يجب انشاء منصات حكومية لرصد الشائعات وتفنيدها* دعوة لتوظيف مختصين في علم السلوك في صياغة الرسائل الإعلامية* هل أصبحت منصات التواصل هي التي تحدد قواعد اللعبة؟* آن الأوان لإدخال علوم التفكير النقدي في مناهج الدراسة* كيف يجب التعامل مع “الوباء المعلوماتي” وتعزيز المصداقية والثقة؟ما هو مستقبل الاتصال الحكومي؟ ما هي الدروس التي يجب تعلمها من خبرات السنوات الماضية في هذا المجال؟.. على أي أسس وقواعد يجب ان تعمل فرق التواصل الحكومي مستقبلا على ضوء التجارب الماضية والتحديات الراهنة؟هذه التساؤلات هيمنت على اعمال الدورة العاشرة للمنتدى الدولي للاتصال الحكومي التي عقدت مؤخرا في الشارقة.عدة جلسات عامة وتفاعلية وورش عمل ناقشت القضية من جوانب وزوايا عدة وحاولت تقديم إجابات لمثل هذه التساؤلات شارك فيها عدد كبير من المتحدثين، خبراء ومسئولين.الأمر الملفت ان كل الذين تحدثوا اثاروا نفس الجوانب وعبروا عن آراء متشابهة الى حد كبير. وهي جواب وآراء مهمة تستحق ان نقدم عرضا لها.*** دروس كوروناكل المداخلات والنقاشات التي دارت حول مستقبل الاتصال الحكومي وكيف يجب ان يكون مستقبلا هيمنت عليها قضيتان كبيرتان:الأولى: أزمة وباء كورونا التي ضربت العالم وما كشفت عنه وما يجب تعلمه منها.والثانية: مواقع التواصل الاجتماعي والدور الخطير الذي أصبحت تلعبه، سلبا وايجابا، وكيف يجب التعامل معها والاستفادة منها.فيما يتعلق بأزمة كورونا وما كشفت عنها من جوانب تتعلق بالاتصال الحكومي في العالم، اثار المتحدثون اكثر من قضية مهمة.القضية الأولى تتعلق بعلاقة الشباب والأجيال الجديدة بالجائحة وكيف تفاعلوا معها. بعض المتحدثين اثاروا هنا ان الجائحة انعكست على حياة الشباب سلباً وإيجاباً، حيث انها كانت فرصة أمام الكثير من الأجيال الجديدة لإعادة النظر في أهدافهم ووضع خطط واضحة للوصول إليها، فيما مثلت للبعض الآخر تحدياً عرقل مشاريعهم وطموحاتهم. هذا الجانب مهم على اعتبا رالدور المحوري الذي يلعبه الشباب او يجب ان يلعبوه في أي برامج وخطط للاتصال.القضية الثانية تتعلق بالتعامل الإعلامي من جانب الحكومات مع أزمة كورونا. متحدثون أشاروا هنا إلى ما توفره وسائل التواصل الاجتماعي من سرعة في نقل الرسائل الاتصالية إلى الجمهور المستهدف، وإلى دورها في نشر التوعية والرد على التضليل الإعلامي، أثناء مواجهة الأزمة الصحية العالمية، وما صاحبتها من إجراءات احترازية تطلبت رسائل اتصال حكومي فعالة ومؤثرة لإقناع الجمهور.ونبه المتحدثون الى ان وسائل التواصل الاجتماعي كانت سلاحاً ذو حدين، وأنها في بداية انتشار الوباء كانت في أحيان كثيرة مصدراً لنشر المعلومات الخاطئة، ثم أسهمت بشكل فعّال في نشر التوعية ونقلت رسائل الحكومات والجهات الصحية إلى المجتمعات وأحدثت تأثيرًا إيجابيًا.قضية ثالثة مهمة أخرى تطرق اليها المتحدثون تتعلق بحقيقة ان جائحة كورونا واكبتها ما اسموه جائحة سيبرانية ساهمت في اعتماد جميع مؤسسات الدولة في القطاعين العام والخاص للتكنولوجيا الحديثة في عملياتها، وربما في بعض الأوقات تم استخدام هذه التكنولوجيا بشكل غير سليم، وهو ما قد يسبب بعض التهديدات التي قد تمسّ الدولة أو مؤسساتها المدنية وغيرها.ولذلك كان لا بدّ من تعزيز أدوات التواصل الحكومي للوقوف على كل ما من شأنه أن يؤثر على سمعة الدولة، والعمل على تعميم ثقافة الأمن السيبراني لتصبح ثقافة مجتمعية، ليساهم الجميع في تحقيق الأهداف في هذا المجال على اعتبار ان المسؤولية لا تقع على عاتق مؤسسة أو جهة، إنما هي مسؤولية جماعية.*** رسائل فعالةمن الجلسات المهمة التي شهدها المنتدى جلسة بعنوان “فاعلية الرسائل الاتصالية بين علم السلوك والبيانات الضخمة”.في هذه الجلسة قدم المتحدثون عددا من الأفكار المهمة في مقدمتها ما يلي:1- أهمية فهم توجهات جمهور وسائل التواصل الاجتماعي، وانتهاج المزيد من الانفتاح على تلك الوسائل سعيا الى مخاطبة المجتمع والأجيال الجديدة التي تعتمد على وسائل الإعلام غير التقليدية.2 – أهمية توظيف مختصين بعلم السلوك في صياغة الرسائل الإعلامية وضرورة رفد فرق الاتصال الحكومي بخبراء في هذا الجانب، وغيرهم من ذوي التخصصات التي يتطلبها الاتصال الحكومي في المستقبل، لفهم اتجاهات وميول الجمهور المستهدف، مشيرين إلى أن الجمهور بات وعيه يتشكل بشكل فردي، تبعاً لتفضيلات كل شخص وطبيعة اهتماماته على الإنترنت، وما تقترحه عليه المنصات المختلفة بناءً على تلك التفضيلات.3 – حاجة فرق الاتصال الحكومي للإلمام بالجوانب التقنية المختلفة ذات الصلة بوسائل التواصل الاجتماعي، وما تتطلبه من فهم لآلية عملها على اعتبار أن استخدام هذه الوسائل لإيصال الرسائل إلى الجمهور بات يمثل نقلة نوعية في شكل وصياغة مضمون المحتوى ليناسب الأدوات الجديدة، وليس مجرد نقل للمحتوى الذي كان ملائمًا في السابق ليتناسب مع الإعلام التقليدي.4 – ضرورة الاستعانة بالمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي للوصول برسائل الاتصال إلى جمهور أوسع، وتغيير لغة الرسائل وأسلوب الخطاب على الحسابات الرسمية للجهات الحكومية، بهدف مخاطبة الجمهور العريض والوصول إلى شريحة الشباب عبر مداخل مناسبة تحقق للرسائل الاتصالية فاعلية أكبر.*** الوباء المعلوماتيشهد المنتدى جلسة حوارية بعنوان “ملتقى المؤثرين: الوباء المعلوماتي”، المقصود هنا كيفية التعامل مع عدم مصداقية مواقع التواصل وما قد تنشره من اخابر ومعلومات كاذبة ومضللة.احد المتحدثين أشار هنا الى “أن تسابق صناع المحتوى على سرعة الانتشار وعدم مصداقية بعض المؤثرين تعد من أبرز أزمات مواقع التواصل الاجتماعي”.وقال متحدث آخر:”يوجد الكثير من المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي يقومون بتناقل أخبار بدون العودة إلى مصدرها أو التأكد من صحتها، بهدف زيادة أعداد المتابعين وتحقيق انتشارهم على المنصات، وهو ما يعد سبباً رئيسياً في زيادة الوباء المعلوماتي”.متحدثة ثالثة قالت أن بعض المتابعين ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يتأثرون بما يتداوله المشاهير، نظراً لحجم وأعداد متابعيهم وكأنهم كلما زاد عدد المتابعين زادت مصداقيتهم، وهو ما قد يؤدي لأزمات وأخبار خاطئة.وللتعامل مع هذه المشكلة أكد المشاركون قى أن التعاون بين إدارات الاتصال الحكومي المختلفة وبين المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي من شأنه أن يساهم في الحد من الوباء المعلوماتي، وأوضحوا أن الوصول لذلك يتضاعف بإعادة الاعتبار للمؤسسات الصحفيّة ودورها المهني القائم على الدقة والمصداقية.وتوقف المتحدثون عند المعايير التي يجب اختيار المؤثرين فيها للعمل مع إدارات الاتصال الحكومي، مشيرين إلى أنه ينبغي دراسة حساباتهم الشخصية، والتأكد من نوع المحتوى الذي يقدمونه وحجم الجهد الذي يبذلونه لتحري الدقة والمصداقية فيما ينشرونه*** أدوات المستقبلومن اهم جلسات المنتدى جلسة حملت عنوان “أدوات الاتصال الحكومي.. هل لا تزال نافعة للغد؟”من اهم القضايا التي أثيرت بهذا الخصوص دور الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة في تغيير مشهد وأدوات الاتصال الحكومي، وتوظيف هذه التقنيات لتخدم الرسائل والخطاب الحكومي وتعزيز أثره المتوقع في المجتمع.عمر بن سلطان العلماء وزير الدولة للذكاء الاصطناع يفي الامارات قال: الذكاء الاصطناعي بات اليوم في صميم أدوات الاتصال وتحديداً المنصات الإلكترونية، فالذكاء الاصطناعي يعدّ الوسيلة الأفضل والأكثر تأثيراً للمضي قدماً في تعزيز الخطاب والرسائل الحكومية، وقال: ” لا بدّ من أن نكون على قدر المسؤولية، وأكثر حكمة في توجيه هذه الرسائل عبر هذه التقنيات، وبشكل يسهم في تعزيز أثرها المتوقع”.وأضاف “هذا الأمر يدفعنا لضرورة فهم ما الذي يحدث على المنصات الإلكترونية”واكد على أنّه من الضروري جداً رفع حالة الوعي المجتمعي بهذا الفضاء الواسع و ضرورة وجود منصة حكومية معتمدة لتوثيق المحتوى وتحديداً السلبي منه، والذي يؤدي إلى نشر أفكار مغلوطة.صخر دودين وزير الدولة لشئون الاعلام في الأردن تطرق الى جانب في غاية الأهمية وهو مقترح تقدمت به الأردن خلال مؤتمر وزراء الإعلام العرب في القاهرة قبل ثلاثة أشهر، والمتعلق بضرورة تأطير المحتوى العربي على منصات التواصل الاجتماعي عبر التواصل مع الشركات العملاقة، مشيراً إلى أنّ وجود 400 مليون مستخدم ومشترك عربي يحتم ضرورة احترام ومنع أي تجاوزات تطال المحتوى العربي وتسيء له بطريقة أو بأخرى.خلال الجلسة اكد المتحدثون أيضا ضرورة أن تعمل الحكومات على تحسين وسائل اتصالها بشكل سريع، وأن تنفّذ الخطوات الرئيسية لذلك على الوجه الأمثل، إلى جانب الوضوح والمعرفة، وتوفير المنصات المناسبة لذلك، والتي توظّف التقنيات الحديثة، ولا تعتمد فقط على الوسائل التقليدية في ايصال رسائلها وخطابها الموجه للمجتمع وانه لا بدّ من الحديث بمصداقية وجودة عالية، وليس فقط الاعتماد على السرعة*** منصات التواصل والمحتوىمن الجلسات المهمة ايضا جلسة حملات عنوان “من يحدد قواعد اللعبة.. منصات التواصل الاجتماعي أم صناع المحتوى؟”،أكدت كارولين فرج نائب رئيس شبكة سي إن إن عن الخدمة العربية، أن جميع صنّاع المحتوى يسعون للوصول إلى الجمهور في أي مكان، مشيرة إلى أنه في السابق لم يكن أمامهم سوى شاشات التلفزيون فقط، ولكن الآن أصبح بإمكانهم التواجد في أي مكان سواء على الموبايل أو اللابتوب أو الشاشات.وقالت فرج: “إن الأساس في تلك القضية هو الوصول إلى الجمهور، ولكن الأهم هو كيف نصل إليه، هل بالحقيقة أم شبه الحقيقة أم بأمر ليس له علاقة بالحقيقة؟ وتابعت: “إن الحقيقة واحدة، ولكن طريقة تقديمها أو نشرها تختلف من تلفزيون إلى راديو إلى صحف ورقية، والآن أصبح هناك لاعب آخر أساسي وهو منصات التواصل الاجتماعي، التي يجب الاهتمام بها للوصول إلى الجماهير.وأشارت إلى أن شبكة سي إن إن، تحصل على معلوماتها من مواقع التواصل الاجتماعي في حالة واحدة فقط، وهي عندما يكون الحساب الذي نشر المعلومة موثقًا.وأوضحت إليزابيث ليندر مؤسس قسم السياسة والحوكمة في فيسبوك أن منصات التواصل الاجتماعي فتحت فضاءً جديدًا أمام الإعلام، مما جعل الكثير يتطور بشكل دائم لمواكبة المرحلة الموجودة.من جهته أكد راشد العوضي المدير التنفيذي لأكاديمية الإعلام الجديد أن شكل الإعلام تغير وعلى الجميع مواكبة التغييرات التي حدثت، موضحاً أن صناعة المحتوى خلال الفترة القادمة يجب أن تكون مركزة ومختصرة ويسهل تقديمها للجمهور خلال 20 ثانية.*** توصياتفي ختام أعماله، خرج المنتدى بـ 8 توصيات قدمتها علياء السويدي، مدير المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، موجهة للمؤسسات والأفراد وصنّاع القرارهي على النحو التالي:استحداث منهاج دراسي أساسي وجامعي يدمج بين علم الأخلاق والممارسات التنموية، وإدخال علومِ التفكيرِ النقديّ على هذهِ المناهج، والعمل على ترسيخ أهمية اللغة العربية من خلال استخدامها في جميع المنصات والمحافل الدولية.كما أوصى المنتدى بإدخال تَخصصِ السرد القصصي والمؤثرِ ضمنَ فرقِ الاتصالِ الحكوميِ وإداراتِهِ، وإدخال تخصصات علم الاجتماع والسلوك والبيانات لفرق الاتصال الحكومي، ودعى إلى تحويل الأمن السيبراني إلى ثقافة مجتمعية.وشملت التوصيات إنشاء منصات حكومية لرصد الشائعات وتفنيدها، ووضع استراتيجيات للاتصال الحكومي مبنية على علم البيانات وتحليل السلوك الاجتماعي، وتبني مشروع إعادة بناء إدارات الاتصال الحكومي بما يتناسب مع خصوصية جمهور المستقبل.***ما عرضت له هو بعض مما جرى في جلسات المنتدى والأفكار التي طرحت والاقتراحات حول مستقبل الاتصال الحكومي وكيف يجب ان يكون.الجهات المسئولة عن الاتصال الحكومي في الدول العربية من المفروض ان تدرس هذه الأفكار والتوصيات جيدا وان تستفيد منها سعيا لتعزيزي التواصل مع الشعوب بمامن شأنه خدمة المصالح الوطنية بشكل عام. |