إيران وإسرائيل: بين نهاية المشروع الصهيوني وولادة بديل وظيفي… قراءة في فرضيات التحول/ الدكتور احمد الحاج
في ظل التصاعد الدراماتيكي للتوترات بين إيران وإسرائيل، وفي خضم التفاعل الشعبي والإعلامي الواسع داخل الوطن العربي والإسلامي، يفرض واجب التخصص نفسه ليدعو كل مهتم بالتاريخ والسياسةإلى وقفة تأمل تقرأ الحدث برؤية أعمق، وترصد احتمالاته من منظور استراتيجي، بعيدا عن ردود الأفعال العاطفية التي لطالما دفع العرب والمسلمون أثمانا باهظة مقابلها نتيجة استعجالهم في إطلاق الأحكام.
لقد شهدت الآونة الأخيرة تصعيدا لافتا بين الطرفين، بلغ ذروته في تبادل ضربات غير مسبوقة، ما دفع كثيرين إلى التساؤل: هل نحن أمام بداية نهاية إسرائيل؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه فصلا آخر من فصول إعادة التموضع الإقليمي؟ أم أننا ببساطة أمام زوبعة عابرة سرعان ما تخبو ليعود المشهد إلى ما كان عليه؟.
وهذا يعني أننا أمام ثلاث فرضيات تفرض على العرب والمسلمين التريث في اي موقف سيتخذونه في هذا الخضم.
أولا: فرضية الاستبدال الوظيفي
ثمة من يقرأ هذا التصعيد ضمن سياق استراتيجي أعمق، يرى أن الغرب ـ أو بالأحرى القوى المركزية في المنظومة الأطلسية ـ قد بدأت تفكر جديا في استبدال إسرائيل كقاعدة متطرفة في الشرق الأوسط، بإيران كقوة ، أكثر قدرة على تنفيذ الأجندة الغربية ضمن تغليف أيديولوجي جديد، يقوم على جذب” الطيف الشيعي المقبول في بعض الأوساط”بدلا من “الحليف الصهيوني المحاصر أخلاقيا”.
هذا الطرح قد يبدو صادما للبعض، لكنه يجد له مبررات في ضعف الكيان الإسرائيلي داخليا، وتصاعد كلفة الدفاع عنه دوليا، وتآكل صورته حتى في أوساط أنصاره الغربيين.
ثانيًا: فرضية النهاية الذاتية
بالمقابل، ثمة من يرى في تدهور الوضع الإسرائيلي انعكاسا طبيعيا لتاريخ طويل من البطش، والاستعلاء، والاحتلال، والاستقواء بغطاء خارجي لم يعد مقنعا ولا قادرا على حمايته بالفاعلية السابقة. فالنظم التي تبنى على الظلم تنتهي بسقوط أخلاقي وسياسي لا محالة، وقد تكون إسرائيل على مشارف هذه النهاية.
وإذا صح هذا الاحتمال، فهو بلا شك تطور مفصلي، لكنه لا يجب أن يكون مدعاة للفرح المتسرع، بل للتهيؤ الواعي، والتحضير لمرحلة ما بعد إسرائيل، وهي المرحلة التي قد تحمل فوضى أو ترتيبات مفاجئة.
ثالثًا: فرضية المناورة العابرة
أما الفرضية الثالثة، والأكثر تحفظا، فتتمثل في أن ما يحدث ليس سوى جولة من الجولات المعتادة، قد تكون أكثر سخونة من سابقاتها، لكنها ستنتهي كما انتهت كل سابقاتها، بوساطات وتفاهمات، وعودة إلى معادلات “الردع المؤقت”، و”الخطوط الحمراء”.
ما يترتب على العرب اتخاذه على الصعيد الاستراتيجي..
مهما كانت الفرضية الأقرب للصواب، فإن ما يجب على العرب اليوم، هو عدم السقوط في فخ التسرع أو التهويل أو الانبهار.
فالمنطقة تعيش على وقع تحولات معقدة، تختلط فيها الحسابات الجيوسياسية بالمصالح الاقتصادية والرهانات الدينية، وأي خطأ في التقدير أو الاستجابة العاطفية قد يستغل لصناعة وقائع ميدانية جديدة.
إن المطلوب ليس التشكيك في كل شيء، ولا الإحجام عن اتخاذ المواقف، بل ترسيخ عقلية النقد الاستراتيجي، والقدرة على قراءة الأحداث من زوايا متعددة، وتحكيم الوعي بدل الحماس، فذلك وحده ما يضمن للعرب والمسلمين موقعا فاعلا لا تابعا في خارطة التحولات القادمة.