أين الخط الأحمر؟ / محمد محفوظ المختار
لكل مجتمع من المجتمعات قواعد تسيره وضوابط توجهه وسلوك يقوم تعاطيه مع مختلف القضايا التي تشكل الخيط الناظم له في كينونته وسيرورته. كما أن الدول الحديثة لها بدورها قوانين واضحة تسهل عملية التعاطي مع الواقع، تصون المقدس وتجلب ما يحفظ للبلد أمنه وللمجتمع انسجامه.
والمجتمع الموريتاني مثله مثل غيره يجب أن يتمثل من القيم ويضع من النظم ما يكفل انسجامه ويعزز وحدته، كما أن الدولة الموريتانية لا تقل شأنا عن نظيراتها وبالتالي عليها أن تسن من القوانين ما يكفل لها البقاء والاستمرار على أسس قوية ونهج سديد. وتأسيسا على ما سبق يحسن التذكير بأن هذه الأرض شهدت مختلف المشاكل التي يمكن أن تجعل المجتمع يقف والدولة تتحرك من أجل ضبط الواقع والوقوف بحزم أمام ما يمكن أن يشكل خطرا على حركية الدولة وبقاء المجتمع. ففي هذه البقعة تم استهداف انسجام المجتمع ووحدته عبر السعي لتفكيك اللحمة الوطنية وضربها في الصميم، من خلال اختلاق الأكاذيب وترويجها خارجيا وإشاعة ونشر الأراجيف التي تحمل سموم الفرقة والتشرذم داخليا ومع ذلك لم نشهد ما يمكن القول إنه حراك يناسب الظرف.
كما تم تجاوز ذلك إلى ما هو أعظم، حيث تمت الإساءة إلى الذات الإلهية وإلى الإسلام أعظم الرسالات السماوية وإلى من جاء به من عند الله محمد صلى الله عليه وسلم دون أن نشهد تحركا يناسب المقام، وهذا لا ريب يستدعي التأمل والتبصر.
إن موريتانيا مثلها مثل بقية الدولة شهدت مختلف الهزات التي يمكن أن تتعرض إليها أي دولة في أي بقعة من المعمورة غير أن الفارق يتمثل في أننا لم نرى حتى الآن حدودا وضعتها مؤسسات الدولة من أجل صيانة العقيدة وحفظ الوحدة، وهذا لا شك أمر محير. فكيف يمكن للدولة أن تستمر دون أن تكون هناك محرمات لا يمكن السماح بالاقتراب منها؟ وكيف لمجتمع أن يستمر وينتظم في دولة وهو بلا خطوط حمراء تجعل من يصل إليها يواجه المجتمع بمختلف ألوانه وأعراقه ؟
ما تحدثت عنه أعلاه لا يعني أنني أقف حجرة عثرة أمام حرية الأفراد، ولا دعوتي لمواجهة الاختلاف والسعي للحجر على الآخرين، بل هو دعوة لترسيخ تلك الحرية المسئولة لكن مع ضبطها حتى لا تكون سهما ينفذ إلى القيم الدينية والوحدة المجتمعية فيضربهما في الصميم. كما أن ما ذكر لا يتجاوز كونه تذكيرا بالدور الذي يجب أن تقوم به الدولة ومؤسساتها تلافيا للأسوء.
ما سطرته لا يعدو مجرد تنبيه على أنه في موريتانيا لا توجد حتى الآن خطوط حمراء أمام من أراد أن يعبث بالبلد وأمنه واستقراره، وهذا أمر يجب العمل على تلافيه قبل أن نجلس على أنقاض موريتانيا ونندب يوم الوحدة والانسجام والتعايش والإيثار والإخاء. وذلك يوم يرونه – في ظل الواقع وحدة الخطاب الذي يطبعه – بعيدا ونخشى أن يكون قريبا.