ كبير……وهذا لا يتنقص من أية لغة مهما كانت ولا به تجاوز لأخري ولا أخريات وإنما تصويب للتفريق بين ما كان من الدين وما كان من السياسة.