قوى التشكيك… فريسة الكورونا / الولي سيدي هيبه
وتزداد قبضة كماشة الوعي المنبثق على حين غرة من “اللاوعي” العصي خلال هذه المحنة الصحية العالمية وعلى شكل لم يخبره الموريتانيون يوما منذ قيام الدولة، لتتحرر ساحة هذا الوعي لديهم من جمود العقليات المغلولة إلى عنق الماضي بكل تناقضاته الآثمة. وكأنما يقول هذا الوعي في هذه المنعطف المولود على لسان رافضيه “كل محنة تزيد عقلا”.
نعم فجأة بدأ الشعب، الذي لا يخاف الموت، يهاب ويتقي أسباب المرض فانكب عن بكرة أبيه على النظافة من غسل اليدين الذي كان بدعا من الفعل المتكرر إلى الإحجام عن مدهما للغير وتقديمها صباح مساء من دون تعقيم أو قفاز واقي.
ولم يتوقف عند هذا الحد التغييرُ الذي أصاب العقل الآمر وتسرب إلى العقلية المتصرفة، بل تجاوزه دفعة واحدة إلى الاهتمام الشديد بالشأن الصحي عموما، وبالأوبئة وعوامل انتشارها على وجه الخصوص، حتى باتت:
ـ آذانه عالقة بجميع الإذاعات،
ـ وأعينه ثابتة على كل الشاشات،
وقد وهب أيضا لسانه لوسائل التواصل الاجتماعي ليخال فيها وبلا تردد نفسه:
ـ طبيا متخصصا وعالما بتفاصيل وأسباب الأوبئة ودقائق علاجها تارة،
ـ وناقدا صحيا مخزلا للسياسة العلاجية والوقائية المتبعة في البلد، يكيلُ لسلطاتها المختصة وطواقمها الفنية النصائح العالمة بجزافية مفرطة والانتقادات اللاذعة بجراءة شديدة، المُخونة والمجهلة أحيانا، والمثبطة في أحايين كثيرة تارة أخرى.
ولكن حقيقة التغيير، الذي يشق طريقه إلى إثبات نفسه، تجلت بكل وضوح فيما تحقق من قوة التصدي الحكومي على هدي رئيس الجمهورية، الذي آثر الفعل المبادر على الخطب والتنظير ووهم التخطيط، لانتشار الفيروس وما أعقب ذاك، حين برزت على أرض الواقع معالمه، ما تحلى به المواطنون من وعي بخطورته واستيعابهم إياه سريعا، على الرغم من تشبث بعض الجهات التشكيكية في محتمل بروز أي وجه من أوجه التحول المنشود والملح لتجاوز ركود العقلية العامة.
ولما كانت هذه القوى التشكيكية، على اختلاف أيديولوجياتها الضيقة ومرجعياتها الشططية، تنجح في كل مرة يلوح فيها بريق من أمل في التغيير، فإنها في هذه المرة قد أخفقت إخفاقا ذريعا وتصبح فريسة سهلة لفيروس الكورونا من بعد تلاقي إرادة الدولة الصارمة في عهدها الجديد وما أحدثه في العقول والسلوك هذا الوباء من وعي كاسح، كسر كل أغلال التبعية العمياء على اختلاف أوجهها وحرر من التقوقع الساذج في زوايا وحنايا الانتماء لغير الوطن، تحت ظل حكامة رشيدة ترنو إلى أن تزاوج بين:
ـ الصرامة إلى بسط النظام العادل،
ـ والاتكاء على وعي الشعب الذي يصبح وقتها بحق “الغاية” و”الوسيلة”.