مستقبل النظام الاقتصادي العالمي… مَن المؤهل لقيادته؟ عبد الحافظ الصاوي
إرهاصات نظام اقتصادي عالمي جديد، تشكلت منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، سواء في ما يتعلق بدور المؤسسات المالية الدولية وانحيازها لصالح أميركا خاصّة والغرب عموماً، أو المشكلات التي شهدها العالم على الصعيدَين؛ النقدي والمالي، التي أدت إلى تحمل الدول لتبعات سوء السياستَين النقدية والمالية لأميركا.
لكنّ مجيء دونالد ترامب في ولايته الأولى، أثار مشكلات إضافية أبرزها الحرب التجارية القائمة على اعتماد آلية الرسوم الجمركية 2017-2021، متغاضياً عن قواعد ودور منظمة التجارة العالمية، وإن كانت قضية الرسوم الجمركية ومعارك ترامب اختفت ظاهرياً إبّان فترة جو بايدن، إلّا أن الحجب الأميركي الغربي أخذ منحى آخر، وهو حجب التكنولوجيا، ما ساعد كثيراً على تصعيد الحرب الاقتصادية، ودفع نحو ضرورة البحث عن نظام اقتصادي عالمي جديد.
جولة ترامب الجديدة
فجرت الإجراءات التي اتخذها ترامب بعد توليه السّلطة في أميركا مطلع 2025، مجموعة من القضايا الاقتصادية العالمية، على رأسها الحرب التجارية، مصحوبة بحالة اضطراب في اتخاذ القرار بشأن فرض رسوم جمركية أعلى على الدول المتعاملة مع أميركا.
إلا أنها جعلت الجميع في حالة من الترقب والبحث عن بديل آمن للتجارة العالمية، ومن ثم مجريات الاقتصاد العالمي، فما يترتب على أمر تلك التجارة، ليس مجرد نقل للسلع فحسب، ولكنْ هناك عمالة ومصانع وتمويل ونقل وشحن وتأمين وطاقة، ودائرة اقتصادية متصلة، تؤثر في بعضها البعض كثيراً.
وكما كان العالم يبحث عن قواعد جديدة لتنظم الشأن الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية 1939-1945، واستقر على إنشاء البنك والصندوق الدوليَّين، واعتماد الدولار عملةً للتسويات المالية الدولية، فنفس الشيء يتكرّر الآن، ومطلب نظام اقتصادي عالمي جديد يفرض نفسه على نحوٍ واسع.
عانى العالم من الركود أو الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن العشرين، وظل الجميع يبحث عن مخرج، والتطورات التي يعشيها العالم بسبب إجراءات وقرارات ترامب في 2025، تقود الاقتصاد العالمي إلى ركود، سيكون بلا شك مُؤججاً لمطلب البحث عن مخرج، وإن كان الثمن تغيير قواعد النظام الاقتصادي العالمي.
الدولار واليوان الصيني (Getty)
اقتصاد دولي
هل تتخلى الصين عن الدولار رداً على الرسوم الجمركية الأميركية؟
فالعالم يبحث عن قواعد جديدة تضمن عدالة العلاقات التجارية والمالية، بما ينتج عنها حالة من الاستقرار متوسط وطويل الأمد نسبياً، وأن تجري السيطرة على الأزمات الاقتصادية العالمية المتكررة بسبب سيطرة قوة واحدة على المقدرات الاقتصادية العالمية.
خطوات نحو التغيير
العالم يتغير بالفعل، وهذه حقيقة، فترامب وجد ردوداً من دول العالم، لم يكن يتوقعها في ما يبدو، فأميركا التي كانت تأمر فتُطاع، لم تعد مقبولة في ظل الواقع الجديد، فالعديد من دول العالم ردت بالمثل على رسومه الجمركية، أو على الأقل طلبت الدخول في مفاوضات، وبالفعل أسفرت هذه المفاوضات في بعض الحالات عن تراجع ترامب في قراراته أو تأجيل البدء بتنفيذها.
هذه واحدة، أما الأمر الثاني فنحن أمام متغيرَين مهمَين، في ما يتعلق بمظاهر إعادة ترتيب المشهد على صعيد الاقتصاد العالمي، وهما أنّ الصين قد تخلت تماماً عن الدور الأميركي المرسوم لها، باعتبارها مجرد مصنع العالم، واتجهت لأن تكون قوة اقتصادية تتمتع بدرجة عالية من الاستقلال، خاصة في ملف التكنولوجيا، وهو الملف الذي إن حسمته الصين لصالحها فسيكون ميزان القوى الاقتصادية العالمية لصالحها بلا منازع.
الأمر الثالث وهو ما يتعلق بنظام التسويات المالية العالمية، وما أعلن مؤخراً من ترتيب خطوات لاعتبار اليوان الرقمي، بديلاً للنظام الغربي الأميركي “سويفت”، إذ يجري الترتيب لإشراك دول آسيوية عدّة في نظام التسويات بالعملة الصينية الرقمية، تصل حجم تعاملاتها في بعض التقديرات 38% من حجم التجارة العالمية.
وفيما يتعلق بالتخلي عن الدولار بصفته عملةً دوليةً، فهناك بالفعل ترتيبات ملموسة لهذا الأمر، من أبرزها تراجع نصيب الصين من حيازة السندات الأميركية، فبعد أن كانت تحتل الصدارة على مستوى العالم بنحو 1.2 تريليون دولار، تشير البيانات الحديثة إلى أن رصيدها أصبح 784 مليار دولار في فبراير 2025. فضلاً عن اتجاه كبير نحو حيازة الذهب، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو الدول، وهو ما يعني أن ثمة نجاحاً منتظراً، خلال عقد من الزمن تقريباً، إذ ستظهر النتائج الملموسة لسياسة التخلي عن العملة الأميركية.
ملامح المستقبل
حتى لو اعتبرنا أن فترة ترامب مؤقتة، وبعدها قد تُغير أميركا وجهتها نحو كل ما رسّخه الرئيس الأميركي في تغيير المشهد الاقتصادي العالمي، فإنّ باقي الأطراف لن تقف مكتوفة الأيدي، وتظل رهينة التصرفات الأميركية. فنحن أمام مشهد يحتاج إلى قراءة دقيقة تتعلق بتوجه الاتحاد الأوروبي فيما هو قادم، خاصة بعد الضغوط المتعدّدة التي فرضها ترامب نحو دول القارة، هل سينفك الترابط الأميركي الأوروبي على الصعيد الاقتصادي والمالي، ليكون للاتحاد الأوروبي توجه مستقل؟
والقاعدة تقول: “دائماً المصالح تخلق التحالفات أو تفضها”، وفي حالة فك التحالف أو الارتباط للاتحاد الأوروبي مع أميركا، فالمرجح أن تجري بصورة ما حالةُ تعاون أو ارتباط بين الصين والاتحاد الأوروبي، خاصة أن ثمة اتفاقاً بين الطرفَين، كان قاب قوسين أو أدنى للدخول في حيّز التنفيذ، لكن مساعي بايدن حالت دون تنفيذه، وجرى إلغاؤه في عام 2021.
بريكس ومتطلبات القيادة
على مدار أكثر من عشر سنوات، يتزايد الدور المنوط بتجمع “بريكس” في الاقتصاد العالمي، خاصة أنّ القمم السنوية للتجمّع، تعد بمثابة الصوت المسموع في وجه أميركا والغرب، والنظام الاقتصادي الحالي.
وشهد عام 2024 توسع عضوية التجمع بضم دول أخرى، وهناك رغبة لدى مزيد من الدول الراغبة في الانضمام إلى التجمع، خاصة في ضوء توسّع عمليات بنك البنية الأساسية، الذي تزداد عضويته كذلك على نحوٍ ملحوظ.