هل تشكل تبعات جانحة كوفيد 19 مرحلة تحول كبيرة في النظام العالمي؟ الدول المتقدمة اقتصاديا تتعامل بأنانية مع بعضها فما بالك بالعالم الثالث.عمر نجيب

أحداث عديدة طبعت تاريخ البشرية وتميزت بصنع تحولات بعضها كبير وحاسم. في القرن العشرين الذي ابتعدنا عنه بعشرين سنة شكلت الحربين العالميتين الأولى من سنة 1914 إلى 1918 والثانية من 1939 حتى 1945 نقطتا تحول وإنتقال سياسي وإقتصادي وعلمي، وبين ما بين الحربين وبعدهما وقعت أحداث كثيرة من حروب وصراعات وأزمات اقتصادية تركت بصماتها في تاريخ الانسانية بطفرات وقفزات. الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929 أحدثت تحولات هامة وكانت تأثيراتها مركزة في الدول الصناعية الموصوف بعضها بالامبراطوريات الاستعمارية، قبلها وفي سنة 1918 عرف العالم الإنفلونزا الاسبانية التي حصدت أرواح ما بين 50 و 100 مليون نسمة ولكنها لم تخلق الطفرة التي صنعتها الحربين العالميتين الأولى والثانية. وقد اندلعت أوبئة أخرى في العصور الحديثة، لكنها كانت أقل منها فتكا بمراحل، فقد تفشت موجة وبائية أخرى في عام 1957، أُطلق عليها “الإنفلونزا الآسيوية”، وبعدها موجة “إنفلونزا هونك كونغ” في عام 1968. وبعد أربعين عاما، شهد العالم تفشي “إنفلونزا الخنازير” في عام 2009.

وتشابهت جميع موجات وباء الإنفلونزا الأربعة في أصولها، إذ بدأ كل وباء من هذه الأوبئة بطريقة ما بسبب فيروس إنفلونزا حيواني المنشأ تطور ليصبح قادرا على الانتشار ونقل العدوى من شخص لآخر. لكن لا وجه للمقارنة بالطبع بين حصيلة ضحايا جائحة الإنفلونزا الاسبانية التي وقعت عام 1918، وبين عدد ضحايا الجوائح اللاحقة. إنفلونزا هونك كونغ، والإنفلونزا الأسيوية، حصدتا أرواح مليوني مصاب، وأودت إنفلونزا الخنازير في عام 2009 بحياة 600 ألف مصاب.

الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917 شكلت مرحلة تطور عالمية هامة وصنعت بعد سنة 1945 عالما مزدوج الأقطاب ونظام توازن الرعب بعد دخول الاسلحة النووية ترسانة القوى الكبرى. ظل الوضع ثابتا إلى حد كبير حتى سقوط حائط برلين في 13 يونيو عام 1990 ثم إنهيار الاتحاد السوفيتي وجزء من المنظومة الاشتراكية الشيوعية في أوروبا، وإنتقل العالم من نظام القطبين إلى القطب الواحد ولكن لفترة لم تتجاوز العقدين ليعود نوع من التوازن إلى المسرح الدولي ويبدأ الصراع من جديد لتشكيل نظام دولي جديد. الأزمة الاقتصادية الموصوفة بالعالمية التي انطلقت سنة 2007 – 2008 أحدثت تحولات مست جزء كبيرا من البشرية ولكنها لم تكن طفرة وذلك ربما لأنها لا تزال قائمة وسمحت عمليات تهدئتها وليس علاجها بتجنب آثار فورية أخطر.

مع بداية سنة 2020 شهد ويشهد العالم وباء أو جانحة كوفيد 19 ويدور الجدل عن التأثير الذي ستتركه عندما تنتهي أو يخف إنتشارها على العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

أغلب الدول الصناعية ذات الاقتصاديات المدعمة بأرصدة مالية ضخمة والتي امتصت على مدى عقود طويلة جدا ثروات ما يسمى بدول العالم النامي أو الثالث تتعامل مع جانحة كوفيد 19 بأنانية حيث تركز على إنقاذ سكانها وإقتصادها وتفرض سياسة العزل التام أو الجزئي ولا تقدم إلا القليل للدول الأخرى.

وفي الدول الأكثر فقرا، ولا سيما في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا وبعض دول أمريكا اللاتينية، تهدد القيود المفروضة على الحركة سبل عيش الناس الذين يكسبون قوتهم يوما بيوم، لا تعد إجراءات العزل أمرا بديهيا.

تحد أخلاقي

كتب المحلل مارتن وولف من لندن يوم السبت 28 مارس 2020:

فيروس كورونا يسعى إلى التكاثر، فحسب. ونحن بدورنا نسعى إلى وقف ذلك التكاثر، ولكن ليس فحسب. على عكس الفيروس، البشر يتخذون الخيارات.

هذا الوباء سيصبح من الماضي. على أن الطريقة التي سينتقل بها ستشكل العالم الذي سيتركه خلفه.

إنه أول وباء من هذا النوع منذ قرن. وهو يأتي إلى عالم هو على عكس عام 1918 عندما ضربت الإنفلونزا الإسبانية، فهو الآن في سلام ويتمتع بثروة غير مسبوقة. ينبغي أن نكون قادرين على التعامل معه بشكل جيد. إذا لم نفعل ذلك، فسيكون هذا نقطة تحول نحو الأسوأ. اتخاذ القرارات الصحيحة يتطلب أن نفهم الخيارات وآثارها الأخلاقية. نحن نواجه الآن مجموعتين أساسيتين من الخيارات: داخل دولنا وعبر الحدود.

في الدول ذات الدخل المرتفع، الاختيار الأكبر هو مدى قوة وقف انتقال الفيروس، لكننا أيضا بحاجة إلى تحديد من سيتحمل تكاليف ذلك الاختيار وكيف.

يستمر البعض في الجدال أنه من الخطأ دفع الاقتصاد إلى حالة من الكساد لمنع انتقال الفيروس. ويشيرون إلى أن هذا سيتسبب في تعطيل لا لزوم له. بدلا من ذلك، إذا ترك الفيروس للانتشار بحرية نسبيا، فيمكننا تحقيق “مناعة الجماعة”، والحفاظ على الاقتصاد والاستمرار في تركيز الموارد على الضعفاء.

مع ذلك، ليس من الواضح أن الاقتصاد سيكون أفضل حالا في ظل سياسة “تخفيف” التدخل هذه نسبيا من سياسة “القمع” المحددة.

قبل فترة طويلة من عمليات الإغلاق التي تفرضها الحكومة، توقف كثير من الناس عن السفر أو الذهاب إلى المطاعم أو دور السينما أو المتاجر.

اتخاذ إجراءات حاسمة لقمع الفيروس ومتابعة اختبار وتتبع الإصابات الجديدة، قد ينهي تماما الركود الاقتصادي الحتمي في وقت أقرب بكثير مما هو عكس ذلك.

ما يبدو أكيدا تماما هو أن النظام الصحي العالمي سيكون أفضل حالا في ظل سياسة القمع بدلا من سياسة التخفيف.

في ظل الأخيرة، كما يجادل فريق استجابة إمبريال كوليدج بشأن الفيروس، أن الأنظمة الصحية في بريطانيا والولايات المتحدة ستكون مرهقة: أعداد كبيرة من كبار السن بالدرجة الأولى، ستترك للموت دون علاج.

النقاد محقون أيضا، سيكون من المستحيل إغلاق أجزاء كبيرة من اقتصاداتنا لفترة طويلة. إذا كان لا بد من تجربة القمع، فيجب أن يكون ناجحا بسرعة ويجب كبح عودة ظهور الفيروس.

في الوقت نفسه، يجب أن تسعى البنوك المركزية والحكومات إلى الحفاظ على استمرار أكبر قدر ممكن من الاقتصاد، الحفاظ على سلامة أكبر قدر ممكن من القدرة الإنتاجية وضمان أمن الأشخاص، والأكثر أهمية الضعفاء، محميون بشكل سخي بأي طريقة تجدها الدولة عملية.

يجب أن يكون التضامن بين الدول قويا بقدر ما هو داخلها. عدم الاستقرار المالي والركود ربما الكساد الوشيك اللذين يلوحان، سيتسببان في ضرر كبير للدول الناشئة والنامية.

يذكر صندوق النقد الدولي أن المستثمرين سحبوا حتى الآن 83 مليار دولار من الاقتصادات الناشئة. الانخفاض في أسعار السلع، التي يعتمد عليها كثير من الدول الناشئة والنامية، عميق أيضا.

يجب أن تتعامل هذه الدول أيضا مع الانتشار المحلي للفيروس وتراجع الطلب المحلي بداخلها. قدرتها على التعامل مع هذه الضغوط الداخلية والخارجية محدودة. قد تكون النتيجة كوارث اقتصادية واجتماعية هائلة.

صندوق النقد الدولي نفسه يواجه منذ الآن 80 طلبا لدعم مالي سريع. فجوات التمويل الخارجي الإجمالي للدول الناشئة والنامية، من المرجح أن تتجاوز قدرة الإقراض لدى صندوق النقد الدولي. هذه الدول الضعيفة ستستفيد إذا نجحت الدول ذات الدخل المرتفع في قمع المرض وإنقاذ اقتصاداتها. هذا لن يكون صحيحا على المدى القصير. ستحتاج الدول الناشئة والنامية إلى كثير من المساعدة.

وذلك سيساعد أيضا الانتعاش الاقتصادي في كل دولة. الفيروس تحد مشترك. كذلك أيضا الركود العالمي المقبل. الجانب العملي وطلبات التضامن يبرران المساعدة السخية. الشيء نفسه ينطبق على منطقة اليورو. السمة المميزة لأي اتحاد عملة هي أن الأعضاء الأفراد قد تخلوا عن تأمين الاستقلال في المالية العامة والعملة السيادية لصالح آليات جماعية.

خلال الأزمة المالية العالمية، فشل ذلك إلى حد كبير في عدد من الدول الأعضاء. مع ذلك، في تلك الحالة، يمكن أن تؤكد حجة أخلاقية بشكل معقول أن ذلك كان إلى حد كبير خطأ تلك الدول.

هذا الوباء ليس خطأ أي أحد. إذا لم تستطع منطقة اليورو إظهار التضامن في مثل هذه الأزمة، فإن فشلها لن ينسى ولن يغتفر.

ستكون الجروح عميقة، ربما مميتة. من دون تضامن واضح في أزمة ليست ذنب أحد، فإن المشروع الأوروبي سيموت من الناحية الأخلاقية، وربما من الناحية العملية. علاوة على ذلك، فإن أي مساعدة عبر الحدود لا يمكن أن تكون مالية بحتة. ستكون هناك حاجة إلى مساعدة طبية أيضا. الخطوة الحاسمة ستكون إنهاء موجة ضوابط التصدير التي تدمر سلاسل التوريد الطبية.

لحسن الحظ، المرض الذي نواجهه الآن ليس في سوء الأوبئة التي دمرت حياة أسلافنا بشكل متكرر. مع ذلك، لا يزال ذاك شيئا لم يشهده أي شخص حي. إنه تحد عملي تجب مواجهته بقرارات مستنيرة، لكنه أيضا تحد أخلاقي. ينبغي أن ندرك هذين الجانبين في القرارات التي يجب علينا اتخاذها.

هل يظهر القادة الهدوء ويستخدمون المنطق؟. هل سنهزم المرض، مع تقليل الضرر الاقتصادي؟. هل نضمن حماية الأشخاص والدول الأضعف؟.

هل نختار التضامن على العداء والمسؤولية العالمية على القومية الداخلية؟. هل نسعى لتوريث عالم أفضل ما بعد الوباء، وليس أسوأ؟.

على عكس الفيروسات، فإن لدى البشر خيارات. وعلينا أن نحسن الاختيار.

الرغبة في العيش

كتب المحلل محمد طيفوري في الاقتصادية يوم الخميس 26 مارس 2020:

غالبا ما تأتي الأحداث الكبرى، التي تغير العالم من أشياء صغيرة، عادة ما تتكرر في الحياة اليومية دون أن نحسب لها أو نعيرها اهتماما، هذا واقع الحال اليوم مع فيروس كوفيد 19، الذي صار وباء يغزو العالم، صانعا عالما آخر بديلا عن الذي نعيش فيه، ملغيا إرثا كبيرا من تراكمات الإنسانية، عبر التاريخ، بشأن النظام والقواعد والأعراف.. أضحى “كورونا” سيد الموقف على المستويين العالمي والمحلي، حتى الذاتي، فقد أدخل كثيرين، طوعا أو كرها، في التأمل والتفكير والتساؤل.. حتى مراجعة الذات بتقييم موقع “الأنا” في وسط “النحن”.

تثير هذه الحالة الفريدة، غير المسبوقة في التاريخ، التي تدخل فيها البشرية تدريجيا، أسئلة أكثر مما تقدم إجابات. فهذا الوحش المجهري الذي لا نراه ولا نسمعه، وربما لا نشعر به، جعل كوكب الأرض، في غضون أسابيع معدودة، يرزح تحت رحمته، بعدما أصاب الجميع بالهوس والقلق والرعب.. في عدالة استثنائية، أشبه ما تكون بالعدالة في جمهورية أفلاطون، غير آبه بالدولة أو الجنس أو العرق أو المعتقد أو الوظيفة أو المركز الاجتماعي.. فالظاهر أن الجميع سواسية عنده كأسنان المشط.

بعيدا عن الأرقام الثقيلة في الأرواح البشرية، التي حصدتها هذه الجائحة، وحجم الخسائر، التي سيوقعها بالاقتصاد العالمي، والتي لن تقدر بشكل دقيق حتى نهاية هذه الغزوة، حتى إن بدا واضحا من الآن أنها ستتجاوز مئات المليارات لتدخل في خانة التريليونات. يحسب لفيروس كورونا تلك القدرة الرهيبة على إعادة ضبط سرعة الحياة على إيقاع غير إيقاع زمن العولمة والثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي. وكأن هذا الفيروس رسالة تحذير من الطبيعة إلى الإنسانية، من أجل إعادة النظر في مسائل شتى، إن أرادت الحفاظ على البقاء وضمان استمرارية الحياة.

أعادت حالة الحجر الصحي، التي فرضها الوباء طوعا على السكان في معظم البلدان، الاعتبار لمؤسسة الأسرة، النواة الأولى وأصل حياة الإنسان. فقد أخرج العزل الذاتي الأفراد من الشوارع وأماكن العمل، وأرسلهم إلى البيوت مانحا القيمة للحياة العائلية، التي فقدتها في عصر التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، وهكذا شرع الفرد في التعود على العيش بأقل الحاجيات، والقبول بشروط أدنى أو أقل رفاهية.

فرض الانتشار السريع للعدوى بين الدول والأقطار إثارة الأسئلة عن معنى الحدود، والجدران العازلة، التي يدعو رموز الشعوبية إلى إقامتها اليوم بين الدول. فالظاهر أن الإنسانية صارت مترابطة بشكل لا يمكن فصمه، وأن الحدود الطبيعية أو المتخيلة، وما يسوق من أفكار الناس عن جنسيات وقوميات وأعراق الشعوب والأمم، لا تستقيم من دون رؤية الجامع، الذي يجمع الإنسانية، ويجعل المخاطر التي تتهدد أمة ما، أمرا يخص كل شعوب الأرض.

أعاد الوباء الدولة إلى الواجهة، فحتى ثلة المفكرين، الذين سارعوا إلى نعي الدولة، ومعهم منظرو “المابعديات”، تطلعوا إليها في زمن الأزمة. فهي الفاعل الرئيس في أزمة “كورونا”، القادر على المواجهة والتصدي، فهي من تقرر وتتخذ الإجراءات، وتصدر الأوامر وتمنع الأنشطة وتحظر التجوال، وتحدد الميزانيات، وتتولى صرفها لمكافحة المرض.. حتى أعداد الضحايا والمصابين هي من تتكفل بتقديمهم. في المقابل، ظل دور المجتمع المدني العالمي والمحلي محدودا جدا، فتحركه يبقى رديف ما تتخذه الدولة من إجراءات وقرارات.

اختبر القطاع الخاص وبعض مرافق القطاع الحكومي، بفعل الإجراءات الاضطرارية، التي فرضتها “كورونا”، تجربة العمل عن بعد، ووقفت عند مزايا هذا الصنف من العمل، التي لم تكن معروفة، واكتشفت إمكانية تخفيض أعداد العمال والأجور وباقي التكاليف كالتنقل، والتغذية…، ويرجح أن يلقى هذا الصنف من العمل في المستقبل اهتماما، ما سيكون له تأثير في عديد من مناحي الحياة.

تابع العالم بأسره الفوضى ومشاهد الصراع بين الأفراد “المتحضرين”، وصور الاجتياح، الذي تعرضت له الأسواق والمتاجر في أمريكا وأوروبا، من أجل الظفر بالمؤونة والمواد الغذائية، قصد تخزينها خوفا من نفادها من الأسواق. ما يؤكد حقيقة، طالما ادعى الإنسان الغربي تجازوها بقيم الحداثة، مفادها بأن الإنسان هو الإنسان بضعفه وهشاشته في الشرق كما في الغرب، مع تسجيل امتياز ديارنا بقدر كبير من التكافل الاجتماعي، الذي يفرض قيم وثقافة المجتمع، فالمجتمعات عندنا “تراحمية” فيما المجتمعات عندهم “تعاقدية”.

لقد أجبرت “كورونا” الجميع على إعادة ترتيب الأولويات، فلم يعد السفر على سبيل المثال أولوية، لا برا ولا بحرا ولا جوا، نتيجة ذلك توقف هدير المحركات في كوكب الأرض، وخلت الشوارع من السيارات، وهدأت حركة القطارات والسفن والطائرات. فتنفست السماء الصعداء، بعد التراجع الملحوظ في نسبة التلوث، واستعادت لحظات من النقاء والصفاء، لم تعشها منذ الثورة الصناعية.

كانت القاعدة هي التشكيك في كل منتج ذي منشئ صيني، فالتقليد “غير أصلي” والسلع الصينية وجهان لعملة واحدة. لذا طالت السخرية هذا الفيروس في بداياته الأولى، فاستخف الناس بـ”كورونا” عند لحظة انتشاره خارج الصين. قبل أن يتبين لهم أن “غزوة كورونا” مجرد سلاح تستعيد به الطبيعة حقوقها. فما يجري ليس سوى فصل من فصول إعادة التنظيم على وجه البسيطة.

حتما سيجد العلماء دواء للفيروس، لأن الصراع على أشده بين بكين وواشنطن وبرلين وباريس، فالرغبة في العيش غريزة إنسانية تدفع بالمرء إلى التمرد على كل ما يحول دونها. وحتما ستستأنف الحياة انطلاقتها من جديد بشكل طبيعي، بعد أن تفتح النقاش والتداول العام عن أسئلة كبرى، في السياسة والاقتصاد، كما في الثقافة والمجتمع الإنساني، من شأنها أن تحدد معالم التفكير طيلة العشرية المقبلة.

قيادة الاقتصاد العالمي

جاء في تقرير صدر من لندن يوم السبت 28 مارس 2020:

خلال العقدين الماضيين احتدم الصراع بين الولايات المتحدة والصين، وإلى حد ما الاتحاد الأوروبي لقيادة الدفة الاقتصادية لكوكب الأرض، ومع جائحة فيروس كورونا، فإن السؤال بات يطرح نفسه بقوة من سيخرج من غمار تلك المعركة منتصرا قادرا على الادعاء بالأدلة والبراهين أنه تغلب على أزمة الفيروس بشكل أفضل من الآخرين، وأن له حق الادعاء بأن نموذجه الاقتصادي أكثر كفاءة، وقدراته الإدارية أعلى مهارة من منافسيه، وأن إمكاناته العلمية والمالية تفوق ما لدى خصومه، وأنه بذلك بات مؤهلا لريادة الاقتصاد العالمي بلا منازع وقيادة المسيرة الكونية في القرن الـ21 بلا منافس.

إحدى نقاط القوة، التي تمتعت بها بلدان جنوب شرق آسيا وتحديدا الصين في هذا الصراع، أن لها تجارب طويلة ومريرة مع الأوبئة تفوق ما لدى خصومها ومنافسيها، ففي 2003 ضرب وباء سارس أجزاء كبيرة من آسيا، ومكن ذلك حكومات تلك الدول وتحديدا الصين من امتلاك خبرات إدارية وتنظيمية للتعامل مع انتشار الأوبئة على نطاق جماهيري واسع.

وتشير الدكتورة آنا آستون أستاذة الاقتصاد الصيني في جامعة أكسفورد، إلى أهمية التجارب المكتسبة لدى الصين في التعامل مع الأوبئة، وتضيف، أن الوضع المالي للصين أفضل من الاتحاد الأوروبي وفي كثير من المؤشرات أفضل من الولايات المتحدة ذاتها، كما أن عديدا من الشركات الصينية تمتلك فوائض مالية أعلى من منافسيها الدوليين، ما يسمح لها بتفادي الاقتراض من البنوك وتمويل أنشطتها ذاتيا، معتبرة أن هذا الوضع يؤهل الصين لهزيمة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في معركة فيروس “كورونا” كوفيد 19.

إلا أن مارك براون الباحث الاقتصادي يعتقد أن الصراع لا يزال في مراحله الأولى، ويصعب في الوقت الراهن الجزم بأن الاقتصاد الصيني قد خرج رافعا رايات النصر في صراعه مع فيروس كورونا.

ويضيف براون، أن “بكين تبنت سياسة احتواء الفيروس ثم تحفيز الاقتصاد، وهو ذات النهج المستخدم في البلدان الأوروبية والولايات المتحدة، كما أنه من الواضح أن حزمة التحفيز الأمريكية المقدرة بتريليوني دولار تقبلتها الأسواق بكل ترحاب، وهو ما انعكس على الانتعاش، الذي شهدته البورصات العالمية بعد موجات متتالية من الخسائر منذ انتشار الفيروس، وهذا الآمر يبشر بأن الأسواق الأوروبية والأمريكية في طريقها أيضا للانتعاش”.

إلا أن بعضا يعتقد بأن وجهة نظر براون لا تأخذ في الحسبان أن السياسات، التي تبناها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا بخفض أسعار الفائدة، تعني أن الإدارة الامريكية والحكومة البريطانية قد استخدمتا بذلك إحدى أهم آليات التحفيز الاقتصادي لديهما، بينما لا يزال لدى البنوك المركزية في الصين والبلدان الآسيوية الأخرى مجال واسع لاستخدام أسعار الفائدة في التحفيز الاقتصادي في مراحل لاحقة، وهو ما يعني أن لدى الاقتصادات الآسيوية ذخيرة أكبر لخفض تكاليف الإنتاج، مقارنة بنظرائها في أوروبا والولايات المتحدة.

ومن المتوقع الآن أن تلجأ الصين في الأشهر المقبلة لاستخدام السياسة النقدية لتعزيز اقتصادها الوطني، عبر خفض أسعار الفائدة بقوة لضمان رفع معدلات الإنفاق الأسري وتشجيع الطلب المحلي لتحفيز النشاط التجاري.

بعض الخبراء الاقتصاديين يعتقدون أن الصين وعددا من الاقتصادات الآسيوية الحليفة لها تدخل معركتها مع تفشي فيروس كورونا، وهي مصابة بعديد من الجروح والندبات نتيجة الحرب التجارية، التي شنها عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب منذ وصوله إلى سدة السلطة 2016.

ويقول دي.ك. صامويل الخبير الاستثماري إن “الحرب التجارية، التي شنتها الولايات المتحدة على الصين أسفرت عن عدد من الخسائر، التي مني بها الاقتصاد الصيني، من أبرزها استنزاف جزء ملموس من رؤوس أموال الشركات الصينية، بعد انسحاب عديد من الشركات الأمريكية من الأسواق الصينية، وهذا الأمر سيضعف إلى حد كبير من قدرة الصينيين على المنافسة مع الولايات المتحدة بعد إحكام جميع الدول السيطرة على الوباء”.

حتى وإن خرجت الصين وقد أفلحت في تحقيق بعض التقدم على منافسيها الأمريكيين والأوروبيين في معركة كورونا، فإن أفضل توقعات لمعدلات النمو الممكنة هذا العام لن تتجاوز 3 في المائة، مقارنة بأكثر من 6 في المائة عام 2019.

ويتوقع الخبراء أن يكون لتباطؤ النمو الصيني تأثير سلبي في مبادرة الحزام والطريق، فالتداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا، وإنهاكه للاقتصاد الصيني ستدفع بحكومة بكين إلى إعادة ترتيب سلم الأولويات في المرحلة المقبلة، وعديد من المخصصات المالية، التي كانت ستذهب للاستثمارات الخارجية لدعم مبادرة الحزام والطريق، سيتم إعادة توجيهها للاستثمار المحلي.

إلا أن أونيل ريتشارد الخبير في الاقتصاد الصيني يرى أنه “قبل تفشي الفيروس كانت مبادرة الحزام والطريق تواجه بعض الصعوبات في بعض البلدان الآسيوية، وقد زاد انتشار الفيروس في الصين وتلك البلدان من تعقيدات المشهد، إلا أن تعافي بكين تدريجيا من فيروس كورونا سيجعلها حريصة على أن تبعث برسالة إلى حلفائها، خصومها في آن واحد بأنها ملتزمة بتعهداتها في إكمال ما عليها من التزامات، مهما كانت التكلفة المالية، بل وستكون الصين أكثر مرونة واستعدادا لأن تقدم مزيدا من التنازلات لبعض الدول الآسيوية، التي اعترض السكان المحليون فيها على المشروع”.

ويضيف أونيل ريتشارد، أن الصين من خلال هذا الإصرار تبعث برسالة للجميع، جوهرها أن هزة “كورونا” لم تنل منها وأن الاقتصاد الصيني قوي وقادر على الإيفاء بتعهداته، وأنها الأقدر بقيادة الاقتصاد العالمي في القرن الـ21.

صناع السياسات أمام معضلة

جاء في بحث نشر في باريس وعدد من المواقع الاعلامية يوم السبت 28 مارس 2020:

يواجه صناع السياسة في العالم الآن معضلة كبيرة في حربهم ضد وباء فيروس كورونا المستجد “كوفيد – 19″ الذي يتركز في أوروبا حاليا، فإغلاق الحدود وتعطيل الأنشطة الاقتصادية في أي دولة مؤلمان من الناحية الاقتصادية، لكنهما مفيدان من ناحية تخفيف الأعباء عن نظام الرعاية الصحية.

ويجب على الحكومات مراقبة أداء الشركات الكبرى العاملة في مجال التكنولوجيا التي أصبحت تلعب دورا بارزا في استمرار دوران عجلة الاقتصاد، وفقا لـ”الألمانية”.

وستجعل الإجراءات المخففة والقيود المحدودة لمواجهة “كورونا” انتشار الفيروس أسرع، وستعرض مزيدا من الأشخاص لخطر الموت.

ويتزايد عدد دول العالم التي تتبنى ما يسمى الطريق القمعي لمواجهة انتشار الفيروس وهو أمر مفهوم في ضوء ارتفاع أعداد المصابين والوفيات، وأكده نجاح التجربة الصينية التي تبنت هذه الاستراتيجية في احتواء الفيروس. والآن يعيش نحو 2600 مليون إنسان تحت شكل من أشكال حظر الحركة بسبب انتشار فيروس كورونا.

وفي المقابل، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليعرب عن قلقه من أن تكون إجراءات علاج “كورونا” ومواجهته أسوأ من المرض نفسه، حيث يقول صندوق النقد الدولي إن العالم سيدخل حالة ركود اقتصادي خلال عام 2020.

ولكن يبدو أن ترامب يقف وحيدا في هذا الموقف، فحتى بريطانيا قد فرضت درجة من درجات الإغلاق، مع تفويض الشرطة بتطبيقه.

ويرى ليونيل لورين الكاتب والمحلل الاقتصادي في وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية للأنباء، أن هذه الإجراءات الصارمة مجرد شراء للوقت في مواجهة الفيروس وليست هدفا في حد ذاتها، في حين ستؤدي التكلفة الاقتصادية والسياسية لهذه الإجراءات مجموعة كبيرة من المعضلات بالنسبة للدول التي لم تطبق أبدا مثل هذه الإجراءات في وقت السلم. وتشير البيانات الاقتصادية الجديدة إلى أن اقتصاد منطقة اليورو يعاني بالفعل، حيث يتراجع قطاع التصنيع في ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة، وسجلت فرنسا تراجعا حادا في الناتج الصناعي.

ويطرح ليونيل لورين أسئلة مهمة: هل هناك سبل لتخفيف عبء إجراءات مكافحة “كورونا” عن الاقتصاد، حتى لو كان هامشيا؟. ومن الذي يمكن أن يتم إجباره على الخروج والذهاب إلى العمل في الوقت الذي تحظر فيه قوات الشرطة دخول المتنزهات العامة لأسباب تتعلق بسلامة الصحة؟. وماذا لو استمر الغلق لفترة أطول مما كان يعتقد في البداية؟. وبالفعل مددت فرنسا وإسبانيا فترة الغلق وحظر الحركة، وألمانيا شددت إجراءات الحظر. والأفق يبدو غامضا.

وتقدم فرنسا نموذجا يحتذى في هذا السياق. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كغيره من قادة أوروبا، تعهد بتقديم خطط تحفيز تعادل قيمتها نحو 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، وتعهد ماكرون باتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لتعويض تكاليف أي إغلاق. ولكن بعد أسبوع واحد من إعلان الحرب على الفيروس “كوفيد – 19” تجاوزت الآلام التي سببها انتشار الفيروس أسوأ كوابيس الحكومة الفرنسية. فالقطاع الصناعي يعمل بنحو 25 في المائة من طاقته التشغيلية، وتوقف العمل تقريبا في مواقع التشييد. وتراجع استهلاك الكهرباء 20 في المائة وهي تطورات أسوأ مما حدث في إسبانيا وإيطاليا بعد أسبوع واحد من الغلق، بحسب صحيفة “ليز إيكو” الفرنسية.

وبحسب باتريك أرتو، المحلل الاقتصادي في مؤسسة “ناتيكسيس”، يشير هذا التدهور إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي لفرنسا 7 في المائة. والحل الوحيد لتقليل هذه التداعيات الاقتصادية هو السماح بعودة مزيد من العمال إلى أعمالهم حتى إذا لم يكن هناك كثير من المستهلكين الذين يطلبون هذه المنتجات.

ولكن دعوة الناس إلى مواصلة العمل كما يفعل ماكرون، أو قيادة عمال القطاعات الرئيسة في المعركة مع إبقاء الآخرين في بيوتهم، كما يفعل رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، لن تفلحا في الحد من التداعيات الاقتصادية للإغلاق. فتحديد القطاعات الحيوية والقطاعات غير الحيوية يتجاهل الطبيعة المتكاملة لسلسلة الإمدادات والتوريد في النشاط الاقتصادي.

كما أن الأشخاص الذين لا يمتلكون رفاهية العمل من المنزل، أو الذين يعملون في المصانع أو في مواقع التشييد لديهم مخاوفهم المشروعة بشأن سلامتهم وصحتهم في ظل هذه الظروف، ويشعرون بأنهم مجبرون على تجاوز قواعد التباعد الاجتماعي المطلوبة لسلامتهم من أجل استمرار دوران عجلة الاقتصاد.

وتحتاج فرنسا إلى تحقيق التوازن بين اعتبارات سلامة العمال واحتياجات الاقتصاد، من خلال مراجعة أوضاع كل قطاع على حدة لتحديد كيف يمكن إعادة تشغيل المصانع ومواقع التشييد في ظل قواعد صارمة لتحقيق التباعد الاجتماعي، إلى جانب توفير الاحتياجات المطلوبة للرعاية الصحية.

ومن الواضح أن إعادة تأهيل القطاع الصحي المنهك بالفعل، تأتي على رأس القائمة، لكن هذا بدأ يحدث في قطاعات أخرى في فرنسا، حيث أعادت مواقع التشييد تنظيم نفسها حتى تضمن عدم اشتراك أكثر من عامل في استخدام المعدة الواحدة، وعدم التقارب بين العمال للحد من فرص انتشار الفيروس. ولجأت بعض الجهات إلى تقديم مكافآت كبيرة للعمال الذين واصلوا العمل، حيث قدمت سلاسل متاجر عديدة مكافآت تصل إلى ألف يورو لموظفي الخزانة أو ترتيب الأرفف.

وإذا كانت الدول تعد نفسها في زمن الحرب، فهناك حاجة إلى تعزيز التضامن على الجبهة الداخلية. وعلى الشركات الكبرى تقديم الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل لمصلحتها. ولن تتحسن الروح المعنوية إذا ما تم إنقاذ الشركات الكبرى على حساب الشركات الصغيرة.

كما يجب على الحكومات مراقبة أداء الشركات الكبرى العاملة في مجال التكنولوجيا التي أصبحت تلعب دورا بارزا في استمرار دوران عجلة الاقتصاد، مثل شركة التجارة الإلكترونية العملاقة أمازون وشركة خدمات النقل الذكي أوبر تكنولوجيز، وشركة توصيل الطلبات إلى المنازل، ديليفرو.

وهذه الحلول قصيرة المدى يجب أن ترافقها خطط متوسطة المدى لتجسير الفجوة بين الغلق الذي قد يستمر عدة أشهر، وبين تطوير لقاح لفيروس كورونا ونشره، الذي قد يستغرق عاما. وعلى سبيل المثال، يمكن إعادة الشباب إلى مواقع العمل مع استمرار بقاء الأكبر سنا والأشد عرضة لمخاطر “كورونا” في المنزل.

ولكن هذا الأمر يحتاج إلى اختبارات أكثر من تلك التي تجري حاليا لتحديد الأشخاص الذين أصيبوا بالفيروس وتعافوا منه ولم تعد هناك خطورة كبيرة عليهم، وبين الذين لم يصابوا به حتى الآن.

وكان الرئيس الفرنسي قد ذكر في وقت سابق أن الغلق ليس “الحل السحري” وإنما جرى اللجوء إليه بسبب الحاجة إلى فرض نظام عزل ذاتي أشد صرامة للحد من انتشار الفيروس.

ويرى المحلل ليونيل لورين أن ماكرون على حق وأنه يتعين على باقي قادة العالم السير على نهجه واعتبار الإجراءات الصارمة مجرد جزء من الحل، إلى جانب تخصيص مزيد من الموارد لتوفير احتياجات المستشفيات ومزيد من الحماية الاقتصادية لهؤلاء الذين ظلوا في بيوتهم، مع توفير مزيد من الاختبارات عند رفع القيود على الحركة في نهاية المطاف. ويعني هذا أنه يتعين علينا قطع طريق طويل حتى لا يصبح علاج “كورونا” أسوأ من المرض.

اختبار لوسائل الإعلام

نشرت وكالة الأنباء الفرنسية يوم 28 مارس التقرير التالي:

يطرح فيروس كورونا المستجد المتفشي في العالم، اختبارا لوسائل الإعلام ايضا، يتابع المواطنون الخاضعون للعزل الصحي في بيوتهم في العالم الأنباء باهتمام. وكشف استطلاع أجراه معهد إدلمان من السادس إلى العاشر من مارس أن أكثر من 90 في المائة من الإيطاليين واليابانيين والكوريين يطلعون مرة واحدة في اليوم على الأقل على التطورات المرتبطة بالفيروس، وأكثر من نصفهم يقومون بذلك أكثر من مرة يوميا.

وتبقى الصحافة أساسية مع أن شبكات التواصل الاجتماعي كسرت الاحتكار شبه الكامل للأخبار من قبل وسائل الإعلام. فقد أشار استطلاع اجراه معهد إيبسوس لموقع “أكسيوس” الإخباري إلى أنه للاطلاع على التطورات المرتبطة بالفيروس، ما زال نصف الأمريكيين يثقون بوسائل الإعلام التقليدية، بينما تثق نسبة أقل بكثير بشبكات التواصل الاجتماعي.

يمكن أن تشكل هذه الأزمة فرصة لوسائل الإعلام لاستعادة ثقة قرائها. كما أنها فرصة للقراء الذين يخضعون للعزل لاختيار وسائل الإعلام الكبيرة والصغيرة التي يثقون بها.

وأكد المؤرخ باتريك ايفينو رئيس المجلس الفرنسي للأخلاقيات الصحافية أنها “لحظة مهمة لوسائل الإعلام… لتثبت أنها في خدمة الجمهور أولا بمعلومات جديرة بالثقة عبر انتقائها”.

وكتبت مدونة وكالة فرانس برس كشف الأنباء المضللة “في ميزان فرانس برس”: لا، فيروس كورونا المستجد لم يتم إنتاجه ومنحه براءة من معهد باستور، ولا، لا نعرف ما إذا كان ارتفاع حرارة الجو في الربيع “يقتل” الفيروس.

وقالت مديرة الإعلام في البي بي سي التي تشهد مستويات حضور قياسية “في إطار الوضع الصحي الطارئ، توفير أنباء جديرة بالثقة ودقيقة أمر حيوي”، مؤكدة أن هذه المؤسسة الإعلامية البريطانية العامة “لديها دور أساسي لتلعبه”.

أما ريكاردو كيرشبوم الذي يعمل في “كلارين” الصحيفة اليومية الأرجنتينية الأوسع انتشارا، فقال إن “القراء يبحثون عن تحليلات إضافية وخدمات إخبارية وشهادات”.

وشهدت الصحيفة ارتفاع عدد متابعيها على الانترنت مشيرة إلى أن القراء يذهبون إلى موقعها الالكتروني مباشرة من دون المرور بشبكات التواصل الاجتماعي.

وذكر كيرشبوم “إنهم يريدون معرفة ما يحدث في دول أخرى مثل إيطاليا واسبانيا وفرنسا التي يغطي أحداثها مراسلون خاصون بنا”. واطلقت الصحيفة نشرة بريدية يومية تتضمن الأخبار الأساسية حول الوباء.

قالت مارينا ووكر من “مركز بوليتزر” المنظمة غير الحكومية الأمريكية التي تدعم الصحافة إنها “ليست مرحلة ملائمة للسبق الصحافي و العمل كالعادة “.

وأضافت “نحن نواجه جميعا العدو نفسه. إنها فترة تضامن والعمل في العمق والبرهنة على أننا نكتب لقراء وليس لأجندات سياسية أو لمصالح اقتصادية”.

ويدعم “مركز بوليتزر” ماليا مشاريع صحافية تعتمد على التعاون بين هيئات تحرير عديدة لتغطية جوانب منسية للأزمة.

وأشار عالم الاجتماع الإيطالي ادواردو نوفيلي من جامعة روما 3 إلى أن عددا من وسائل الإعلام تباطأت في العمل في بداية الأزمة.

جانحة كوفيد 19 كسلاح

تبقى الولايات المتحدة غير آبهة للدعوات الموجهة إليها من جهات كثيرة طالبة منها تعليق العقوبات على الدول التي تعاني بشدة من تبعات فيروس كورونا المستجد، بل تعمد في بعض الأحيان إلى تشديد تدابيرها. ويستغرب الكثير من المراقبين مثل هذا السلوك.

وقال الأستاذ في جامعة نورث إيسترن ماكس أبراهامز لوكالة فرانس برس “حتى الدول التي لا نحبها تعيش على الكوكب ذاته مثلنا. علينا أن نعمل معها لمعالجة المشكلات المشتركة. ليس من مصلحة الأمن القومي الأمريكي أن ينتشر فيروس كورونا المستجد”.

غير أن ذلك لم يؤثر على قرار الولايات المتحدة، بل أضافت في الأيام الأخيرة إلى قائمتها السوداء الطويلة خمس شركات من حليفتها دولة الإمارات العربية المتحدة لاتهامها بالالتفاف على الحظر الأمريكي، وعددا من المصالح الاقتصادية في العراق. وبشكل عام، تواصل الدبلوماسية الأمريكية استخدام سلاحها المفضل، وهو العقوبات.

وذكر ماكس أبرامز أن الإستراتيجية الأمريكية نابعة من الهدف شبه المعلن لبعض الأعضاء النافذين في الإدارة الأمريكية، وهو الدفع باتجاه سقوط النظم المعادية.

وأوضح أن “الإدارة ترى في فيروس كورونا المستجد فرصة ينبغي استغلالها لتشديد الضغط على النظم المعادية، لا بل إثارة ثورات”.

Omar_najib2003@yahoo.fr