ارحمونا في ديننا أيها الأئمة والخطباء / الدكتور محمد ولد الراظي عضو قيادة حزب الإصلاح

تمتاز صلاة الجمعة عن غيرها أنها ليست صلاة كسائر الصلوات بأركانها وفرائضها فحسب بل تزيد بكونها لا تصح إلا بالجماعة وبها خطبتان مما يجعل منها موعدا أسبوعيا لحشد أكبر قدر من المسلمين ليشهدوا مواعظ وإرشادات وتوجيهات لما فيه صالح دنياهم وأخراهم.

وقد كانت للجمعة خاصية كبيرة قبل الإسلام وكانت يوما يعظمه العرب في الجاهلية وظلت تعرف بيوم العروبة حيث يجتمع العرب لتدارس أمورهم و سياساتهم وعلاقاتهم فيما بينهم ومع الآخر….إلي أن جاء كعب بن لؤي فاستبدل العروبة بالجمعة بفتح الميم لتكون أكثر مواءمة مع القصد منها( موعد للجمع) وقد أبقي الإسلام علي ميزة هذا اليوم عن سائر الأيام – ولكن للمسلمين لا للعرب وحدهم- فجعل له صلاة وجعل منه مناسبة لتذكير المسلمين بعقيدتهم وتحصين عقولهم ومواجهة أعدائهم بالحجة الدامغة والبرهان القاطع وحثهم علي الأخذ بأسباب القوة في الدنيا والاستعداد للآخرة……ولكن يبدو أن الكثير من الأئمة في عصرنا هذا والخطباء قد نحوا منحي آخر……فلم يعودوا يكلفون أنفسهم عناء كبيرا في التدبر في آثار بعض المنقولات من فقهنا التراثي علي العقل المسلم وعلي الدين بصفة عامة….

دخل الإمام الخطيب وجلس بمحرابه وأذن المؤذن للصلاة وبدأت خطبة الجمعة وعمت السكينة الجموع ….تحدث الإمام عن أمر مهم كما هي عادته دائما واستنفر ملكاته القرآنية واللغوية الكثيرة في تفسير الآيات المحكمات واجتهد واستنبط وجاء برأي يقول به الكثير ويقول بغيره الكثير….ولا إشكال في هذا ولا ضير -إذ تعدد الرؤي مطلوب ومعين علي الفهم ومفيد – واسترسل كثيرا واستفاض إلي أن وصل به الحديث للقول بأن المرأة ناقصة عقل ودين واستشهد بحديث نقله بعض الرواة وقرأه في بعض الأسانيد ذكر العديد منها وجاء بتفسيرات منه لبعضها وتأويلات….والناس يستمعون بخشوع….

لن أدخل في تفاصيل أسانيد الرجل لأن الكثير من فقهنا التراثي بحاجة لغربلة دقيقة من ذوي الإختصاص.. ولن أدخل في المعطيات العلمية حول الوراثة والصفات الوراثية وحملها واشتراك طرفي النطفة فيها لأن ذلك قد لا يكون له أساس أصلا عند القائلين بنقص العقل والدين عند الأمهات !!!!!
ومع أن روح الإسلام وعالميته تكفي للرد علي مثل هذه اليقينيات الضارة بالدين وأهله فسأذكر الإخوة الأئمة والخطباء بضرورة الحذر من نشر بعض اليقينيات التي ورثوها من منقولات غابرة ومنها هذا القول المتهافت…

إن القول بنقص في عقل المرأة ودينها يعني تلقائيا الجزم بنقص في عقل الرجل ودينه….فالمرأة هي من يرضع الأساسات الأولي لوحدات اللاشعور للرضيع والطفل…..والمرأة هي المدرسة الأولي وهي من ترافق الوليد منذ وضعته وفي حبوه وحركته وإدراكه بسمعه وبصره وحسه وهي من تتابع حركاته وسكانته وهو في البيت والمدرسة ومع الصحب والخلان….

ثم إن من نقص عقله ليس باستطاعته أن ينتج عقلا مكتملا لأن فاقد الشيئ لا يعطيه و من مات علي دين ناقص لن ينال من الله إلا ثوابا منقوصا…..فما ذا يقول القائلون بهذا الرأي وينثرونه بين المسلمين في أمنا خديجة وأمهات المؤمنين والصالحات الناسكات العابدات من المسلمات الطيبات الساجدات الراكعات …….أمتن كلهن علي دين ناقص وكن كلهن بعقل ناقص !!!!!
وماذا يقولون في “يوكابد بنت لاوي” أم موسي التي خاطبها الله عز وجل “وأوحينا إلي أم موسي …..” وهل يعقل أن يوحي رب العزة والجلال إلي ناقص عقل ودين ….(وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا …..) وما ذا يقولون في مريم التي خاطبها الله عز وجل ( وهزي بجذع النخلة…..) وهل يعقل أن يكون الله كرم بني آدم (ولقد كرمنا بني آدم ….) وفي نفس الوقت حرم أكثر من نصفهم من نعمة العقل !!!!

المرأة كا لرجل – إلا ما كان من فوارق خَلقية- لها ما له وعليها ما عليه وقد اضطلعت بأدوار مشهودة في نشأة الدعوة الإسلامية وانتشارها وفي الغزوات وفي الفتوح ورواية الحديث ثاني أركان منظومتنا الفقهية…ارحموا عقولنا وديننا أيها الأئمة والخطباء وانتبهوا لما قد يترتب علي هذه الحرية المطلقة – التي وهبتم لأنفسكم – من أضرار علي الإسلام والمسلمين….