كورونا وثورة العالم ضد العنصرية / السيد زهره
ليس من المبالغة القول ان العالم اليوم في حالة ثورة ضد العنصرية والتمييز العنصري.
أمس، خرجت مظاهرات حاشدة في عشرات من مدن العالم ضد العنصرية، وتضامنا مع الاحتجاجات العارمة المتواصلة في أمريكا بعد مقتل فلويد على يد الشرطة.
المثقفون والفنانون والنشطاء في العالم كله في حالة ثورة ضد العنصرية، ويعبرون عن ذلك بصور وأشكال لا حصر لها.
صفحات التواصل الاجتماعي في العالم تحولت الى منصات لشن الحرب على العنصرية والتنديد بالتمييز العنصري.
من المفهوم ان الذي فجر هذه الثورة هو مقتل المواطن الأمريكي الأسود فلويد على يد رجال الشرطة في أمريكا.
هذا وضع لم يشهده العالم من قبل على الرغم من أن العنصرية ليست جديدة، كما ان الجرائم التي ترتكبها الشرطة الأمريكية بحق السود ليست جديدة، وما مقتل فلويد على يد الشرطة سوى جريمة واحدة سبقتها عشرات، او بالأحرى مئات، الجرائم الشبيهة في السنين الطويلة الماضية.
ما هو الجديد اذن؟ لماذا فجر مقتل فلويد هذه الثورة العالمية ضد العنصرية بهذا الشكل غير المسبوق؟
هناك عوامل كثيرة تفسر هذا.
أول هذه العوامل يتعلق ببشاعة الجريمة في حد ذاتها هذه المرة.
في مرات كثيرة سابقة قتل رجال الشرطة في أمريكا مواطنين سود بإطلاق الرصاص عليهم مثلا، والقول انهم رفضوا التوقف او كانوا في وضع يشكل تهديدا.. وهكذا. أي ان القتل كان يتم تقديمه وتصويره على انه لم يكن متعمدا أو مقصودا. ومع ان هذه الأعذار لم تكن مقبولة بالطبع، لكن كان الممكن بالنسبة للبعض على الأقل التماس ولو قدر ضئيل من العذر لرجال الشرطة.
لكن قتل فلويد على يد رجال الشرطة، بالطريقة التي شهدها العالم، وبالمدة الطويلة التي استغرقتها بدت جريمة قتل عن عمد وإصرار بكل معنى الكلمة. وهي بالفعل كذلك. رجال الشرطة هؤلاء كانوا يعرفون انهم يقتلونه ويصرون على ان ينفذوا جريمتهم حتى النهاية رغم استغاثة الضحية وصراخه ” لا أستطيع ان أتنفس”.
بعبارة أخرى، قتل فلويد بهذا الشكل مثل تجسيدا دمويا لكل ميراث العنصرية في أمريكا، ولكل الأحقاد ومشاعر الكراهية التي يكنها البيض، او كثير منهم، للسود.
الأمر الآخر الذي أججح ثورة العالم ضد العنصرية يتعلق بموقف الشعب الأمريكي نفسه واحتجاجاته العارمة.
حدث كثيرا من قبل ان اندلعت مظاهرات واحتجاجات ضد العنصرية في أمريكا في مناسبات شتى. لكن هذه المرة، كانت الاحتجاجات العارمة شاملة وامتدت الى كل المدن الأمريكية تقريبا. وهذه المرة كان هناك اصرار على مواصلة الاحتجاجات، وهي ممتدة منذ نحو أسبوعين حتى الآن. والاحتجاجات ليست قصرا على السود، بل كل قطاعات ومكونات الشعب الأمريكي تقريبا مشاركة فيها.
يحدث هذا على الرغم من كل محاولات شيطنة الاحتجاجات وتصويرها على انها مجرد حركة تخريبية يقودها مخربون ارهابيون.. وهكذا.
اما العامل الثالث، وربما الأكثر أهمية، فيتعلق بالأوضاع التي يعيشها العالم كله اليوم في ظل كارثة وباء كورونا.
المسألة هنا ان وباء كورونا ومعاناة البشرية كلها في مواجهته، والثمن الفادح الذي تدفعه كل دول العالم في هذه المواجهة من الأرواح وأوجه المعاناة الاقتصادية والاجتماعية.. هذا الوباء نبه الشعوب في العالم كله الى أمور لم يكن يتم التوقف عندها في السابق.
الوباء أظهر ان البشر جميعا سواء في مواجهة المآسي والكوارث مثل كورونا التي لا تفرق بين شعب وشعب ولا دين ودين ولا بين لون ولون.
الوباء أظهر ان البشرية أحوج ما تكون لأن تكون أكثر إنسانية ورحمة، وأكثر تكاتفا وتعاونا في مواجهة المآسي والكوارث.
الوباء بعبارة أخرى أيقظ البشرية على بشاعة ان يظلم الانسان أخيه الانسان، وأن يتم اضطهاد بشر فقط لأن لونهم مختلف او دينهم مختلف.. وهكذا.
بعبارة أخرى، ما تعانيه البشر في مواجهة كورونا أظهر هذه المرة شناعة هذه الجريمة العنصرية التي شهدتها أمريكا بالقتل الوحشي لمواطن اسود بهذه الطريقة، وكيف انها تعبر عن أسوأ وافظع ما في البشر من عنصرية ومن تعصب ووحشية.
لهذا ليس من المبالغة القول ان كورونا هو بمعنى من المعاني الذي يقود ثورة العالم ضد العنصرية اليوم.
هل ستستمر هذه الروح العالمية؟ وهل تنجح في إحداث تغيير عالمي مستقبلا و جعل العالم اكثر انسانية واقل تعصبا؟
هذا موضوع مهم يستحق ان نعود اليه.