هل نستسلم للضياع؟: السيد زهره
عرضت أمس لبعض مما طرحه تحليل مطول لباحث أمريكي عن الأوضاع العربية ومستقبل الدول العربية، والذي اعتبر ان المنطقة وصلت الى مرحلة الضياع وفقدان الأمل التام وانه لا مخرج من أزماتنا الا نحو مزيد من الانهيار.
هذا الباحث ينهي تحليله بالقول انه ليس معنى هذا ان قدر العرب النهائي هو ان يعيشوا في هذا الوضع البائس للأبد، لكن وفقا لكل التوقعات، فإن الأوضاع سوف تزداد سوءا، وستتجه المنطقة نحو مزيد من الفوضى والانهيار، وانه لا يوجد أي ضمان الآن بأنه حتى الحدود الحالية في المنطقة العربية سوف تبقى كما هي.
السؤال الان هو: كيف نقيم هذه الرؤية القاتمة؟ هل حقا وصلنا الى مرحلة الضياع الكامل وأصبحت دولنا حالة ميئوس منها؟
بداية، هناك ثلاثة أمور يجب أن نعترف بها:
1- اننا ككتاب ومواطنين عرب لا يمكن ان ننكر أن الأوضاع في المنطقة العربية قد وصلت بالفعل الى حد من البؤس والانهيار لم يكن يخطر ببالنا قبل سنوات، والصورة العامة تبدو بالفعل قاتمة جدا. دول عربية تضيع.. دول أجنبية تعيث في الأرض العربية وتفرض ارادتها وكلمتها ومصالحها.. عجز عن مواجهة التحديات والأخطار.. شعوب في دول عربية يتم الدوس على آمالها وأحلامها وتطلعاتها وتجاهل ارادتها بمنتهى القسوة والعنف.. وهكذا.
2- ان صورة المستقبل وفقا لأي قراءة أو رؤية عربية موضوعية أمينة لا يمكن ان تبدو الا صورة بائسة قاتمة تنذر بأشد الخطر على مستقبل دولنا. ليس في الأفق الكثير مما يمكن ان يدعونا للتفاؤل او تعليق الآمال.
3- ان هذا الحال الذي وصلنا اليه ليس بسبب قلة الإمكانيات والقدرات التي تمتلكها الدول العربية، وليس أمرا قدريا محتوما. هذا الحال هو بسبب غياب الإرادة العربية، وبسبب المواقف العربية الرسمية الخنوعة والمتخاذلة إزاء كثير من قضايا وأزمات الدو لالعربية.
ومع كل هذا.. مع ان الصورة تبدو قاتمة بالفعل ولا تدعو للتفاؤل، هناك دواع للأمل يجب ان نتعلق بها وتجعلنا لا نستسلم لما يرى البعض انه قدر لا مفر منه، أي الضياع الكامل.
لدينا أولا الإمكانيات والقدرات الهائلة التي تمتلكها دولنا العربية مجتمعة، وهي قدرات حضارية وتاريخية وبشرية ومادية لا حدود لها.
هذه القدرات والإمكانيات كفيلة ان استطعنا حشدها واستخدامها للدفاع عن الأمة العربية ليس فقط بتمكين دولنا من مواجهة التحديات وردع الأخطار،وانما بجعلها من القوى الكبرى في العالم.
لا ينقصنا لحشد هذه الإمكانيات سوى الإرادة السياسية العربية. وهذه الإرادة وان كانت غائبة اليوم، فليس هناك ما يحول دون ان تتجسد على ارض الواقع مستقبلا.
ولدينا مواقف شعوبنا العربية. شعوبنا رغم كل ما تعانيه لم تتخل عن احلامها في غد افضل، وفي أوطان عربية اقوى وأكثر قدرة على الدفاع عن الأمة ومستعدة لأنتضحي من أجل ذلك. ولنتأمل مثلا كفاح الشعبين العراقي واللبناني رغم كل ما يعانيان منه من اجل الوطن ومن أجل الاصلاح والتغيير نحو الأفضل، ومن اجل انهاء أوضاع متردية مأساوية.
مواقف الشعوب عامل ليس بالسهل أبدا الذي يمكن تجاوزه ببساطة في تقرير مستقبل دولنا وامتنا العربية.
ولدينا خبرات تاريخنا العربي الطويل. عبر تاريخنا، لطالما واجهنا محنا وأزمات ونكسات كبرى، لكن استطعنا تجاوزها. على سبيل المثال فقط، كانت هزيمة يونيو عام 1967 ضربة قاصمة لأحلام الأمة جعلت الكثيرين يغرقون في اليأس والإحباط والاحساس بالضياع وفقدان الأمل. لكن رغم قسوة الهزيمة سرعان ما استطاعت الأمة تجاوزها بالنصر العظيم الذي تحقق على العدو الاسرائيلي في حرب اكتوبر عام 1973
الذي نريد ان نقوله على ضوء هذه العوامل وغيرها انه رغم قتامة اوضاعنا حاليا، ليس هناك ما يدعونا الى ان نسلم بما ذهب اليه هذا الباحث الأمريكي أو غيره من ان الأمل مفقود تماما، وليس لنا من قدر الا الاستسلام والضياع.
ليس هناك ما يدعونا الى ان نستسلم للضياع.
علينا ان نتعلق بالأمل في كل الأحوال والظروف، ولسان حالنا هو ما قال الشاعر العربي:
أعلل النفس بالآمـــــال أرقبها *** ما أضيق العيش لولا فسحة الامل